الخطاب المهزلة يفضح البشير

كما توقعنا لم يأت المشير السفاح بجديد في خطابه الذي ألقاه في قاعة الصداقة أمس، بل سكب آخر ما تبقى من ماء الوجه القبيح ليعلنها على الملأ أنه آخر من يقدم الحلول للأزمة الطاحنة التي يعيشها السودان اليوم بسبب سياساته الرعناء واستهزائه الفاضح بالشعب السوداني.
تحدث البشير زهاء الساعة والنصف بلغة مرتجفة تظهر حال المؤتمر الوطني الباحث عن قشة يتعلق بها ليخرج من الورطة التي وضع فيها نفسه والتي تهدد الكيان السوداني وتعرضه لخطر التفكك والضياع في ظل التدهور الاقتصادي والأمني والسياسي الذي وضع البلد في مقدمة قائمة البلدان الفاشلة بلا منازع.
بعد انتهاء الخطاب ? المهزلة- سألتني زوجتي: لماذا هذا الوجوم على وجهك وأنت كنت مقتنع تماماً قبل الخطاب بأن البشير لن يأت بجديد وبأنه لا يملك مفتاح الحل؟، فأجبتها أن سبب وجومي هو الحسرة على من أضاعوا ساعات من عمرهم وتكبدوا مشاق الذهاب من بيوتهم إلى قاعة الصداقة ليشاهدوا هذه المهزلة. نعم، لم نتوقع من رأس نظام قسم البلد إرباً إربا وألقى بـ 95% من سكانها في براثن الفقر والحاجة ويتم العديد من الأسر وأحرق أحشاء الكثير من الأمهات أن يتحلى بالشجاعة يوماً وينزل إلى رغبات الشعب لأن ذلك باختصار شديد يعني تفكيك مملكة المؤتمر الوطني التي بنيت من حر مال وعرق الشعب السوداني.
هذه هي حدود البشير الذي جعل بعض الساذجين ينتظرون جديداً من وهيأهم لذلك قبل أكثر من اسبوعين ثم أتي بخطاب مرجوج مكرر لا يسوى ثمن الحبر الذي كتب به فهو مكبل بقدراته المحدودة وأفقه المسدود الذي أوشى له بأنه يحكم كما يشاء ويتحدث كما يشاء ولا يعطي أي اعتبار للأطفال الأبرياء الذين يموتون بالعشرات يومياً في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور وأولئك الذين شردتهم الظروف المعيشية السيئة في العاصمة والمدن الأخرى.
كان الأجدر بالبشير أن يغتنم فرصة الشعور الذي ساد خلال الأسبوعين الماضيين بأنه أراد أن يرحل رحولاً ناعماً ربما يقلص بعضاً من سيئاته التي صعب على أرض السودان الواسعة حملها. نعم كدت أصدق توقعات البعض بل بدأت اتساءل عن طبيعة الذكاء الذي نزل فجأة عليه وجعله يختار هذا الطريق السلس لكن تنبؤات الآخرين باءت بالفشل وسؤالي بقي بلا معنى لأن طيف الذكاء لم يزر هذا الرجل يوماً.
وبعد تفكير عميق لم أجد سوى ثلاث سيناريوهات أبرر بها ما حدث. السيناريو الأول هو أن هنالك مجموعة داخل المؤتمر الوطني تفكر في دفع البشير للانتحار السياسي عبر إظهاره بهذا المظهر الضعيف والمهين. أما السيناريو الثاني وهو الأقرب بالنسبة لي أن البشير والمؤتمر الوطني أرادوا أن يحرجوا المترددين من أمثال الصادق المهدي وآل الميرغني والترابي وغيرهم ممن ركزت كاميرات قنوات المؤتمر الوطني كثيراً على وجوههم. ويكمن السيناريو الثالث في أن المؤتمر الوطني أراد بهذه المسرحية الهزيلة أن يشغل الشعب المغلوب على أمره عن مآسي الحياة اليومية والدمار المتواصل الذي يلحقه المؤتمر الوطني بما تبقى من أرض السودان.
وخارج هذه السيناريوهات جميعاً خرج البشير بنقطة واحدة من خطابه وهي اعطاء الشرعية للقتل عبر آلة الحرب الجبانة، فلو كان جاداً بالسلام الذي تحدث عنه لما ألبسه ثوب الحرب أكثر من مرة خلال الخطاب الذي ألقاه ولأعلن بكل وضوح عن تنحيه وعقد مؤتمر دستوري جامع والبدء فوراً في حل حكومته المترهلة وتشكيل حكومة قومية انتقالية ترعى المؤتمر ومصالح البلاد إلى حين إجراء انتخابات حرة ونزيهة. لكن مثل هذا العمل الكبير الذي يراعي المصالح العليا للبلاد ليس من مقاس البشير ولا حزبه.

[email][email protected][/email]