مقالات سياسية

صناعة التسوُّل والتشرُّد‎

لم يعانِ السودان من ظاهرتي التسول والتشرد إلا بعد أن فقد استقراره الاقتصادي والسياسي ومن ثم الاجتماعي خلال السنوات الماضية، والطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة هي إعادة الاستقرار والحياة الكريمة إلى المجتمع، وتحول الدولة إلى دولة رعاية اجتماعية، وأي حلول لا تعتمد على إصلاح الاقتصاد وتحقيق الاستقرار السياسي ستكون مجرد هدر للأموال والزمن والجهد بلا فائدة . . وزيرة الرعاية الاجتماعية ?أمل البيلي? كشفت عن قيام وزارتها بحملات ضبطت خلالها 4782 متسولاً ومتشرداً بالعاصمة وحاكمت 867، وتم لم شمل 614 بأسرهم، وأعلنت عن شروع الحكومة في صياغة قانون اتحادي للتشرد والتسول المنظم.

وقالت إن الخرطوم ظلت تتحمل عبء المشردين والمتسولين لوحدها باعتبارها العاصمة، وفي النهاية أقرت سيادتها أن السبب في انتشار الظاهرتين زيادة معدل الفقر في الولاية والذي أرجعته إلى استمرار التدهور الاقتصادي وزيادة نسبة البطالة ومعدلات التضخم، ولكنها لم تطالب الحكومة بمعالجة هذا الأمر ولن تفعل.
إذاً هي تعرف المرض ورغم ذلك تتحدث عن العرض وهو ما لا يغير في الواقع شيئاً، حديث الوزيرة كان أمام أعضاء المجلس التشريعي ضيوف الحكومة على حساب الشعب. كان يجدر بوزيرة الرعاية الاجتماعية أن تطالب بمعاجة التدهور الاقتصادي وانتشار الفقر قبل وضع القوانين ومحاكمة المتسولين والمتشردين، وهي تعلم أن السجن كم شهر أو حتى كم سنة (ما بفرق) مع متسول أو متشرد أصلاً هو محتاج إلى مأوى ومأكل وما دامت السجون مستعدة دائماً لاستقبال النزلاء فلتتحمل هذا العبء غير المبرر، ووقتما خرج المتسول أو المتشرد سيستقبله الشارع نفسه ما دام التسول أصبح مهنة والشارع مسكن وأسبابه مستمرة، أما بالنسبة للذين تم لم شملهم مع أسرهم، ما الفائدة من الأمر ما دامت الأسرة نفسها تحتاج إلى من يلمها، فهي إن كانت تشعر بالاستقرار وتجد ما يعينها على الحياة الكريمة لما تركت فلذات أكبادها يتشردون أو يتسولون، وبما أن الإنسان في حياته يختار أفضل ما تتاح له من فرص، كان التشرد والتسول هو أفضل فرصة للكثيرين فاختاروه وما أقساه من خيار لو تعرف السيدة ?أمل?.
أما الحديث عن أن الخرطوم تعتبر أكثر المدن ازدحاماً بالمشردين والمتسولين لأنها العاصمة، فهذه ليست معلومة جديدة وفي نفس الوقت ليست مبرراً يرفع عن الحكومة ذنب تسببها في تشرد وتسول المواطنين. أعرف أن وزيرة الرعاية الاجتماعية تعلم كما نعلم جميعاً، أن الحكومة هي الوكيل الحصري لصناعة التسول والتشرد، ولكنها تتجنب الكلام المباشر، هذه المشكلة تحتاج لإجراء إصلاحات حقيقية في الاقتصاد المنهار ووقف الفوضى السياسية في البلد والنهوض بالخدمات الاجتماعية، عام واحد فقط يمكن أن يغير كل شيء ويحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتلقائياً ستتغير أحوال المواطنين وستتوفر أمامهم فرص كثيرة وكل سيختار أفضل مما هو متاح له ولن يكون من بينها التسول أو التشرد، حينها لن ترى الوزيرة متسولاً ولا متشرداً، ولكن كيف يمكن أن تحل المشكلة والحكومة هي من تصنعها وتدعم استمرارها، والسيدة الوزيرة تعالج العرض وتترك المرض.
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..