مقالات وآراء

لماذا ندعوا لليسار الديمُقراطي الجديد في السُودان .. (4)

نضال عبدالوهاب
في دعوتنا لليسار الديمُقراطي  في السُودان وضرورة نشوء يسار ديمُقراطي جديد ومختلف ونقدنا الموضوعي في تقديرنا لليسار التقليدي سواء الحزب الشيوعي او احزاب البعث العروبية وغيرها وتجربتها ، كنا قد تناولنا قضية ومفهوم العدالة الإجتماعية في السُودان ورؤيتنا لها ، نواصل في هذا الجزء عن قضية الديمُقراطية ونبدأ بنقد تجربة اليسار التقليدي “نموذج الحزب الشيوعي” ومفهوم الديمُقراطية ومُمارستها داخله .. ظلت قضية الديمُقراطية قضية داخلية لمُعظم احزابنا وكياناتنا السياسية بإعتبار أن مُمارستها داخلها واجهتها الكثير من الإختلالات والأخطاء التي كانت ولا زالت تحتاج لعمليات إصلاح ديمُقراطي وتطوير مُستمر ، مع الوضع في الإعتبار كُل الأسباب التي أدت لذلك خاصة في ظل الأنظمة الديكتاتورية المُختلفة التي نالت مُعظم سنوات الحُكم في السُودان وتأثيرها السالب في مُمارسة الديمُقراطية وتطورها ..
ومع ذلك فإن مفهوم الديمُقراطية نفسه وإستخدامها داخل الحزب الشيوعي السُوداني كمثال لليسار “التقليدي” كان ولايزال مبني علي مفهوم “مُعّوج” للديمُقراطية فيما يُعرف “بالمركزية الديمُقراطية” والتي هي في جوهرها تُقلص مساحات الديمُقراطية الداخلية وتجعل التنظيم والقرار في قبضة أعلي هئاته وقيادته بل وحتي يُمكن لها إختزال كامل الحزب في أشخاص معدودين والسكرتير السياسي كما ظل يحدث لسنوات طويلة عندما تُعلق “بنود” في اللائحة الداخلية للحزب في زمان “العمل السري” تُعطي صلاحيات لقيادة الحزب العُليا لتسيير شؤون الحزب وإتخاذ القرارات ، وكذلك وبحسب المركزية الديمُقراطية ما علي الهئيات الأدني داخل الحزب وقواعده إلا “الخضوع” للهئيات الأعلي وقراراتها .. نظام المركزية الديمُقراطية ورغم كثير الدعوات الداخلية والموضوعية لتغييرها ضمن عمليات الإصلاح التي كنا نحن حتي في وقت سابق من دعاتها إلا أنها لم تُراجع أو تُلغي بمُمبرات المُحافظة علي وحدة وتماسك الحزب ومنعه من الإنقسامات والتشرزم ، علي رُغم من العلم بأن هذا المُبرر رغم خطأ إستخدامه إلا أنه لم يمنع الحزب من الإنقسامات ولا التشرزم ، وفقدان عضوية وقيادات مؤثرة كانت ضمن صفوفه ولا مجال للخوض في هذا هنا ، والمركزية الديمُقراطية كما هي معروف إحدي أهم سمات الحزب “اللينيني الماركسي” كنظام داخلي في هيكلة الحزب وفي إدارته .. أسؤا مافي نظام المركزية هي تحويل الحزب لأداة في ايدي قيادة الحزب وتصادر حرية الأعضاء وحق التعبير ، والنقد وتوقف عمليات الإصلاح ، لأن مُناقشة أي قرارات أو قضايا جوهرية لاتتم إلا وفق ترتيبات قيادة الحزب وهي من تقرر فتحها وقفلها ، وكذلك ساهمت المركزية في مُصادرة الكثير من الأراء الناقدة والمُخالفة لسياسات الحزب الداخلية وخطه السياسي والتنظيمي ، ويتم التعامل معها بغير روح الديمُقراطية المُتعارفة دعك من الديمُقراطية الحديثة ومفاهيمها وأسلوب العصر الحالي .. فلا يُعقل أن تكون صحافة الحزب الرسمية لا تنشر إلا ما يدعم خط الحزب السياسي ولا تسمح بإنتقاد الحزب وخطه السياسي أو التنظيمي أو قراراته أو قيادته،  ظل هذا يحدث طوال تاريخ الحزب ، مما أضطر بعض من كان يخالفون الحزب  الرأي من عضويته اللجوء لمنصات للنشر غير صحافة الحزب الرسمية وهذا ادي لإن يطالهم العقاب والمُسآلة رغم أنه حق ديمُقراطي أصيل ولكنها “الديمُقراطية المُعّوجة” كما عَرّفناها ، ساهمت المركزية الديمُقراطية في إتخاذ العديد من القرارات المؤثرة في مسيرة الحزب دون “مشاورة الأعضاء” وأخذ رأيهم بل ودون علمهم حتي في بعضها ، وكامثلة فقط مشاركة الحزب في مايو وإعتبارها ثورة في بداياتها ، مما أدي لإنقسام الحزب بسببها لاحقاً ، كذلك قيام الحزب بإنقلاب ١٩ يوليو ، إتخذ القرار في قيامه أشخاص بالعدد رغم ما جره علي الحزب والبلد من كوارث ، كذلك مُشاركة الحزب لنظام الإنقاذ و”الإسلاميين” ومؤسساته وبرلمانه وحتي مرحلة إستعدداه للمُشاركة في إنتخاباته وطرحه مُرشحين من الحزب قبل إنسحابه ، كذلك دخول الحزب في تفاوض مع العساكر مابعد ١١ أبريل ٢٠١٩ ومابعد فض الإعتصام ، ثم إنسحاب الحزب ورفضه المشاركة سواء في الحكومة أو المجلس التشريعي في حال تكونه ، ثم خروجه من تحالف الحرية والتغيير والمُساهمة في إضعاف الحكومة والتحالف وتقوية العسكر وإنقسام الشارع ، كل تلك القرارات المذكورة كانت تتم من قيادة الحزب فقط ولجنته المركزية في احسن الأحوال دون مُشاركة قواعد الحزب وفروعه بالداخل والخارج حتي أو المُخالفين للرأي من خارج اللجنة المركزية .. والمُبرر هو أن اللجنة المركزية وبنص الدستور وسكرتاريتها هي “من تنوب” عن الحزب وتمثله في رسم خطه السياسي وقراراته ، و علي الجميع الخضوع لها! ..
ساهمت المركزية في إدخال وترسيخ ثقافة “عدم القبول” بالرأي والنقد المُخالف بغض النظر عن صحته أو خطائه ، وهذا لعدم تعود الأعضاء علي الحرية الداخلية في التعبير عن الرأي وطرحه من ناحية أو لتغول القيادة المركزية وإحكام قبضتها علي كل مفاصل الحزب ، ومعروف وهذا تاريخياً أن في حال عدم رضاء القيادة عن رأي مُخالف أو نقد إصلاحي يتم التكتل ضد من صدر عنه هذا الرأي ، هذا الوضع أدخل ثقافة التكتلات والتكتلات المُضادة وتدوال الاراء المُخالفة خارج منصات الحزب الرسمية وأضعف من الديمُقراطية الداخلية والصراع الفكري وتطوير الحزب بالنقد الموضوعي والنقاش الداخلي والحوار مع الآخر المُختلف ورسخ أُكذوبة إمتلاك الحقيقة والصواب وجعل الكثير من الأعضاء كالقطيع لا رأي لهم ولا تأثير ، وبسبب المركزية الديمُقراطية يُحجم الكثيرين عن إبداء رأيهم داخل الحزب خوفاً من “البلاغات” وهو إسلوب تنظيمي صُمم للشكاوي الداخلية وحماية الحزب وتأمينه “توهماً” بينما إنه في حقيقته ظل أحد أدوات القيادة والمركزية في الإبعاد والإقصاء والكيد وإغتيال الشخصية ومُحاربة الخصوم والأراء المُخالفة داخل الحزب وحول الحزب بدلاً عن يكون ديمُقراطياً أشبه بسكنة عسكرية ومنظومة “أمنية” ..
أسئلة أخيرة نختم بها هذا الجزء للذين يُدافعون عن المركزية الديمُقراطية هل منعت المركزية الحزب الشيوعي من الإنقسام ؟؟ وهل حصنته من الإختراق ؟؟ وهل طورت ديمُقراطيته الداخلية وجعلته حزب ديمُقراطي حقيقي ؟؟ وهل حولته لحزب جماهيري صاحب رصيد إنتخابي وقوي كُبري ؟؟ ..
نواصل في القادم عن رؤيتنا كيسار ديمُقراطي لقضية الديمقراطية ونظرتنا لها ..

‫3 تعليقات

  1. يا نضال احسن حاجة تؤسس لك حزب وتريحنا من تنظيراتك التي لا تثمن ولا تغني من جوع، قوم لف وخليك من حكاية اليسار الجديد والقديم الناس اصبحت مفتحة جدا جدا ألعب غيرها.

    1. انت يا حسن علي رد على النقاط التي وردت في المقال وفندها ان استطعت، بدلا عن هذه الاوصاف البئيسة من نوع لا تسمن ولا تغني. عقلية الحيران اوردت الحزب موارد التهلكة.

  2. ]دعوة عقل ورشد سياسى قالها المفكر الشيوعى الفذ عوض عبدالرازق عليه الرحمة حينما طالب بيسار للاحزاب الاتحادية ليكون عامل ضغط لقضايا العمال والكادحيين والدعوة للاشتراكية دون تمسك بماركسية مستوردة لاتناسب الواقع السودى لعدم وجود الطبقات والطبقة المنصوص عليها وكانت كتابات الراحل عبد الخالق محجوب حينها فى كتيب الماركسية وقضايا الثورة السودانية انحناءة خجولة فى هذا المنحنى ولكن قطعا بدايات مبشرة لنتهت بالغامرة البليدة للحزب الشيوعى وانتهت بالقضاء على قادته الى ان انتهيتا بهذا الكهل الاجش الذى لايفرق بين الماركسية والكمونية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..