سياسات ترامب تعجل بنهاية الدولار والازمة الاقتصادية

لعل الذين اطلعوا على كتاباتى السابقة حول الايام الاخيرة للدولار وان الراسمالية تحفر قبرها بيدها ، قد علموا ان كتيرا من الاقتصاديين الامريكيين يؤكدون قرب أزمة اقتصادية عاصفة وقريبا جدا . خصوصا الاقتصادى المعروف على مستوى العالم ، والخبير لدى مؤسسات الدولة الامريكية الكبرى فى مجال العملات والذهب والاسواق المالية العالمية ، جيم ريكاردز، مؤلف كتاب “الطريق الى الدمار ” . هذه المرة نأتيكم بشهادة شركة مارتن ويس وسين برودريك المتخصصة فى شئون الازمات الدورية ، والذين تنبؤوا بكل الازمات السابقة بدقة وقبل حدوثها بزمن ليس بالقليل ، وذلك فى تقريرهم بعنوان ” تنبؤات صادمة للسنوات 2017-2022 ? الكابوس الذى يمنعنا النوم -. ولاهمية الموضوع على مستوى العالم والدول المنفردة والافراد ، رأيت ترجمة التقرير بكامله بقدر المستطاع . يقول مخاطبا المستثمرين:

( فى أقل من ستة اسابيع من اليوم -914 ? فان أقوى الدورات التاريخية التى يعرفها العالم ، ستلتقى مكونة دورة عملاقة عظمى . ستحدث فى نهاية اكتوبر2017 وستجمع معا اربع دورات مالية كبرى ، مع الدورة المتزايدة للحرب . وستكون لها قوة هائلة . عندما تجمعت دورات مثل هذه فى بداية ثلاثينيات القرن الماضى ، غرق العالم فى الكساد العظيم الذى استمر لأكثر من عقد . هذه المرة ،فانها ستقدح نهاية عهد عظيم فى التاريخ الانسانى .. وبداية عهد جديد مخيف ( ومربح جدا لبعض الافراد ).

العهد الذى علمناه جميعا فى كامل حياتنا ? عهد جمعت فيه الحكومات ديونا والتزامات بلغت 275 تريليون دولار امريكى ، فى طريقه الى النهاية . وعهد جديد ? العهد الذى سندفع فيه جميعا ثمن مشاريع صرف قادتنا الطائشة والديون الفاحشة – فى طريقه لان يبدأ. سنشهد انهيار مجتمعات وعملات واسواق استثمار بنيت على هذه الديون … كل شئ عن كيف تكسب وتنفق وتدخر وتشتثمر اموالك ? وعن كيف تعيش حياتك- سيتغير الى الابد.

… هذا التنبؤ واضح وغير مطموس : نحن قادمون على خمس سنوات من الفوضى فى الاقتصاد العالمى ، والاضطراب فى الاسواق العالمية والنزاعات المنتشرة- وكلها ستؤثر على استثماراتنا وحياتنا الشخصية.

.. ولكن الدين الحكومى اكبر من ان يسدد ابدا .سيكون انتحارا ماليا للمستثمرين ان يستمروا فى تسليف اموالهم الى طوكيو ولندن وواشنطن ؛ من الجنون ان ترمى نقودا جيدة للردئ . سيجد اكثر من 39 مليون موظفا حكوميا ومتقاعدا مع أغلب الحكومات المدينة فى العالم ان شيكات الدفع لهم قد أجلت او الغيت تماما . وأكثر من 300 مليون فى انحاء العالم من الذين يعتمدون على خطط المعاش الحكومية مثل التأمين الاجتماعى والبرامج الصحية مثل اوباما كير سيستيغظون على الحقيقة المفجعة . حينما تنتشر الاخبار فان العملات والاسهم والسندات والاستثمارات الاخرى ستنهار ببساطة . الثروة ومدخرات المعاش لاجيال ستتبخر فى غمضة عين . ويخرج المواطنون الغاضبون الى الشوارع وفى عدد من البلدان سينهار القانون والنظام عندما يبدأ الشغب ولن تسلم حياة او ممتلكات أى شخص . وقبل ان ينتهى كل هذا فان كثيرا من الحكومات اليائسة لن يكون امامها لتبقى غير مصادرة الثروات من مواطنيها . العالم ، وبالضرورة أمتنا ستتغير الى الابد .

نحن نتفهم كيف ان هذا الامر صادم ، وأتفهم ان أغلب من يسمع هذا سيصرفه ، على انه “مبالغ فيه ” ، وهذا متوقع ، فهذا ما حدث عندما حذرنا ان سوق الاسهم سينهار فى 1987 .. وحدث مرة أخرى عندما حذرنا من ان اسهم التكنولوجيا على وشك الانهيار فى 1999 .. وكذلك حدث فى 2007 عندما أبلغنا كل من يسمع ان سوق العقارات الامريكى على وشك التدهور مغرقا الاقتصاد فى واحد من اقسى الكسادات .

لكن ارجو ان تتفهموا ؛ هذا ليس تنبؤا عاطلا . فليس لدينا مصلحة فى اخافة أحد . نحن فقط نتابع بحثنا الى حيث يقودنا . وهو يأخذنا الى مكان مخيف ، لقد كونا شركتنا قبل 46 سنة لنحذر المستثمرين من ازمة مثل هذه .

نفس ادوات التنبؤ التى استخدمت فى التنبؤ بالكساد العظيم وكل الاحداث الاقتصلدية الكبيرة منذ ذلك الوقت ، هى الآن التى تحذر من ان اقسى ازمة مالية رآها أى احد منا فى أى زمان، على وشك البداية .

دورات مالية قوية .. ودورة الحرب تتوافق بينما انت تقرأ هذا…. :

فى اواخر اكتوبر 2017 ، بعد اسابيع فقط من الآن ، سنرى الالتقاء القادم لخمس من اشد القوى التى عرفها الانسان- نفس نوع الالتقاء الذي اشعل الكساد العظيم فى 1929 . موجة كوندراتيف الملتزمة بالزمن ، والتى تشير الى ارماجيدون للحكومات ذات الديون الهائلة.. والبطالة المتزايدة .. واسعار الفائدة الواصلة عنان السماء.. وعدم الايفاء الهائل بالديون العامة والخاصة .. وأكثر ..”

هذا ماكان من امر تلك النبوءة المعتمدة على وقائع من الاقتصاد الامريكى والدول الراسمالية الكبرى . وقد اثبتت بعض التطورات التى حدثت منذ ذلك الوقت القريب صحته ، فمازالت الاستثمارات تزحف من اليابان واوروبا نحو البورصات الامريكية كملجأ آمن حسب الصورة غير الحقيقية للشركات الامريكية وهذا فى المرحلة الاولى للازمة التى ستبدا فى اليابان ، صاحبة الدين الداخلى الهائل ، ثم تنتقل الى اوروبا فى المرحلة الثانية وتنتهى بالولايات المتحدة وذلك حسب التحليل التفصيلى الذى اوردناه فى مقالنا المشار اليه .

كان ذلك التحليل يشير الى ان نهاية الازمة ستحدث فى العام 2022 ، غير انى أرى ان سياسات الرئيس ترمب ستعجل بحدوثها كثيرا .فالى نظرة سريعة لبعض تلك السياسات :

اولا :رؤية ترامب باعادة القوة للاقتصاد الامريكى من خلال اجراءات حمائية ، مثل محاولة اعادة الشركات الامريكية الى الداخل من خلال الاصلاحات الضريبية وهو ما لاارى جدواه اذ ان الضرائب ليست هى السبب الرئيس لهروب راس المال وانما هناك اسباب اهم مثل رخص العمالة فى البلدان التى يهرب اليها ، بالاضافة الى الاعفاءآت والتسهيلات التى تتبارى بلدان العالم فى تقديمها لاغراء رؤوس الاموال تلك ومن ضمنها اعفاء عن الضرائب لمدد طويلة . كذلك الحد من الهجرة حتى بفكرة عجيبة مثل بناء حائط مع المكسيك ، بالرغم من انها تقدم عمالة رخيصة للاقتصاد الامريكى . وأخيرا ، الزيادات الجمركية على الواردات الاوروبية والصينية ، التى لابد ستقابل باجراءات مماثلة تنذر بحرب تجارية لاتبقى ولاتذر . ثم ان الاجراءات الحمائية التى يطبقها ترامب هى من حيث المبدا ضد مبدا رئيس تدعى الراسمالية الثبات عليه ، وهو مبدا الحرية فى جميع شئون الاقتصاد وخصوصا الشان التجارى ، الذى انشات منظمة التجارة العالمية على اساسه ولمراقبة المحافظة عليه . ولكن هكذا يكون دائما شان الدول الكبرى التى تكيل بعدة مكاييل وحسب الحالة والمصلحة .

ثانيا :الزعم بأن الولايات المتحدة تستنزف ماليا من خلال تقديم الحماية للآخرين ، وهو زعم قد يبدو صحيحا شكلا ، غير ان حقيقة الامر هى ان الولايات المتحدة تستنزف العالم اجمع بفرض استخدام دولارها كالعملة الرئيسة فى المبادلات العالمية بالرغم من انه لم تعد له قيمة حقيقية يمكن استردادها لمن يشاء ، كما كان الامر بالنسبة للمرحوم الاسترلينى ، أو حتى بالنسبة للدولار قبل ان يلغى الرئيس نيكسون الغطاء الذهبى له ، فأصبح لايكلف الولايات المتحدة غير قيمة طباعته ! ومع ذلك فلا زالت اكثر من 60% من احتياطات العالم بالدولار ، كما لازالت السندات الامريكية تمثل ملجأً للصناديق السيادية بمايعادل ترليونات الدولارات . واصبح اصحاب هذه الصناديق كالممسك باذنى الاسد . وحتى داخليا قد تآكلت قيمة الدولار الى بضع سنتات ، وكان الحل لدى الدولة ، وخصوصا على ايام الرئيس السابق الذى طبع باكثر من كل الرؤساء السابقين ، هو المزيد من الطباعة ،ثم فتحت الابواب على مصاريعها للاقراض لشراء المنازل وللدراسة ولقضاء العطلات بالخارج ..الخ.وهنا يبقى الدليل العملى على خطل مايقول به ترامب فى شان حمايته للبلدان التى يطالبها بدفع الثمن . انظر ماذا حدث للعراق نتيجة التدخل الامريكى للحماية من ايران ، ومع ذلك فقد طالب ترامب بجزء كبير من عائدات بترول العراق لاستمرار تلك الماية !

ثالثا : العودة الى الحرب الباردة مع روسيا ومايتطلبه ذلك من زيادة الانفاق على القوة العسكرية ، وقد نجح فى اجتماعات حلف الناتو الاخيرة على اجبار الحلفاء على التعهد برفع نفقاتهم الدفاعية الى 2% من ناتجهم المحلى ومازال يدعو الى مضاعفة الرقم . ولايشك عاقل فى الاثر السلبى لهذا على الاوضاع الاقتصادية لتلك البلدان بالاضافة الى تسخين الاجواء فى الطريق الى الحرب التى خلق لها الكثير من البؤر حول العالم .

هذه شذرات من السياسات الترامبية الناتجة عن عقل رجل اعمال اعتقدت عامة الجماهير الامريكية انه قادر على حل المشاكل الاقتصادية بنفس القدر الذى بنى به امبراطوريته المالية ، ولكن شتان!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..