المقالات والآراء

في بيتنا رقيب!ا

تراســـيم..

في بيتنا رقيب!!

عبد الباقي الظافر

في أمسية أحد أيام الله السبعة.. دخل الرجل الى مكتب رئيس التحرير.. كنت في ذات المكتب لأمرٍ آخر.. ألقى علينا الغريب من على البعد بتحية جافة ومقتضبة.. لم ينتظر دعوتنا له بالجلوس .. بل رمى بجسده المنهك على أقرب كرسي.. كان رجلاً أسمر أنيقاً.. ليس فيه شئ من سمت حكام الخرطوم.. إجتهد ما في وسعه ليبدو صارماً وجاداً. رماني رئيس التحرير بنظرة.. تكمل حديثاً سابقاً.. وتؤكد أن هذا الشاب سيشاطرنا مهام تحرير صحيفتنا، الى متى.. لا أحد يعلم.. ذهبت إليه مصافحاً.. سألته أن يتناول معنا كوباً من الشاي.. إلاّ أنّ الضيف ردّ على كرمي بغير لطفٍ.. كأنه يذكرني أنّ مهمته لا تحتمل مثل هذه المجاملة. تجربة الرقابة كانت أمراً جديداً على شخصي الضعيف.. الذي لازم الإنقاذ في عشريتها الأولى قبل أن يغادر الوطن إلى حين.. والإنقاذ في عهدها الأول لم تكن بمثل هذه الصرامة مع الصحف.. عليه حرص رئيس التحرير أن ينوّرني بمحاذير الكتابة في عهد الرقيب. تبنينا في صحيفة (التيار) استراتيجية جديدة للتعاطي مع الموقف.. هذه الاستراتيجية التقطها رئيس التحرير من خبير أمني متقاعد.. اسمها (اتحاد الضميرين).. وفحواها أنّ لكل موظف عام ضميرين.. أحدهم مهني يتقيد بحدود الوظيفة.. والآخر خاص ينبع من إحساس الفرد كإنسان.. أسوأ كارثة يمكن أن تحدث، عندما يتحد الضميران في تقدير موقف. العامل الآخر الذي يسّر لنا المهمة، إننا وضعنا أنفسنا في ذات موقع الرقيب.. الذي هو موظف عام.. فرضت عليه سابقة قضائية.. لن يغفرها لنا التاريخ أن يتمدد عمله الى مهن مجاورة. يوم بعد يوم.. شعرنا أننا شركاء.. بدأ كل طرف يحاول أن ييسر مهمة الآخر.. نكتب ونحن نفترض أن الرقيب يجلس من ورائنا.. وبدأ الرقيب يؤدي عمله وفي ذهنه القارئ الذي سيقلب الصحيفة في الصباح التالي. الذي حدث أن الرقيب أصبح صديقنا.. نفتقده إن تأخر.. ويتصل علينا إن استجد جديدٌ على جدوله الراتب.. بل في أحيان قليلة يطلب منا برفق أن نراقب صحيفتنا بأنفسنا.. وحين وصوله يشتكي له سكرتير التحرير من ظلم الرقيب البديل. في المقابل كسبت (التيار) الرقيب كقارئ.. ينزعج الرقيب إن فاتنا خبر.. ويتألم إن اضطر إلى حذف رأي.. بل في كثير من الأوقات نصل إلى تسوية.. كأن نذكر عنترة دون أن ننسبه إلى أبيه شداد. علينا ألا نصوب غضبنا إلى الأدوات التي تنفذ السياسة، بل على الجميع أن يقف وقفة واحدة ضد الحكم الذي جعل الرقابة عملاً دستورياً.. بصراحة نحن الآن دولة خارج التاريخ المعاصر.

التيار

تعليق واحد

  1. السودان بخير والحمد لله الا وجود زمرة لا ادري من اين اتو هولاء كما قال الكاتب الطيب صالح وهم الحاكمين والمسيطرين والرقيب من ضمن المحكومين وهو يعل ليعيش اهله دون رضى بما يعمل . والسوداني حبوب بطبعة ويحترم الاخر مهما اختلف معه الا هولاء الزمرة الطاغية ازاحها الله من على قلوب المساكين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..