إدمان الحرب

القائد العسكري الذي أنفق سنينا عددا في الحرب ضد الأعداء ليدحرهم ويشتت فلولهم آخيراً بعد إنتصاره الكبير, يأمر جيوشه ب(أرضاً سلاح) إلا انه وقبل ان يكمل أياماً معدودات بين ظهراني أهله الذين غاب عنهم كل تلكم الفترة الطويلة ـ منازلاً الأعداء بين الأحراش , تنتابه حالة غريبة من الكآبة , ويبدو أن اختلال ساعته البيولوجية سببه ـ السكون المفاجيء وخموله بالبيت , بعد حربٍ طويلة ما بين كرٍ وفر ـ بعيداً عن دوي الآلة الحربية ..حالة قاتلة تلك التي لم يجد أمامها خياراً سوى العودة إلى ميادين القتال مجدداً وبالفعل تهيأ لذلك وهو في كامل زيه العسكري وجمع جيوشه وهم في دهشةٍ من أمره, ليأمرهم بالعودة للقتال ,فقالوا له: لقد دحرنا الأعداء بإنتصارنا الكبير بفضل قيادتك وخبراتك العسكرية, والبلاد اليوم تنعم بالإستقرار والأمن والسلام, وليس هناك من نحاربه ! فقال لهم: يجب علينا محاربة أعداء السلام.
هو الإدمان ـ لاغيره.. إدمان أي شي… الكحول..المخدرات , حتى الحُب ..والإدمان حالة لا دواء لها إلاـ الداء ـ نفسه, تماماً كما عناه الشاعر ب(داوني بالتي كانت هي الداء) ومعروفٌ عن مِنهاج العلاج للمدمنين بالمصحة انه يتم عبر مُسبِّب ـ الإدمان, فيعمدون إلى حقن المتعاطي بجرعات منه ـ تتقلص يومياً ومعها يتقلص شعور المريض بالحاجة الملحة للتعاطي وصولاًـ لدرجة التعافي المنشودة,
سبعاً وعشرين عاماً أوتزيد هي ـ عمر الحكومة الرشيدة أنفقتها في تعاطي الحرب ـ بدءاً ـ ب(الأمريكان ليكم تسلحنا) ثم حرب الجنوب التي وضعت أوارها بالإنفصال الشهير, ثم دارفور وخطوط عديدة مفتوحة هنا و هناك وحركات مسلحة بأجندة متباينة وقرارات أممية بفعل كل هذا…
البلاد في حالة حرب منذ مجيء التتار وقد عسكروا المدنيين والطلاب وإنتشرت المعسكرات, وتبنى إعلامها الرسمي خطاب الحرب عبر(ساحات الفداء) ولا نشيد يعلو على صوت ـ الحكَّامات ,وقد سادت (ثقافة الحرابة) في عهد الحكومة الراشدة ـ وعرفت البلادـ عُرس الشهيد ـ ب(بطقوسه) تلك وإستعاض إعلامها ـ مَسموعِه والمشاهَد منه ـ عن (أمة الأمجاد والماضي العريق) ب(النار ولعت بي قلبي بطفيها) ثم الحكومة الرشيدة بعد حروباتها المشهودة, تعلن وقف الحرب بإعلانها مخرجات الحوار مرحلة فارقة بالبلاد باِلتآم الجمع بقاعة الصداقة, وتوضع الحواريون على صيغة ترضي الأطراف و… و… و ليس ـ فجأةً أوـ فجعةً ـ فكلاهما فجيع او مفاجيء ـ أن تلحس الحكومة حوارها و (حوارييها) وهي التي (لِحست بلد بحالو) وهي كذلك التي تحدَّت الشعب ب(لحس الكوع) الشهير.
وحين إحتكمت إلى الحوار ووصفته ب(صوت العقل) وأطلقت صافرتهاـ معلنة انهاء الحرب بدارفور,وجدت الخطوةـ قبولا, (game over)
ولوجدت دعماً ـ لكنه ـ الإدمان ـ وهماً مشتركاً بين ـ الحضاريين والقائد العسكري ذاك ,الأول ظل ينازل (المتربصين) ـ غير المرئيين, لعلهم كائنات خرافية لا يراها سوى أصحاب المشروع ـ الخرافة, تماماً كصنوه
مضى يقاتل شبحاً لأعداء للسلام متربصين في خياله
وهاهي صاحبة المشروع الحضاري ـ تقود مشروعاً لإبادة جماعية
تجاه شعبٍ أعزل إلا من صبرٍ مديد ـ عبر الضائقة المعيشية والتضييق على صحافته الحُرة وهي تصادرها لأربعة أيامٍ متتالية ولم تنج حتى فضائية امدرمان من بطشٍ رغم (حسينهم)ال (ما ولداً عاق بالحيل) وبعض تضييق على سودانية(24). وليس بغريبٍ على السلطة نهج كهذا درجت عليه, وهي التي صادرت وطناً بأسره , فهل تعجز عن مصادرة ـ بضع صحائف وفضائيتين ـ (إلا) ؟ فاذا كان بمقدورها مصادرة ـ رأي عام ـ ضدهاـ بفضل سياساتها الباطشة فلتفعل.
وحسبنا الله ونعم الوكيل

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..