مقالات متنوعة
صبراً -ام- عبدالرحمن

(يا استاذة سهير لو قلتي لي عبدالرحمن يلا معاي نشتري حلاوة من الدكان بمشي معاك وبصدقك طوااالي ) ، هذه الكلمات جاءت من بين عبرات والدة عبدالرحمن الطالب بالسنة الرابعه بكلية الآداب جامعة الخرطوم .
عبدالرحمن كان قد اختفى مع مظاهرات الثلاثاء ،وبعد ذلك تم الاتصال بأسرته يوم الجمعه لاستلام جثمانه من المستشفى الاكاديمي ، وقالوا لأسرته انه وجد غريقاً وقد جرفه تيار النيل الازرق .
ماحدث بعدها ان والد عبدالرحمن رفض استلام الجثمان الا بعد ان يتم تشريح الجثة بواسطة الطبيب الشرعي ، وفي المشرحة و وسط الدموع واصوات البكاء المرتفع ، دخلت ام عبدالرحمن الى حيث جثمان ابنها المسجى داخل المشرحة لتلقي عليه نظرة السلام والوداع والفراق .
قالت لي :(يا استاذة والله انا بعرف شكل الزول الغرقان ، عبدالرحمن ماغرق ولا حاجة ولا عليهو شكل انتفاخ او تورم بالعكس كان شكله وهيئته عادية ، في نزيف في انفه وضرب في مؤخرة الرأس مع نزيف كثير ، ابني تعرض لضرب مبرح ، لقد مسكت رأسه بيدي وقلبته يمين وشمال ودعكت يديه وقدميه وجبينه عدة مرات ومررت يدي على اطرافه لو كان غريقاً لأنسلخ وتمزق جلده ، حتى أثر المياه لم يكن موجوداً ، لاشيءاكثر من ثيابه المبتلة ولكن جسده كان ناشفاً .
ابني لم يمت غريقاً ، ابني مسالم وطيب من الممكن ان يخدعه اي شخص لأنه يأخذ كل حديث بمحمل الجد ، لا يشك في احد ولا يعتقد ان هنالك من يكذب او يغش.
قلت لأم عبدالرحمن وانا ابحث في قاموسي عن كل كلمات المواساة ومحاولة التخفيف من جرحها ، ان عليها بالصبر والاحتساب واليقين والدعاء له والتصدق عنه ،ولكني احسست ان كلماتي متواضعة جداً مع مصابها الجلل ، وان حديثي لا يغسل دموعها ولا يجفف عبراتها .
هذا ما يحدث في السودان ، بكل بساطة يخرج ابنك ثم لا يعود يمتد الاختفاء ويعود اليك مضرجاً في دمائه ليقولون لك غرق في النيل .
ليس هنالك من احساس اصعب في الحياة من فقد الابناء او الوالدين ، انه لألم عظيم وحزن كبير و مخزون دموع لا ينفد .
ننتظر من الاخوة في المباحث والشرطة القبض على الجناة وتقديمهم لمحاكمة كما عودونا على اكتشاف المجرمين ،
*خارج السور :*
كاتل الروح وين بروح
*نقلاً عن الانتباهة*