ضَحْكَة

قصة قصيرة
معاوية ماجد
رشفت رَشْفُة ثَانِيَةً مِنْ فِنْجان قهوتها وَهِي تُسْتَمَع إلَى تَفَاصِيل سَرْد الْحِكَايَةِ مِنْ صديقتها بلهفة اِسْتَدْعَت مَعَهَا ذِكْرَيَاتُ الْمَاضِي المختبئة بدَاخِل أَمْواج الْخَلِيج .
…………………
– كده اوفر صراحة .. بجد اوفر..
كَانَ رَدَّهَا الْأَوَّل لبوحه الْأَوَّلُ هَكَذَا صادما مُتَعَالٍ أمَامِه ، يَظْهَر جَانِبًا مِنْ لُؤْمِهَا .
برغم ذلك لَمْ يَتَوَقَّفْ نَبْض إحْسَاسِه و وَلَه نَظَراتُه وَجَمِيل مُفْرَدَاتِه إليها.
– تعرفي كنت دائما في المساء بتمشى في شوارع المدينة من غير اي احساس بيها… بس لما عرفتك حسيت انو في علاقة عاطفية تربطني بكل الاماكن .. شوارع .. شجر .. مباني .. و..
قاطعته..
– لحظة في مكالمة كنت مستنياها برجع ليك ..اوك.
رَجَعَتْ بَعْد حِينٍ وَالْحُزْن فِي كَلِمَاتِهَا .
– مالك الحاصل عليك شنو.؟
جَاء رَدَّهَا يَحْكِي بُؤْس إحْسَاسِهَا .
– الموضوع اتحسم خلاص.
– الموضوع ..iii
– بصراحة انا كنت مخطوبة لرجل متزوج .. اتصل واعتذر ..قال انو ما ح يقدر يتزوجني.
سَاد السُّكُون لَحَظَات أرهقت الِانْتِظَار الطَّوِيل كَثِيرًا بِلَيَالِيِهَا الموحشة .
بَعْدَ حِينٍ طَوِيلٌ جَاءَه صَوْتَهَا بَعْدَ أَنْ تصالحت مَعَ نَفْسِهَا .
– اهْتِمَامَك بِي هُوَ نِصْفُ سعادتي ووجودك مَعِي هُوَ كُلُّ مَا أُرِيدُهُ . . .
أَرْسَلْتهَا فِي رِسَالَةِ ذَات مَساء مَاطِرٌ ، والحقتها بِفِكْرِة مَاكَرَة خَبَّأْتهَا تَحْت وِسَادَتها قَبْلَ أَنْ تَخَلَّد إلَى النَّوْم . .
………..
كَانَ مُسْتَغْرِقًا فِي قِرَاءَةِ مَسائِيَّة ماتعة ، فَجْأَة رَنَّ جَرَسُ هاتفه مُعْلِنًا اسْتِقْبَال رِسَالَة ما، أَمْسَك بهاتفه و مَرَّر أُصْبُعَهُ عَلَى شاشته ، قفزت عَيْنَيْه إلَى دَاخِلِهِ و وَقَع الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ يَئِنّ لِفِرَاق صَاحِبِه!! .
…………
أُخْرِجَت فكرتها المخبأة مِنْ تَحْتِ الْوِسَادَة ، حسبتها عَيْنَيْه وَكَشَفْتُ عَنْ سَاقَيْهَا وَأَرْسَلَتْهَا إلَيْهِ وَ الْخَجَل يسابقها.
ثم قَالَت :
إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي مَعَ الآخَرِينَ ، أَمَّا هَذَا فَسَوْف يَأْتِينِي وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ .
. . …..
خَرَجَت عَيْنَيْه مُتْعِبُه تُجَرْجِر الْمَشْهَد الْأَخِيرِ فِي تَنَهُّدٌ مُسْتَمِرٌّ، وَهِي تتلفت يَمْنَة و يُسْرَى وَإِلَى الدَّاخِل باحَثَه عَنْ مَاءٍ لِتَغْتَسِل.
قَالَ لَهَا :
أَنَّهُ جُزْءٌ مُكَمِّلٌ لِكَشْف آخَر .
تَوَالَت الكشوفات رَدَحٌ مِنْ الزَّمَانِ .
ضَحِكَ عَلَى رسالتها الْأَخِيرَة . . انفعلت بغباء ، قَطَّعَت صَلَّتْهَا بِه وَأَغْلَقْت هاتفها . . . وَمَضَت بِغَيْرِ هُدًى .
………..
بَعْدَ أَنْ اِرْتَشَفْت رشفتها الْأَخِيرَة نَظَرْت إلَى صديقتها ، الّتِي تعْرَفُ كُلّ
شَيْءٌ عَنْ تَفَاصِيلِ حِكَايَتِهَا ، مبتسمة ثُمَّ قَالَتْ لَهَا :
– قصة والله. . انا كنت مفتكره انو شغال زي ما كان بيحكي !!.
– لَا لسه وَاَللَّه .
انْتَبَهَت لِصَوْت زَوْجِهَا يَسْتَأْذِنُ فِي الرَّحِيلِ .
تحسست بَطْنِهَا الْمُنْتَفِخ وَنَهَضَت تَارِكُه بَعْضُ مَنْ تَفَاصِيلِ الْمَاضِي عَلَى الأَرِيكَةُ.
– شكلك قربتي .. ولد ولا بت..؟
– بت والله
– ربنا يحلك بالسلامة .. حتسميها منو..؟
– ضَحْكَة
– منو…!!؟؟
– حاسميها ضَحْكَة..
كَانَ يَقِفُ غَيْرُ بَعِيدٍ وَهُو مُمْسِكٌ بِكِتَاب الْعَيْن للفراهيدي وشريط مِن الذِّكْرَيَات يَمُرُّ أَمَامَ عَيْنَيْهِ ، فَأَوْقَفَه عِنْد مَشْهَد طُفُولِي صاخِب . . وَضَحِك .