علم سابق لعلوم الأمم قبل 7000 آلاف عام الـفـن الـتـشـكـيـلي بجــبّـانة الـكـرو الـمـلـكـية..

الـكُـرُو: تيسير الريح

تشكل جبانة الكرو بادرة الفنون التشكيلية التي تتزين بها جدرانها الداخلية إذ قدر علماء الآثار أن التأريخ يعود بهذه النقوش والرسومات إلى أكثر من 7000 عام قبل الميلاد حيث لم يكن حينها قد أنشئت كليات الفنون الجميلة والتطبيقية كما هو الحال في عهدنا الحالي، إذ تدرس الفنون بأنواعها وفقاً لقواعد رسم وأسس وأبعاد يخضع لها الفنان قبل ريشته أو معول نحته الصغير الذي يعطي للجدران بهاء ومهارة وإتقاناً فيما يعرف بـ (الجداريات) في عهد الفن التشكيلي الحديث. وهي عبارة عن أعمال نحت تكون بتصميمها على الجدران بشكل فيه بروز واضح فهي ما بين النحت الكامل والرسم المنقوش بعمق يحمل تفصيلا على وضوح جزئي لملامح الرسم، وتظهر جلياً للزائر لمقبرة الملكة أماني رديس أن أولئك الملوك كانوا ذوي علم ضارب في القدم وسابق لكل الأمم الأولى هذا ما تعكسه الأعمال الفنية العميقة المعاني والدقيقة التصوير التي تضمنتها كل (جبّانة) الكرو الملكية، ويعود الاسم إلى المصطلح التعريفي المحلي في المنطقة بالولاية الشمالية وتعني (المقابر)، وتعتبر الكرو مدينة أثرية تأريخيا عظيمة لما بها من قبور ملكية تم استخدامها من قبل الأسر الملكية الكوشية وبها حوالي 55 هرماً تعود جميعها إلى الحقبة المبكرة من الحضارة الكوشية منذ عهد الأسرة الخامسة والعشرين بدءًا من الملك ألارا 795 إلى 752 وإلى عهد الملك نستاسن 335 إلى 315 قبل الميلاد وتم اكتشافها بواسطة عالم الآثار الأمريكي جورج أندرو ريزنر، إذ تنقسم تضاريسياً إلى ثلاثة أقسام، ويبدو أن المنطقة الرئيسة في الوسط هي الأقدم إذ تحتوي على شواهد قبور وركام يعود إلى ما قبل الحضارة الكوشية وقد تصوّر ريزنر ان أقدم هذه القبور يعود إلى حقبة الفرعون شيشنق 850 قبل الميلاد، لكن العلماء المعاصرون امثال تيموثني كاندال وحكيم ولازو يعتقدون أن هذه القبور تمتد على تواريخ أقدم بكثير من التي ذُكرت وتحديداً إلى فترة الرعامسة أي إلى 1070 قبل الميلاد ففي الجزء الأعلى في المدينة توجد أربعة قبور، وإلى الشمال عبر الوادي الشمالي توجد ستة قبور وإلى الشرق يوجد صف من ثمانية إهرامات، وفي أقصى جنوب هذا الصف يوجد هرم الملك كاشتا ويحتمل ان يحتوي نفس الهرم على جثمان زوجته الملكة باباتشما، وأمام هذا الصف يوجد صف آخر من الإهرامات يحتوي على قبور الملوك طهارقة وشباكا وتنوت أماني على التوالي وإلى الشمال من هرم الملكة باباتشما توجد إهرامات الملكة نبرا وخينسا وكلهاتا وأرتي، إلى جانب وجود مقبرة خيول كاملة مما يدل أنها تزامنت والإهرامات التي أقيمت للملوك إذ كانوا يحبون الخيول لما تجسده من خيلاء وعز ملكي وسطوة تعميقاً لقيمة الخيل، فكانوا يتبعون في دفن الخيول أن تكون واقفة في أرماسها ويقومون بقطع الرؤوس، وقد احتلت هذه المقابر رقعة عريضة للخيول الملكية، إلى جانب مقابر أخرى للكلاب الملكية، كل هذا يدعو الزائر إلى المنطقة إلى تعزيز فكره الذي تغذّى من بطون الكتب مكتفياً بالمعلومات البسيطة بل والسطحية إذ لم تشمل المعلومات في تضمينها ما حوته الإهرامات من تحف ورسومات ولوحات غاية في البراعة ومدهشة للرائي الأمر الذي يبرهن أننا أصحاب سبق في كافة العلوم الإنسانية منذ عهود هي الأقدم على الإنسان منذ الخليقة الأولى تذهل وأنت تهم بالدخول إلى القبر الملكي عبر درج يبدأ ببوابة هي أقرب إلى الأرض قبل أن تدلف وكأنك تمر في دهليز اختار من الأرض باطنها كلما سلكت سُلماً تشعر بالابتلاع الذي لا يخلو من الرهبة المقرونة بالدهشة والاحتواء لرغبة الاكتشاف لتجد نفسك في آخر السير الذي يستغرق ما يقارب سبع دقائق كاملة في موضع القبر الملكي في بهو بباطن الأرض يشمله في أعلاه التصميم التشكيلي البديع والذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك السبق الفني التشكيلي والذي كانت أرضه هنا.. بأقاصي الشمال في حقبة ملكية مترفة ومفعمة بالكثير والمثير من العلوم الإنسانية.

الصيحة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..