نبيهة عبدالرازق: الكاتب ذات وليس أداة في يد المجتمعات

الكاتبة نبيهة عبدالرازق ترى أنّ مهمة المبدع يجب أن يكون صاحب رؤية وفكرة ويحاول ضبط إيقاع صوته في أفكار يفرضها من خلال كتاباته.

العرب

نبيهة عبدالرازق تحاول أن تهرب من الواقع المليء بالموت إلى عالم الحب

الكتابة مبعث حياة وهي وقود الاستمرار في هذا العالم الموجع والمتعب، بكل ما يدور فيه من وحشية وقسوة، هي نبض الدم والشهيق الذي يعين الإنسان على الاستمرار في هذه الحياة، وهي أيضا أدوات الاحتمال التي تخلّص الكاتب من الآلام والأحزان، الكتابة ليست ترفا تمارسه في أوقات الفراغ فالكتابة عندها هي حالة تلغي مساحات وتفرض مساحات أخرى ليتولّد غد أجمل.

نبيهة عبد الرازق روائية أردنية من أصل فلسطيني، تحمل إجازة في الأدب الأنكليزي وتحضّر دراسات عليا في حقوق الإنسان، صدر لها روايتان عن دار فضاءات للنشر والتوزيع هما رومينا وابنة السفير. ?العرب? كان لها هذا الحوار مع الكاتبة حول تجربتها في عالم الكتابة والنشر.

البحث عن الأجمل أو السعي للوصول إليه دائما، هو ما جاء بالأديبة الأردنية من أصل فلسطيني نبيهة عبدالرازق إلى عالم الكتابة، فبعد أن فقدت والدها واجهت تلك الأحزان الكبيرة أو ذلك اللون الأسود الذي سيطر على كل شيء بمساحات بيضاء، كانت تنتظر من يملؤها كلمات تكوّن أعمالا إبداعية، فكانت ?رومينا? الرواية الأولى التي قدّمتها للقارئ العربي، والذي لعبت دور الطبيب الذي أخذ بيد الكاتبة، وجعلها تقولب أوجاعها لتصمد من أجل قضايا الوطن الذي يحمل الوجع الجمعي كما تصفه.

البحث عن الإنسان

عن مقولاتها في الأدب الذي تقدّمه تقول نبيهة عبدالرازق: إنّنا أبناء الواقع الذي نعيشه فنحن نحمل أفكارنا حسب التجربة والمسيرة في هذه الحياة، وإننا لا نشبه أنفسنا قبل سنوات فالإنسان خاضع للتطوّر.

ومن هنا تؤكّد الروائية الأردنية أنّ الطرح الأدبي اختلف بين رواية ?رومينا? ورواية ?ابنة السفير?، وبطبيعة الحال سيختلف اليوم عن الغد، وهذا نابع من تسارع الأحداث فيما يحيط بنا بشكل بات يصعب على الإنسان أن يتصالح مع ما يحيط به، فعدو اليوم كان صديقا وصديق اليوم لا ندري ما سيكون في المستقبل، لذا وبعد كل ما هو لاإنساني لا بدّ كما تقول نبيهة أن يبدأ الجميع بالبحث عن الإنسان في دواخلهم مهما كان الاختلاف في الدين أوالعرق، واللغة أوالجنسية.

روايتها الأولى?رومينا? يمكن القول إنها حكاية حب ووجع، أخبرت الآخر أن القضايا الكبرى وحدها تبقى تسكننا لتشفينا، وأنها تطغى على كل حال فردي فينا وأن الوطن مهما عشنا خارج حدوده يبقى يسكننا، ويبقى هو المحرك الأكبر لأرواحنا وتوجهاتنا، بينما روايتها الأدبية الثانية ابنة السفير فكانت رسالة صارخة بأن الحب الإنساني يمكن أن يتغلغل في ذواتنا، وينقلها من الأنا الواهمة بكل مظاهر الرفاهية إلى الأنا الحقيقية، إن التقينا حبا فذلك يساوي وطنا في دواخلنا.

بالرغم من كل السوداوية القاتمة التي ينذر بها المستقبل القادم، إلا أنّه لا بدّ من القول إنه يبقى في هذا العالم مساحة للحب تهذّب أفكارنا وتحمي أرواحنا، كما تصفه نبيهة عبد الرازق، ذلك الحب يحملنا إلى الفرح في زمن يسكنه الدمار وتحمل راياته الخراب، الحب الذي تتحدّث عنه ضيفتنا لا يقتصر بين الرجل والمرأة، بل يتعدّى ذلك إلى كل ما يحيط بنا وحولنا، وهذا ما كان في ?رومينا? بطلة رواياتها الأولى، التي غاب عنها الحبيب الرجل ولم يكن صمودها إلّا من خلال حالة أخرى من الحب الأبوي وحب الأصدقاء، الذي أضاف الدفء والهدوء في نفسها لتحب كل ما حولها، وتبحث عن الحب الأكبر في دواخلها، فربّما تمثّلت مقولة الشاعر الدمشقي الكبير نزار قباني حينما قال ?إن الحب ليست رويات بختامها يتزوّج الأبطال?، فهو في رومينا موهبة من السماء.

تحاول الكاتبة أن تهرب من الواقع المليء بالموت إلى عالم رحب يحكمه الحب لتستنهض الحس الإنساني في القارئ، الذي تدفعه الرواية لحماية نفسه من فكرة سيطرة الألم والدمار، ليحافظ على الإنسان بداخله كما تقول ضيفتنا.

ترى نبيهة عبدالرازق أنّه لم تكن الغاية من وجود الإنسان على الأرض تتشابه مع المشهد اللاإنساني الموجود والمسيطر في هذه الأيام، وتقول: أظننا فهمنا الرسالات السماوية عن الحب والسلام بشكل أناني، كل يبحث عن بقائه وتفرده بأنانية عالية تلغي وجود الآخر، فالأطماع تتغلغل في الأنفس، ليس على مستوى أفراد أو جماعات بل على مستوى أقوام وجنسيات وديانات تتعالى بعضها على بعض بسبب القوة، يفرضون سيطرتهم ويحققون أهدافهم، فتسقط القيم لأجل الأطماع الذاتية والمجتمعية.

وهنا ترى الكاتبة أنّ مهمة المبدع في ظل هذا الخراب أن يكون صاحب رؤية وفكرة، فلا يكتفي بنقل المشهد أو تأريخه، بل يحاول ويسعى لضبط إيقاع صوته في أفكار يفرضها من خلال كتاباته، لتتساءل ألا يزلزل القلم عروشا ظنّ أصحابها أنها صامدة إلى الأبد؟

الكاتب والمجتمع

ربما لا يواجه القلم رصاصة بمعنى المواجهة الحرفية، ولكنه يواجه الظلم وكل صنوف الاحتلال سواء المباشر أو غير المباشر فيقول كلمة حق في زمن تنكست فيه الجباه والأعناق، وهناك استثناءات كما ترى الكاتبة، فهناك كلمة قد تودي بحياة صاحبها برصاصة غادرة، يطلقها جبان لا يقوى على المواجهة إلا بالغدر.

تعرّف نبيهة عبدالرازق روايتها ابنة السفير بأنّها حالة من التنقل داخل النفس البشرية، يكتشف القارئ من خلالها ذاته التي كان يظنّ انّه يعرفها، بعد أن يتحرّر من أوهام كثيرة تسكنه، وترى الكاتبة أنّ العمل الروائي يفرض شخوصه وملامح أبطاله، دون أن يكون للكاتب الحق في أن يقولب الأشخاص أو الأبطال ويحاصرهم.

فالكاتبة الأردنية تترك لحظة الكتابة لزمنها الخاص، لتصوغ مسار شخصياتها فتتفق معهم وتتصارع إلى أن يصل قطار الكتابة إلى محطته الأخيرة، لتكتشف أنها كانت المتفرج الوحيد في الوقت الذي تشاركت فيه الشخوص لقيادة النص.

فالكاتب كما تؤكّد نبيهة يرى بعين ثالثة، تجمع الجمال والقبح الموجود في الواقع المحيط، فالعمل الإبداعي حالة خلق يبدأها الكاتب لتقوده الشخوص، التي رسم ملامحها إلى مصائر وعوالم قد يدهش وهو يتعرف بها.

والكاتب كما ترى ضيفتنا ليس أداة مطواعة في يد المجتمعات التي يخاطبها من خلال كتاباته، وإنما يحاول جاهدا إيصال بعض الأفكار التي يؤمن بها أو يشعر بأهميتها في زمنه، دون أن يأخذ بعين الاعتبار مدى التوافق بين عادات المجتمعات العربية وبين ما يكتب، فأيّ كتابة لا تخضع لحرية مناخاتها هي كتابة مقبورة بالضرورة.

بكثير من الحنين تتذكّر الروائية الأردنية نبيهة عبدالرازق زيارتها إلى الأراضي الفلسطينية خلال معرض الكتاب في مدينة رام الله، حيث عايشت كما تقول شعبا شامخا صامدا، يكتب بالدم أساسات ومواثيق الحرية، هناك الوجع الكبير الذي لا تحيط به الكلمات، ولا تصفه أو تحتويه بين أسطرها الروايات، هناك ثورة لن تطفئها مدفعية ولا اتفاقيات، هناك إبداع حقيقي من الصمود، يخبر العالم أجمع أننا أبناء فلسطين نحمل قضية منذ قبل ميلادنا، ونحمل مفاتيح أجدادنا نعلّقها أمانة في أعناقنا، ونمرّرها إلى أولادنا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..