الرأس والفاس!!!

بسم الله الرحمن الرحيم
العنوان أعلاه لا علاقة له بالمقولة المشهورة التي تربط بين مقدرات الجنس اللطيف (!!!) والفاس. بهذه المناسبة، سألت احد الساخرين عن ما هي معاييرك لاختيار افضلوأجمل امرأة، أو المرأة المثالية في رأيك؟ كان رده صاعقا لي، وأتى بعد قهقهة عالية منه. الاجابة كانت (المرأة الما عندها رأس، أي بدون رأس!! ) . لم يقصد مخ أو عقل، بل كان يعني عديمة الراس من ناحية تشريحية!!!.
أتحدث هنا عن الراس (حرفيا ومفهوما). اى مخ (عقل) ، وفهم، وفكر ، ومقدرات ، وابداع، وذكاء، وحكمة، وعاطفة..الخ. وأهلنا يقولون عند الغضب: يا زول أنت (ما عندك راس) والا شنو؟ بمعنى أن هذا الشخص فاقد للعقل (غبي أو مجنون).
أما الفاس فالمقصود به (هنا) الزراعة وكل تبعاتها. بهذه المناسبة اقترح أن يكون هذا (الفاس) هو رمز (شعار/ لوجو) لكل كليات الزراعة والوزارة والسودان أيضا (مش نحن سلة غذاء العالم!!).
ما علينا، موضوعنا هو (ما هي العلاقة بين الرأس والفاس). أى بين كل ما ذكرناه عن معنى الرأس والزراعة كمهنة وكاقتصاد ودخل قومي..الخ. يجب أن نعترف أننا في الأصل بلد (فاس / زراعة). فقد حبانا الله بمساحات شاسعة مسطحة لا تحتاج لكبير جهد، وماء وفير من الآنهار الدائمة والموسمية والخيران والمياه الجوفية وأمطار تقدر كميات مياهها بمئات الأنهار في حجم نهر النيل. كما نملك العمالة والخبرات (العلمية والموروثة) التي تعود الى آلاف السنين، هذا ان لم نكن نحن من علم البشر قاطبة أسس الزراعة تاريحيا.
السبب وراء كل ما جاء أعلاه اننا نستورد أغذية من كل الأصناف (من القمح حتى الفستق) بما لا يقل عن (اثنين مليار دولار) فى العام، منها ما يقارب المليار لاستيراد القمح فقط. فلنقارن ذلك بماضينا قبل وصول حبايبنا للحكم، وهو أن القطن فقط كان يوفر اغلب العملة الصعبة التي تدير بها الدولة أعمالها حتى ما قبل الاهمال المقصود بواسطة حكومات (رؤوس) المؤتمر الوطني. هل تذكرون ابان حكم نوفمبر (عبود). كانت ميزانية السودان لا تتعدى 60 مليون جنيه سوداني (جوالي 200 مليون دولار)، واغلب الميزانية كان يذهب الى التنمية والزراعة والصناعات التحويلية من منتجات الزراعية، وكانت ميزانية جامعة الخرطوم تعادل 10% من هذا الدخل القومي (6 مليون) ولا ينافسها في ذلك سوى وزارة الخارجية (ايضا 6 مليون جنيه). يا ترى كم كان ما يصرف في استيراد المواد الغذائية؟ لا أظنه كان يتعدى مليون واحد من الجنيهات. رغما عن توفر كل ما لذ وطاب بالسوق الافرنجي وارد لندن وباريس وأثينا وبيروت، وبكل البقالات بالعاصمة و مدن المديريات ، لكننا لم نكن (شعب مستهلك) ، وكنا بالفعل (نأكل مما نزرع)، وكان بالفعل كل شئ لله ولا هو لسلطة ولا لجاه!!. لا تجد فرق بين طعام الأغنياء (وعددهم لا يتعدى الخمسة عائلات معروفة للجميع) وطعام الفقراء من حيث المحتويات في صينية الغداء أو العشاء. لم يرهق استيراد الطعام ميزانية الدولة، وكان أغلب القمح يزرع بالشمالية، ونستورد القليل منه لبعض المخابز الفاخرة (أمثال بابا كوستا)، وبعض الأرز (لزوم المحشي في المناسبات والرز باللبن في رمضان). أما المكرونة والشعيرية والسكسكانية فكانت صناعة سودانية متميزة. يعتمد الغالبية من الشعب في ذلك الزمان على الكسرة والعصيدة والقراصة والبليلة، واغلبية الخبز يستخدم فى الساندويتشات لطلاب المدارس والجامعات لوجبة الافطار أو عند تناول الفول المصري فقط.
وهنا جاء دور (الرؤوس)، وتبعها الآثار السيئة على (الفؤوس). بدأ الساسة والوزراء في ا(لخرمجة) والتفكير غير العلمي والنظر للمصالح الشخصية والحزبية على حساب الوطن والمواطن. كما ظهر النبت الشيطاني المعروف بالسوق السوداء (بعد 1977م)، والمتاجرة بالعملات الأجنبية والسوق الموازي، ودولار الجمارك، ودولار المستورد، ودولار المصدر..الخ من الأفكار الشيطانية التي لا أساس (علمي) لها. ثم التدخلات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، و(مناطحات) بين متخذي القرار وهذه الصناديق والبنوك، ونادي باريس، ثم الاستدانة دون واعز ودون حدود من البنك المركزي ومن الدول ومن المنظمات، وتراكم الديون وفوائدها، وهروب المستثمرين نظرا لعدم وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية، مع عدم الثبات على المبادئ ، وعدم توفر الضمانات للمستثمر. تلى ذلك التضخم بصفة عامة، وارتفاع غير مقبول وغير منطقي لمدخلات الانتاج والمحروقات والأسمدة والتقاوي والمبيدات. صحب ذلك استمرار الحرب بجنوب البلاد لفترة امتدت لأكثر من 50 عاما نتيجة قرارات سياسية خاطئة ، وقررات حزبية ، خاصة من الجبهة القومية الاسلامية، وادخال الدين في السياسة..الخ. النتيجة كانت كما نرى الآن انهيار الفاس (الزراعة) على مستوى المشاريع المروية الضخمة (كلها دون استثناء) والمطرية الحكومية والخاصة، بما في ذلك خروج المزارع الصغيرة بالشمالية والجزيرة وكسلا من الانتاج لعدم المقدرة على الصرف والتمويل وعدم وضوح سياسات التسويق والتصدير.
هل تريدون أمثلة على تدخل الرأس ودوره الكبير والمتعاظم في تدمير الفاس / الزراعة، وبالتالي تجويع وافقار الشعب السوداني، وتحويل السودان من دولة واعدة عقب الاستقلال الى دولة منهارة وفاشلة الآن؟ اعتقد ان كل منكم لديه عدة أمثلة تبدأ من تاريخ مؤتمر المائدة المستديرة حتى قضية تقاوي القمح الأخيرة، وتحفظون تواريخها و أسماء الممثلين والمؤلفين والمخرجين ودور عرضها أيضا من وزارات وبرلمانات وشركات ومؤسسات وأفراد..الخ. فنحن شعب كالجمال، لا ننسى أبدا، لكننا نصبر حيث أن الصبر ذروة سنام ديننا الحنيف. لا نعفي رؤوس الحكومات الشمولية، ولا نعفي الديموقراطيات الثلاث، بل لا تعفي انفسنا كأفراد صبرنا أكثر من اللازم كأن هذا الوطن ليس بوطننا، وكأن هذا الشعب ليس بشعبنا، وبالأحرى كأننا قطيع من الضأن والماعز يقوده من يريد وبالاسلوب الذي يراه هو صحيح ويخدم مصالحه هو أولا. نحن شعب يقبل بكل شئ وأي شئ!! خلاصة الأمر هي أن كل السياسات منذ الاستقلال حتى نهاية كتابة هذا المقال خاطئة وغير مدروسة وغير علمية وغير منطقية، ولا ولم ولن تصب في مصلحة الوطن والمواطن. ويكفيكم ما جرى لمشروع الجزيرة، وتوقف اكثر من 700 مصنع عن العمل، وانقسام الأحزاب بما في ذلك الحزب الحاكم نفسه، ومابدأ ينشع من خلافات واضحة واتهامات من الكل يتهمون بعضهم البعض، ويطالبون بالاصلاح بعد مضي 25 عاما من الحكم المطلق المنفرد، مع الاصار على الغاء وجود الرأي الآخر. هذه رؤوس يجب ابعادها عن أى موقع سلطة أو موقع فكر أو موقع رأي أو موقع شورى. بل يجب أن يوضعوا في (كارانتينة ) سياسية، ولا نريد محاسبتهم لأنهم رمز حقيقي للفشل والضعف الفكري والسياسي، بل يجب أن يحاسب كل منهم نفسه ويعاقبها بما يليق بجرمه في حق وطنه ومواطنه وأسرته ونفسه ، وبالنسبة للمؤتمرجية والشعبيين والاصلاحيين، فقد وضعتم اللبنة الأولي للقضاء على الاسلام في العالم، وبالمناسبة لا يوجد شئ اسمه اسلاميين أو اسلام سياسيز هنالك مسلمون وحضارة اسلامية فقط. كل ممارساتكم تدل وبقوة على بعدكم عن الاسلام ونسيانكم لله فأنساكم أنفسكم وأصبحت الفكرة (هي للسلطة وللجاه). الدليل على ذلك تجدوه عند الشعب السوداني الفضل.
اخيرا أقول لكل منهم: يازول أنت ما عندك رأس؟ هذا يشمل وزراؤنا بالحزب الاتحادي الأصل المشاركين بالحكومة التى اقيلت قبل يومين، وبالمناسبة فقد قمت بتجميد نشاطي كنائب للأمين العام بالحزب بولاية الجزيرة بسبب المشاركة السابقة واللاحقة!!. أللهم نسألك اللطف (آمين).
بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير
[email][email protected][/email] جامعة الجزيرة
3/12/2013م