حول طلاب وطالبات دار فور: هل نحن فعلا امة واحدة؟

فضيلي جمّاع
يقول الأكاديمي والباحث د. فرنسيس دينق مجوك في سفره الضخم (حرب الرؤى War of Visions) : “دعونا نتحدث عما نحن مختلفون فيه، لا فيما نحن متفقون عليه أصلاً”. فالذي نحن متفقون عليه، لا يستحق إضاعة الوقت والجهد للحديث حوله. ذلك أنّ الغالبية العظمى من رجال ونساء هذا البلد- شمالا وجنوباً ، شرقاً وغرباً- حتى قبل فصل الجنوب – ليس بينهم خلاف في مسلّمات وأبجديات، مثل: بناء وطن يسعنا جميعاً، على اختلاف وتنوع سحناتنا ومعتقداتنا وثقافاتنا! ولا خلاف بين الكثيرين منا بأننا يجب أن نسعى إلى الوطن بما نبذل من تضحيات ، مثلما فعل أجدادنا ومن سبقوهم لكي تصلنا خارطة هذا الوطن الحدادي مدّادي! أين المشكلة إذن؟
إحصائيات علم الإجناس تقول إنّ في السودان قبل فصل الجنوب فوق ال450 إثنية تتحدث فوق ال250 لغة ? وليس لهجة! ولأصحاب العقول والألباب فإنّ هذا الكم الهائل من الأجناس واللغات والثقافات هو في الواقع مصدر ثراء وقوة متى أحسنت إدارته. وكثير من الأمم التي تحظى بما حظينا من تعدد الأجناس والثقافات ومن التباين الجغرافي والديموغرافي (السكاني) ? كثير من هذه الأمم – قويت شوكتها وتقدمت بسبب نجاحها في إدارة التعدد ، لأنها بدأت مسارها برؤية تؤكد بناء الدولة العصرية : الدولة كعقد اجتماعي يتساوى فيه الكل تحت دستور لا تميز قوانينه بين مواطنيه إلا بما يسعون به نحو وطنهم من عطاء وكسب! بلاد كثيرة يمكنني أن أسوقها مثالا، لكني أكتفي بجمهورية الهند، حيث يعيش مليار من البشر اليوم. يتكلمون لغات مختلفة ويدينون بعقائد مختلفة ويمارسون طقوسا ثقافية مختلفة ، لكنهم متفقون في عصر الشعوب والأمم أنهم جميعاً أبناء وطنهم المسمى “الهند”. وأن تباين أجناسهم ولغاتهم وثقافاتهم وسبل كسب عيشهم سيظل دائماً عنصر وحدة ? وحدة من خلال التنوع. Within Diversity Unity
هذا لا يعني أنهم في الهند قد بلغوا دولة الرخاء..لكنهم ? وقد بلغوا المليار نسمة- تسير دولتهم ? وهي أكبر ديموقراطية في العالم- سيراً حثيثاً نحو مصاف الدول الصناعية الكبرى. الهند هذه سبقتنا في الإستقلال من بريطانيا بثماني سنواتٍ فقط (1947)م. أين الهند اليوم وأين نحن؟أكبر ما عانينا ولما نزل نعانيه أننا نلنا استقلالنا من المستعمر ، لكن الصفوة التي أمسكت بمقاليد إدارة مليون ميل مربع من المركز، لم تتحرر من وهم صفاء العرق وعلو النسب! منذ دراستي الجامعية وعملي في مكاتب الحكومة ثم حياتي في المهجر ظللت أتابع بعين المشفق هذا التمترس خلف التعالي الثقافي الأجوف وخاصة في وسط وشمال البلاد حيث آلت إدارة هذه البلاد عبر حكوماتها المتعاقبة لصفوة من أبناء وبنات هذه الرقعة الجغرافية. هل نبدأ غلاطاً في كيف وكم؟
إنّ الإسلامويين الذين أججوا الحروب في الجنوب (متسببين في فصله) وأقاموا حروب الإبادة في دار فور وفي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق (الأنقسنا)- هؤلاء الإسلامويون ? لم يأتوا من فراغ. جاءوا من ثقوب دولة المركز بكل خوائها ونظرة الصلف الممعنة في الإحتقار للآخر المختلف. فكانت كل حكومات السودان ? ديموقراطية قصيرة الأجل أم انقلابات عسكرية ? تأتي بنفس المزاج الثقافي الذي لا يرى في الآخر المختلف في الهامش العريض، ذي الكثافة ا لسكانية الضخمة ما يستحق جهد الإعمار والتنمية. فلا غرابة أن يتكرس مزاج التعالي الثقافي والعرقي في الصفوة الحاكمة ? وأنا هنا أتحدث عن صفوة وليس بالضرورة قبائل كما يتبادر للبعض ممن تغيظهم صراحتي في الحديث عن المختلف حوله وليس المتفق عليه.
مثلث حمدي الذي طرحه صاحبه في أحد مؤتمرات “الإنقاذ” الكثيرة وفارغة المحتوى ، كان من الجائز أن يمر مرور الكرام ولا يتطرق إليه أحد لو لم ينتبه إليه أحد علمائنا ? الدكتور صديق امبدة رئيس قسم الاقتصاد سابقاً بجامعة الخرطوم – فكتب مقاله الشهير منبهاً الناس إلى هذا المخطط العنصري تحت حماية ورعاية الدولة. الشيء المؤسف هو أنّ الحروب التي تشنها دولة المركز في الهامش السوداني العريض وهي جزء من مخرجات فكرة هذا المثلث ، والتي لاحقت طلاب دار فور في جامعات عاصمة البلاد وفي جامعة الحزيرة ? هذه الحرب التي لم تكتف بالإبادة واغتصاب النساء في دارفور بل لاحقت شبابها وشاباتها في جامعات وسط وشمال البلاد (بما في ذلك جامعة دنقلا) كان يقابلها صمت مريب أو احتجاج خجول يأتي معظمه من نشطاء ومن بعض منظمات المجتمع المدني. يتم الإعتداء على طلاب وطالبات دار فور من الأجهزة الأمنية للدولة بالسواطير وبالهراوات. يقتل بعض الطلاب والطالبات ، ويلقى بجثثهم في ترعة مياه – كما حدث في ود مدني.. ويظل الصمت المريب أو الإحتجاج الخجول سمة مجتمعنا ? وخاصة في الخرطوم حيث تتشكل دوائر الوعي ومراكز التنوير وبؤر الإحتجاج المنظم في ما تبقى من أحزاب ومنظمات مدنية ونقابات، أو كذا ينبغي أن يكون !
وأمس وقع اختبار آخر للتمييز ضد أبناء وبنات دار فور بجامعة بخت الرضا. ولأنّ الماء قد بلغ الزبا فقد أجمع طلاب دار فور وبعض الطلاب الوطنيين على تقديم استقالاتهم من جامعة يديرها حزب ثقافته تدجين أو عزل الآخر المختلف وملاحقته أينما كان. والمؤلم حقاً أنّ مواطني مدينة مثل الدويم حيث بدايات التعليم المنهجي في السودان ، ينظر أهلها إلى طلاب وطالبات دار فور وهم يحملون أمتعتهم لبضع كيلو مترات دون أن يقوموا بأدنى درجات الإحتجاج، حيث منع أمن النظام المركبات العامة من حمل هؤلاء الطلاب أو إيصالهم الشارع العام. هل نحن فعلاً أمة واحدة؟ هل تصور البعض كيف ستقوم القيامة في الخرطوم وفي الدويم نفسها لو حدث ما حدث من تمييز لغير طلاب دارفور و(الجنوب سابقاً) وجبال النوبة والأنقسنا ؟ قليل من الخجل قد يفيد !
كاتب هذه السطور لم يفقد الأمل في ميلاد وطن نعيش فيه متساوين في الحقوق والواجبات. ولم يفقد الأمل في نهاية وشيكة لدولة الصفوة Elite دولة المركز التي لا ترى أبعد من أرنبة أنفها ، وظلت تكرر أخطاءها بحماقة تحسد عليها. لكنه يقول لإخوتنا الذين لم يزل في مؤخرة تفكيرهم الوهم بعلو العرق والجهة والدين بأن من الأفضل حتى في الساعة الخامسة والعشرين أن نتحدث حول ما يفرقنا لا ما نحن متفقون عليه أصلا كما يقول بروفيسور فرنسيس دينق مجوك.
أعرف أنّ كثيرين لا يعجبهم ما كتبت ، وإخالهم يتبادلون همسهم المريب لرمي كاتب هذه السطور بما ولغوا فيه ورضعوه حليباً. إن اتهام كل من قال لا في وجه نعم هذه الأيام بأنه عنصري وجهوي لا يعدو أن يكون اتهاماَ خائباً لا يرهب إلا الجبان وضعيف الحيلة.
فضيلي جمّاع
[email][email protected][/email]
يا استاذ قبل تلوم ناس الدويم لوم اهلهم في دارفور وأهلهم في المشاركين في النظام بمنصب نائب رئيس ما سمعنا اي مدينة دافورية طلعت محجة على ما يحدث لابنائهم كلامك ما عنصري لكن بثير ويوقظ الحس العنصري ثم انت بنفسك بتقول الامن منع حتى اصحاب الحافلات من نقل الطلاب تاني شنو البحلى المواطنين العزل يواجهو الامن المدجج بالسلاح كل الناس بتدين سلوك الجلمعة والامن والحكومة ولكن ظهرها مكشوف ياريت كنت تجيب الجنجويد الحامين الحكومة من الدويم ام دارفور ؟
يا استاذ قبل تلوم ناس الدويم لوم اهلهم في دارفور وأهلهم في المشاركين في النظام بمنصب نائب رئيس ما سمعنا اي مدينة دافورية طلعت محجة على ما يحدث لابنائهم كلامك ما عنصري لكن بثير ويوقظ الحس العنصري ثم انت بنفسك بتقول الامن منع حتى اصحاب الحافلات من نقل الطلاب تاني شنو البحلى المواطنين العزل يواجهو الامن المدجج بالسلاح كل الناس بتدين سلوك الجلمعة والامن والحكومة ولكن ظهرها مكشوف ياريت كنت تجيب الجنجويد الحامين الحكومة من الدويم ام دارفور ؟
جزاك الله خير الجزاء أيها الشاعر المرهف.
العنصرية منهج وعلم يطبق من النظام واجهزته وبإصرار شديد وجهل وللأسف حتى منسوبي النظام لا يعون خطورة الممارسة على المدى الطويل، ولن يسلم مكان أو اقليم في السودان من هذه الممارسة الخاطئة التي حصادها الهشيم في الختام، وسوف يعاني منها الذين يمارسون العنصرية في الغد القريب.
لكما تقلصت مساحة الوطن اقتربت الممارسات العنصرية للمركز بين الذين يمارسون العنصرة ليجدوا بينهم من يمارسون عليه شهيتهم ومرضهم العنصري حتى ولو بين أبناء العمومة سيأتي يوم يمارسون عنصريتهم القبيحة فيما بينهم. أو بمعني بالأمس كنا نمارسها ضد الجنوبيين حتى نفروا من السودان وانفصلوا واليوم نمارسها ضد اهل دارفور بالرغم من أنهم مسلمون ويطبقون تعاليم الاسلام فيما كانت الحجة ضد الجنوبيين بأنهم كفرة ومسيحيين.
علينا أن نعي المخاطر التي تحيق بالبلاد من كل جانب ونترك أمر التشرزم والادعاء بأننا هداة البشرية من ضلالها علينا أن نعمل من أجل السودان ووحدته قبل انفراط عقده ويصعب بعدها لمه وجمعه على صعيد واحد. والأبتعاد عن منهج العنصرية وسيادة البلد لعنصر او جهة بعينها من السودان. ليس هناك ما يدعو القتال بيننا ولو وجد هذا الشئ فهو في يد القيادات والبقية هشيم وقود للنار يموتوا من أجل استمتاع فئة محددة متقلدة السلطة.
جزاك الله خير الجزاء أيها الشاعر المرهف.
العنصرية منهج وعلم يطبق من النظام واجهزته وبإصرار شديد وجهل وللأسف حتى منسوبي النظام لا يعون خطورة الممارسة على المدى الطويل، ولن يسلم مكان أو اقليم في السودان من هذه الممارسة الخاطئة التي حصادها الهشيم في الختام، وسوف يعاني منها الذين يمارسون العنصرية في الغد القريب.
لكما تقلصت مساحة الوطن اقتربت الممارسات العنصرية للمركز بين الذين يمارسون العنصرة ليجدوا بينهم من يمارسون عليه شهيتهم ومرضهم العنصري حتى ولو بين أبناء العمومة سيأتي يوم يمارسون عنصريتهم القبيحة فيما بينهم. أو بمعني بالأمس كنا نمارسها ضد الجنوبيين حتى نفروا من السودان وانفصلوا واليوم نمارسها ضد اهل دارفور بالرغم من أنهم مسلمون ويطبقون تعاليم الاسلام فيما كانت الحجة ضد الجنوبيين بأنهم كفرة ومسيحيين.
علينا أن نعي المخاطر التي تحيق بالبلاد من كل جانب ونترك أمر التشرزم والادعاء بأننا هداة البشرية من ضلالها علينا أن نعمل من أجل السودان ووحدته قبل انفراط عقده ويصعب بعدها لمه وجمعه على صعيد واحد. والأبتعاد عن منهج العنصرية وسيادة البلد لعنصر او جهة بعينها من السودان. ليس هناك ما يدعو القتال بيننا ولو وجد هذا الشئ فهو في يد القيادات والبقية هشيم وقود للنار يموتوا من أجل استمتاع فئة محددة متقلدة السلطة.