
● ظهور مصطلح الشرق الأوسط الجديد لم يكن حديثاً كما يظن البعض فربما أول ظهور له كان بعد غزو العراق إبان عهد إدارة الرئيس الأميركي ” جورج دبليو بوش ” ووزيرة خارجيته ” كوندوليزا رايس ” بالإضافة لمتغيرات حرب لبنان وملف إيران النووي ومجازر شارون الإجرامية وحربه في فلسطين كلها ملفات ذات أهمية بالغة لدى طاولة الرئيس بوش في ذلك الوقت؛ مما ادى لفكرة قديمة متجددة وهي تهيئة الجغرافيا لخدمة إسرائيل والتخلص من كل ما قد يعكر صفوها تحت مسمى ” الشرق الأوسط الجديد ” .
● بصفة تاريخية بدأ التغيير في شكل الشرق الأوسط التقليدي بنزع فتيل التحارب بين مصر وإسرائيل باتفاقية ” كامب ديفيد ” بين الرئيس المصري السادات ورئيس الوزراء الأسرائيلي ” مناحم بيغن ” برعاية جيمي كارتر رئيس الولايات المتحدة في ذلك الوقت 1978؛ وبدون الخوض كثيراً في – الاتفاقان – المعروفان باتفاقية كامب ديفيد الأول يتعلق بالسلطة الفلسطينية وإسرائيل رغم غياب أي ممثل لفلسطين في الاتفاقية مما زاد من علامات الاستفهام على المشهد التفاوضي!! والثاني بالحرب المصرية الإسرائيلية وسُبل إيقافها؛ المهم في اتفاقية كامب ديفيد انها كانت سبباً مباشراً لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل .. وبذلك يضمن الكيان الصهيوني الهدوء من جبهة مصر والحرب مع جيش عنيد لا يعرف الاستسلام ..
● لاحت فجأة للسطح قضية امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وما صاحب تلك القصة من دراما بطلتها وكالة الطاقة الذرية والرئيس العراقي صدام حسين؛ كل تلك الأحداث الكثيرة والمتشابكة كان لها هدفاً واحداً فقط وهو التخلص من نظام الحكم في العراق والذي يمثل قلق دائم لنظام ” تل ابيب ” وضربة صدام الصاروخية على إسرائيل خير شاهد ودليل لضرورة التخلص من صدام ونظامه؛ وفعلاً تم غزو العراق بكل التفاصيل المعروفة لدى الجميع؛ وبذلك ضمنت إسرائيل التخلص من عدو قريب ومزعج كصدام حسين ومن قبله التخلص من خطورة الجيش المصري عبر معاهدة السلام؛ عزيزي القارئ ما سبق يندرج ضمن أحداث قديمة نسبياً كانت ترسم في خارطة شرق أوسط مغاير تماماً لما نعرفه ومناسب جداً لوضع الكيان الصهيوني ومستقبله .
● بالأمس القريب بعد إعلان دونالد ترامب خطة سلام غزة وبعد مؤتمره الصحفي رفقة بنيامين نتنياهو والكشف عن بنود الخطة والتي لاقت ترحيب دولي كبير والتي اتضح بما لا يدع مجال للشك انها نسخة معدلة من ” صفقة القرن ” 2020 التي طرحها ” جاريد كوشنر ” صهر الرئيس الأميركي ترامب؛ والتي لاقت رفض الجميع في تلك الفترة حتى من الجانب الإسرائيلي جزئياً .. لذلك كان لزاماً عليّ الخوض في تلك الفذلكة التاريخية في بداية المقال لنربط الأحداث مع بعضها لنزيل تشابك الغموض ونسلط الضوء على حقيقة ماهو مستقبل الشرق الأوسط بعين الغرب ( الولايات المتحدة واوروبا ) .
● خطة ترامب التي تم عرضها بالأمس عبر وسائل الإعلام متضمنة ثلاثة مراحل لانسحاب إسرائيل من قطاع غزة ومبادلة الأسرى لدى الطرفين وتسليم حركة حماس لسلاحها مع ضمان الخروج الآمن لجميع منتسبي الحركة في حالة أرادوا الخروج؛ بالإضافة لنشر قوة دولية لتثبيت الأمن والإشراف على نزع السلاح من حماس وتنفيذ باقي الشروط؛ منع حركة حماس من الحصول على حكم قطاع غزة مستقبلاً مع ضمان ترامب بعدم ضم إسرائيل لقطاع غزة وكذلك الضفة الغربية وان يحكم القطاع بحكومة تكنوقراط فلسطينية تحت وصاية دولية وغيرها من باقي البنود .
● البنود اعلاه ربما فعلاً تعمل على وقف نزيف الدم في قطاع غزة وبداية الإعمار من جديد حسب ما وعد به ترامب عبر جدولة زمنية ولكن الخاسر الأكبر هي فصائل المقاومة الفلسطينية فهي الآن أمام خياران أما الموافقة والخروج من المشهد الحالي والتفكير في إعادة التموضع السياسي والعسكري في المستقبل أو رفض خطة ترامب ومواجهة الآلة التدميرية لجيش إسرائيل مدعمة بخبرات الجيش الأميركي كما قال ترامب بالأمس في حالة رفض حماس خطته .
● نأتي للسودان لأن المشهد الآني في السودان لا يخرج كثيراً عن الخطة العامة لخارطة الشرق الأوسط الجديد؛ فوجود سودان بشكل جديد يخدم مصالح إسرائيل هو أحد أهداف ما يحدث حالياً من حرب واقتتال وتشريد وبداية بانفصال الجنوب ومروراً بتوتر الأحداث في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق كلها خطط استعمارية قديمة متجددة ورغم وضوحها وضوح الشمس إلا اننا نقع في فخها بكل بساطة؛ فزرع فتنة في بلد فقير ونشر ثقافة النزاع المسلح والسيطرة على موارده بالقوة هو أسلوب استعماري قديم ينتهجه الغرب كلما احتاجه في افريقيا وغيرها من مناطق العالم الثالث .. فبيان الرباعية ( الولايات المتحدة، السعودية، مصر والإمارات) يصب في مشروع الشرق الأوسطي الجديد بلا أدنى شك فما بين قبول هذه الوساطة ورفضها يجب معرفة أننا ضمن معادلة كبيرة ونحن جزء لا يتجزأ منها وعلى الجميع توفيق أوضاعهم لما هو آتي .
ختـاماً:
● الحديث عن اقتراب حرب جديدة بين إيران وإسرائيل يظل جدياً جداً خصوصاً وان كل اسبابها متوفرة وتأثيرها السلبي الكبير الذي قد يطال عموم المنطقة؛ وأغلب الظن ان الفرصة لتجنبها يُـعد ايضاً خياراً متاحاً حتى اللحظة ولكن إسرائيل تعلم تمام العلم أن وجود نظام الجمهورية الإسلامي في إيران سيكون ” حجرة العثرة ” الكبير أمام رسم إسرائيل لخارطتها الجديدة والمناسبة لها في الشرق الأوسط.



