الإصرار على ما يسمى بالحكم الإسلامي فصل الجنوب ويتهدد السودان بالتقسيم حلقة (2)

الاستخبارات الأمريكية زودت محاضر أمريكي بخارطة لمستقبل إفريقيا ليس فيها السودان
أمريكا تخطط لخمسة دول في السودان وأربعة في مصر بزرع الفتنة الدينية والعنصرية
غلبت القوى السياسية السلطة على الوطن فأسلمت مصيره لأمريكا طوعا
مكابر من ينكر أن السودان مستقبله مظلم بكل المقاييس وان مصيره التقسيم لعدة دويلات(مع الرأفة) بعد أن نجح مخطط تقسيمه بإعلان الجنوب استقلاله عن ما اسماه الاستعمار العربي وليس انفصاله كم نصر نحن على أن نسميه انفصال وليس استقلال يؤكد ذلك إن الجنوب في يوم احتفاله بدولته الجديدة وكان المشير البشير رئيس الجمهورية حضورا بين ضيوف الاحتفال بين العديدين من رؤساء الدول الإفريقية والأوربية ولقد وقف العالم كله شاهدا علي إعلانه استقلالاً وليس انفصالا فتحت حضرة رؤساء الدول ودبلوماسيها وعبر كل أجهزة الإعلام بما فيها السودان فلقد أعلن رئيس الحركة الشعبية في خطابه الرسمي المنقول على الهواء مباشرة لكل أنحاء العالم بعضمة لسانه إن الجنوب تحرر من الاستعمار بان سمى ما حدث استقلال وليس انفصال جزء من وطن بل كان كل المشرفين على الاحتفال من قادة الحركة يهللون له علانية على انه استقلال ويا لها من مفارقة حتى الأوربيون الذين خاطبوا الحفل لم يشير أياً منهم إلى انه انفصال وإنما كانوا يخاطبون الحفل مهنئين الجنوب بالاستقلال ويومها لم يكن هناك غير صوت نشاز واحد تمثل في مخاطبة رئيس جمهوريتنا المشير عمر حسن احمد البشير الذي شارك الجنوب احتفائه فكان هو الوحيد الذي خاطب الحفل باعتبار ما حدث انفصال لأننا نسميه بذلك.
هذا الذي حدث يومها لم يأتي صدفة أو افتراء على الواقع وإنما جاء تأكيدا وترجمة للإستراتيجية التي وضعتها أمريكا تحديدا لمستقبل السودان فأمريكا هي التي أضفت على ما حدث بانه انفصال حيث إن الجنوبيين أنفسهم لم يسموا يوم ما ينادون به استقلال ولكنها أمريكا التي فعلت ذلك والمؤسف بدعم ومساعدة من قوانا السياسية حاكمة ومعارضة.
ففي فبراير من عام 92 أصدرت لجنة الشئون الإفريقية بالكونجرس الأمريكي قرارا يطالب الحكومة الأمريكية أن تعمل على تحرير السودان من ما أسمته الاستعمار العربي وكان ذلك يومها اعلانا صريحا بإستراتيجية أمريكا تجاه السودان ولم تجرؤ أي قوى سياسية سودانية للتصدي لهذا الافتراء
في ذلك العام وعندما كان الإعلام الغربي بل والعربي (خاصة في مصر) يتناول هذا الخبر كانت القيادات السودانية المعارضة في القاهرة كان الإعلام يتناقل ذلك الخبر مؤكدا ذلك القرار الذي تعمدت أمريكا الا تحيطه بالسرية لان الكشف عنه يساعد على تنفيذه بإذكاء نار الفتنة بين العروبة الإفريقية والإفريقية الزنجية في السودان وعين أمريكا تستهدف إثارة مناطق أخرى غير الجنوب وقد فعلت
وقد كان سلاح أمريكا في ذلك أن تثير الفتنة وكراهية العنصر الزنجي للعربي مستغلة في ذلك اضطهاد العرب للآخرين بعد ان هيمنوا على الحكم الوطني بعد الاستعمار.
فبسبب الفارق الطبقي بين من هم عرب وغير عرب والذي يرجع لغفلة القوى السياسية (الوطنية) التي كانت في مجملها عربية وأنانيته أحزابها وقيادتها والتي تضاعفت لما أقحم في المسرح السياسي فى السودان الإسلام السياسي لتزيد التفرقة الدينية من حدة الصراع وأخذت منحى أكثر خطورة يصب في اتجاه تنفيذ المخطط
.فلقد كان إصرار السلطة الحاكمة في السودان على الهيمنة العربية على المركز ثم على فرض حكم إسلامي عليه وبالقوة كان اخطر ردود فعله و نتائجه التعجيل بإعلان الجنوب استقلاله الذي تحقق تحت رعاية وهيمنة أمريكا على المسرح السياسي في السودان.
وهنا لابد من الحديث بشفافية تامة ففي الوقت الذي أصدرت فيه لجنة الشئون الإفريقية بالكونجرس الأمريكي قرارها بتحرير السودان من الاستعمار العربي كان الصراع والمواجهة بين السلطة الإسلامية في السودان والقوى السياسية التي انتظمت فى ما سمى بالتجمع الوطني الديمقراطي والذي ضم في تكوينه كل الأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية التي ظلت تتبادل الحكم الوطني تحت مسمى الديمقراطية (اسما) وعلى رأسها الأحزاب الطائفية حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي والأحزاب العقائدية اليسارية الحزب الشيوعي والبعثى والناصري بجانب النقابات اليسارية تحت أنظمة حكم عسكرية ولم يستثنى منها وقتها الا الحزب العقائدي الإسلامي الذي انقلب أخيرا على الديمقراطية في الثلاثين من يونيو 89 والذي قبض ولا يزال على السلطة بيد من حديد
لهذا كانت الفترة التي شهدت إعلان القرار الأمريكي بتحرير السودان من الاستعمار العربي كانت المواجهة بين الحكم العسكري الذي اخذ الحكم بالقوة وبين التجمع الذي سلبت منه السلطة عنوة و يسعى لاستردادها من الحكم العسكري الإسلامي والتي بلغت ذروتها في المواجهة على حساب المصلحة العامة
من البديهي لو إن هذه الجبهات السياسية الحاكمة والمعارضة حريصة على الوطن قبل السلطة لتسابق الطرفان على إدانة القرار الأمريكي الذي كشف هوية نوايا أمريكا تجاه السودان القائمة على مخطط لتقسيمه تحت شعار التحرر من الاستعمار العربي ولتوحدت كلمتهم لمعالجة أخطاءهم التاريخية و ولاتجهوا نحو معالجة قضايا الفئات غير العربية والإسلامية لسد الطريق أمام المخطط الأمريكي ولكن ولرغبة التجمع الذي أعلن ورفع شعار الحرب المسلحة لإسقاط النظام من الخارج من اجل العودة للسلطة ولحاجة التجمع لدعم أمريكا له بتوفير الدعم المسلح والمادي بسبب عجزه عن تحقيق ذلك بدون رعايتها له
وهذا ما كانت أمريكا تقدمه يومها للحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان وهو المسمى الذي يتوافق مع نواياها فان التجمع صمت عن إدانة القرار وإعلان موقف رافض لنوايا أمريكا تجاه السودان بل لم يتراجع عن مسعاه بحثا عن دعمها لإسقاط النظام بالرغم من إعلان نواياها بتحريره من الاستعمار العربي وبهذا سجل اعترافه وقبوله بان الجنوب مستعمرة للسودان
وللتاريخ فلقد وصل القاهرة أستاذ سوداني يعمل محاضرا في الجامعات الأمريكية بزيارة خاطفة للقاهرة في طريقه للخرطوم لقضاء إجازته فكان أن صادف وجوده واحدة من الندوات التي كانت تنظمها مجموعة من المعارضة فطلب فرصة الحديث وحكي كيف إن محاضرا أمريكيا كان يقدم محاضرة عن مستقبل إفريقيا وقدم في تلك المحاضرة خارطة لإفريقيا المتوقعة في خمسين عاما وإنها لم نكن تتضمن السودان بوضعه الحالي فقال انه اعترض على تلك الخارطة لعدم صحتها إلا إن المحاضر نهره بحدة وقال له اسكت هذه الخارطة هي التي زودتني بها السي اى ايه ( تصوروا إن حديثه هذا لم يثير قادة التجمع التي سكتت على القرار الأمريكي) وهم يشهدون عمليا إن أمريكا على مستوى جهازها الاستخباراتى تسقط السودان من خارطة إفريقيا
,وبالمقابل فان الحكم العسكري الإسلامي لم يكن ليخلى ساحة أمريكا لينفرد التجمع بدعمها لإسقاطه لهذا لم يعلن كما فعل التجمع أي موقف من القرار الأمريكي الخاص بتحرير السودان من الاستعمار (وعمل كأنه لم يسمع أو يرى أو يطلع على الخبر) بل ظل يقدم التنازلات للتقرب من أمريكا حتى يحرم التجمع من أي دعم له
وليس أدل على ذلك من طرد النظام يومها لكل قنوات المؤتمر الشعبي الإسلامي الذي يجاهر بالعداء لأمريكا إرضاء لأمريكا التي ترفض وجوده وتهدد السودان باتهامه بمساندة الإرهاب فأراد النظام أن يقدم لها شهادة براءة نفى التهمة عنه ورغم ذلك فان امريكا ظلت تشهر هذا الاتهام في وجه النظام كلما أرادت منه مزيدا من التنازلات.
هكذا أصبحت القوى الحاكمة الإسلامية والتجمع تحت قبضة أمريكا التي ثبت إنها بحاجة لكليهما فلا هي راغبة في نجاح التجمع في إسقاط النظام كما أنها غير راغبة في استقرار الحكم ونريده أن يبقى تحت شبح التهديد بالسقوط حتى يقدم المزيد من التنازلات كما إنها ترفض أن يتحقق أي توافق بينهما لمصلحة وحدة السودان
لهذا ظلت تحرص على وجود الصراع بينهما مع بقاء الحكم العسكري الإسلامي الذي أضاف لقضية النزاع بين العروبة والزنجية بعدا جديدا أكثر حدة وخطورة وهو البعد الديني الذي يصب في إنجاح المخطط الأمريكي لتحرير السودان من الاستعمار العربي بجانب استغلال الكراهية الزنجية أو غير العربية للعرب فأضاف النظام بذلك بعدا اخطر من البعد العنصري لأنه أكثر تحقيقا لمخطط تفتيت السودان .
لهذا كان إصرار النظام على فرض ما يسمى بالحكم الإسلامي أن حقق لأمريكا فصل الجنوب في أول خطوة لتنفيذ مخططها وكان هذا هو العامل الذي ارتكزت عليه الدعوة لفصل الجنوب. ولا تزال قابضة على نفس الكرت لفصل المزيد من مناطقه بمساعدة النظام الذي يصر على فرض الحكم الإسلامي.
لهذا السبب أو لأسباب أخرى كانت أمريكا احرص على بقاء النظام الذي يصر على فرض الحكم الإسلامي من جهة وهو ما يدعم مخطط التفتيت والتقسيم على أن يبقى النظام تحت تهديد التجمع المعارض وفى ذات الوقت أن يبقى التجمع عاجزا ومجرد معارضة ديكورية دون أن يمتلك أي قوى تمكنه من إسقاط النظام
ولقد كشفت أمريكا عن تكتيكها السافر في الحفاظ على النظام حتى تكمل تنفيذ مخطط التقسيم بمساعدته إنها في ظاهرة غريبة من نوعها لم تتردد في إدانة الحركات المسلحة المتمردة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق عندما اتفقت على التنسيق بينها لإسقاط النظام بنقل الحرب للخرطوم في الوقت الذي تقدم لهم هي نفسها كل الدعم المادي والعيني ليصعدوا من حروبهم ضد النظام في مناطقهم فماذا يعنى ذلك.ولماذا تريد لهم إشعال الحروب في هذه المناطق وترفض التنسيق بينهم لإسقاط النظام في الخرطوم بالطبع لأنها تخطط لتقسيم السودان وليس حل مشاكله بما يؤمن على وحدته ولو إن قوانا السياسية الحاكمة والمعارضة ولو إن الحركات المتمردة وقفت عند هذا المسلك واستخلصت منه العبرة والدرس لنبذت الصراعات ولتوحدت كلمتهم بالحوار الهادف لإفشال المخطط الأمريكي .
ولعل اخطر ما نجحت فيه أمريكا أن سلم التجمع نفسه للحركة الشعبية ليصبح تحت قبضة أمريكا بحكم هيمنتها على الحركة الشعبية فكان أن بقى التجمع مجمدا حيث ترك اللعبة السياسية كلها للحركة الشعبية.
وهكذا بقيت أمريكا قابضة على القوتين الطامعتين فئ السلطة تحركهما كيفما شاءت لتحقيق المخطط ولم يتبقى لها إلا القليل لتكمل سيناريو التقسيم.
ويا لها من مفارقة لما أصاب التجمع اليأس من إسقاط النظام بدعم أمريكا من الخارج عن طريق السلاح عاد للوطن مكسور الجناح ليجاهر لأول مرة برفضه لمخطط أمريكا لتقسيم السودان وهو الأمر الذي سكت عليه طوال وجوده بالخارج تحت كفالة أمريكا ولكن كانت أمريكا قد أحكمت قبضتها على الأوضاع بالكامل عبر اتفاق نيفاشا الذي صاغته أمريكا كيفما شاءت لتصبح هي القابضة على الأمر ولم يعد صوت التجمع إلا (فرفرة مذبوح)
ولا تزال أمريكا تراهن وتلعب على الصراع من اجل السلطة بين الكتلتين المتصارعتين اللتان أسقطتا الوطن من حسابهم ليبقى محور الصراع السلطة ليتواصل تنفيذ المخطط الأمريكي بذكاء وحنكة.
كان أولى خطوات أمريكا لتفعيل قرار لجنة الشئون الإفريقية لتحرير السودان من الاستعمار العربي والذي صدر في فبراير 92 كان أول واهم خطوات تنفيذ المخطط الأمريكي إن نظمت أمريكا في أكتوبر- نوفمبر 92أي بعد بضعة أشهر من قرار التحرير أعلنت عن تنظيم ندوة بواشنطون للقوى السياسية المعارضة والحاكمة اختارت لها عنوان (السودان المأساة المنسية) ووجهت الدعوة لكل قيادات التجمع فى الخارج والتي هرولت لتشارك في ندوة عن السودان تنظمها الدولة التي قررت تحرير السودان من الاستعمار العربي ومع ذلك هرولوا بلا استثناء نحو واشنطون للمشاركة في ندوة السودان المأساة المنسية وكانت المأساة الحقيقية أن يستجيب قادة البلد المزعومين لدعوة اكبر عدو يضمر للسودان مخطط تقسيمه..
اذكر يومها إنني شخصيا كتبت في صحيفة(الخرطوم) التي كانت تصدر من القاهرة ورئيس تحريرها الأستاذ فضل الله محمد وسكرتارية المناضل فيصل محمد صالح تحت عنوان بارز( أيها الذاهبون لواشنظون انتبهوا ماذا تريد أمريكا من السودان) وكان ما تريده أمريكا معروفا لأنها أعلنته علانية وفى ذلك المقال وجهت نقدا عنيفا لقيادة التجمع وهى تهرول نحو أمريكا التي تتآمر على تقسيم السودان والذي اعتبرته مستعمر للجنوب ونادت بتحريره ويومها أشرت في تلك المقالة إلى حديث رجل الاستخبارات الألماني الذي كشف في كتاب أصدره عن نوايا الغرب بقيادة أمريكا لتقسيم مجموعة من الدول حرصا على الحفاظ على استغلال الغرب لمصالحه الاقتصادية من هذه الدول وهو ما تعرضت له في الحلقة السابقة ومع ذلك هرول قادة التجمع نحو واشنطون في سباق محموم مع السلطة لكسب رعاية ودعم من يتآمر على السودان لأنه لم يكن لهم من هم يومها إلا العودة للسلطة لمن فقدها وليبقى فيها من انتزعها بالقوة حتى لو كانت على أنقاض وحدة السودان وقد كان.
ومع ذلك كانت الدعوة للندوة مسرحية كان قادة التجمع ضحاياها ولكن الضحية الأكبر كانت وحدة السودان فكيف ذلك؟
فلقد كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الشهيد دكتور قرنق تواجه انقساما حادا عندما وجهت أمريكا الدعوة لتنظيم ندوة (السودان المأساة الإنسانية) بين مجموعة الدكتور قرنق الوحدوية ومجموعة الذين يدعون لانفصال الجنوب بقيادة الدكتور ريك مشار والدكتور لام اكول وكانت المجموعة الانفصالية قد وقعت في عام 90 اتفاقا مع حكومة الإنقاذ في خطوة تعجلوا بها لتحقيق الهدف من الانقلاب لفصل الجنوب الذي يقف في طريق الحكم الإسلامي وعرف باتفاق بون يتضمن حق الجنوب في تقرير المصير وهو الاتفاق الذي وجه بحملة قوية رافضة له من الدكتور قرنق ومن التجمع الوطني المعارض (بعكس ما جاء موقفهم بعد ذلك من قرار لجنة الشئون الإفريقية مع إن اتفاق بون كان اقل ضررا لأنه لا يكفل حق تقرير المصير للمناطق المهمشة) بل وبمعارضة قوية من مجموعة إسلامية تتطلع لان يكون الجنوب معبرا لهم لنشر الدعوة, والتي تتمثل في المؤتمر الشعبي الإسلامي الذي تم طرده من البلاد بعد ذلك الموقف إرضاء لأمريكا.
كانت أمريكا بالطبع متعاطفة مع المجموعة الانفصالية التي تصب لصالح مخطط التقسيم إلا إنها حرصت أولا على العمل لتوحيد الحركة الشعبية لاستقطاب الدكتور قرنق لما تعرفه من قدراته القيادية الفائقة إلا إنها كانت ترفض وحدويته التي دفع في نهاية الأمر حياته ثمنا له بان تم اغتياله بتلك الفرية التي لم يصدقها احد.
لقد تكشف يومها إن تلك الدعوة للندوة لم تكن إلا أكذوبة (ومسرحية) دبرتها أمريكا عندما جاءت بالقيادات الشمالية لتغطية اجتماع سرى خطط له للجمع بين فصليي الحركة من خلف ظهر الحضور من القيادات الشمالية التي استمتعت يومها بحسن الضيافة دون أن تشهد أي ندوة حتى فوجئت ببيان يصدر عن لجنة الشؤون الإفريقية بالكونجرس تكشف فيه إنها نظمت اجتماعات بين فصليي الحركة بغرض توحيدهما إلا إن مشروع الوحدة فشل لرفض قرنق له إلا إن أمريكا نجحت في أن توحد كلمة الفصيلين في المطالبة بحق تقرير المصير ليس للجنوب وحده وإنما تضمن القرار لأول مرة وفى خطوة غير متوقعة لولا المخطط التآمري حيث تضمن حق ما سماهم البيان المناطق المهمشة في تقرير المصير ولم تكن يومها أي منطقة مهمشة تعيش أي حالة من التمرد وإشهار السلاح في وجه السلطة.
كانت تلك أول إشارة تضمنها الاتفاق الذي صدر تحت رعاية أمريكا والذي تكشف إن قرنق اجبر على الموافقة عليه تحت ضغط رفع الدعم عنه ومحاربته فانصاع لهم متوعدا من فكروا فيه بأنه سيعمل من اجل أن يصب الاستفتاء للوحدة وليس الاستقلال وهو الخط الذي دفع حياته ثمنا له باغتياله بمخطط لم تكن أمريكا بعيدة عنه
,وهنا لابد من وقفة خاصة مع إشارة الاتفاق في ذلك القرار للمناطق المهمشة والتي لم يكن من بينهما أي منطقة تشهد حركة تمرد أو مطالبة بالانفصال عن السودان فكان القرار الذي دبرته أمريكا تحت غطاء الندوة التي انطلت على قيادة التجمع كان دعوة لهذه المناطق لان تتمرد وان ترفع سقف مطالبها ونواياها بعد أن ضمنت الرعاية والدعم من أمريكا التي ضمنت لها حق المطالبة بحق تقرير المصير فكان ذلك القرار دافعا لمولد الحركات المتمردة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بل وفى شرق السودان لتدخل البلاد في نفق التهديد الشامل لوحدة السودان بعد إن تكشف بعد المخطط الأمريكي.واستهدافه تمزيق السودان
تسابقت يومها قيادات التجمع نحو أمريكا حيث واجهت موقفا حرجا وهى تدعى لندوة وهمية غطاء لذلك الاجتماع الذي عقد خلف ظهرهم غطاء لقرار إعلان حق تقرير المصير للجنوب والمناطق المهمشة فعادت من جديد لتتسابق على إصدار بيانات الإدانة للقرار وطالت الإدانة حتى قرنق نفسه حيث اعتبرت موافقته على القرار خروجا عن ميثاق التجمع الذي اعتمد عضوية الحركة الشعبية في عضويته تحت بنود واضحة تؤمن على وطن موحد يقوم على دولة المواطنة دون تغول أي عنصر أو دين إلا إن ما حدث بعد ذلك من هذه القوى السياسية وقيادات التجمع يكشف لأي مدى كيف تناقضت مواقفها ومواقف التجمع.إن بلا استثناء
هذه القيادات هي التي رهنت نفسها لأمريكا مصدر الدعم الوحيد لها تحت وهم إن أمريكا تريد إسقاط النظام الحاكم وهذا لا يمثل الحقيقة لان أمريكا هي الأحرص على بقائه باعتباره أهم واقوي عامل مؤثر لتحقيق مخطط التقسيم لتمسكه بفرض الحكم الإسلامي الذي يمكن أمريكا من تصعيد حركة التمرد لأسباب دينية بعد أن كانت فقط لأسباب عنصرية وهذا ما تحقق لأمريكا فمصلحة أمريكا تريد للنظام أن يبقى شريطة أن يكون ضعيفا(مرتجفا) من مخاطر انقضاض التجمع عليه الذي هو نفسه تحت قبضة أمريكا حتى ينصاع النظام لأمريكا ليقدم كل التنازلات المطلوبة وقد كان وهذا ما كان من أمر نيفاشا الذي اسلم مستقبل السودان لغير أهله.
. كانت المفاجأة والتناقضات أن تداعت مواقف قيادة التجمع وتخاذلها عن موقفها الرافض للاتفاق والتي قلت أنها كشفت لأي مدى لأن هذه القوى رهنت نفسها لأمريكا فان هذه القوى تسابقت بعد إدانة الاتفاق الذي تم بين فصليي الحركة خلف ظهرهم والذي تم فيه إعلان الفصيلين على حق تقرير المصير والتامين تسابقت على التراجع عن موقفها إرضاء لأمريكا كيف تسابقت للتراجع عن إدانتها للقرار
وكانت ضربة البداية عندما انفرد زعيم حزب الأمة الصادق المهدي بإعلان تأييده لقرار حق تقرير المصير باتفاق وقعه منفردا مع قرنق بعد اجتماع ثنائي أخفاه عن قيادة التجمع ومن خلف ظهرهم ليأخذ السبق في إرضاء أمريكا إلا إن قيادات التجمع المتبقية والتي تسابقت لحظتها منفعلة لتصرفه على إدانة الصادق المهدي الذي اتهمته ببيانات رسمية تداولتها كل أجهزة الإعلام العربية اتهمته بخيانة الوطن والميثاق الوحدوي ولكنها نفس هذه القوى التي أدانت الصادق وقبله قرنق ما أن دعيت لمؤتمر القضايا المصيرية عام 95 بأديس أببا تبدل موقفها حيث انتقل التجمع من مصر لإثيوبيا تحت النفوذ الأمريكي خوفا من رفض مصر لأي خطوة تتهدد وحدة السودان فسارعت قيادات التجمع للتوقيع على تعديل ميثاق وحدة السودان للقبول بالقرار الأمريكي بحق الجنوب والمناطق المهمشة في تقرير المصير لتسجل هذا القوى قبولها بان السودان مستعمرة للعرب بعد أن زايدوا بان حق تقرير المصير هو حق دولي للشعوب المستعمر وهكذا أصبح الجنوب مستعمرة,
هنا لم يكن تراجع التجمع لينطلى على حكومة الإنقاذ لدرجة خيانة الوطن إرضاء لأمريكا لاستقطاب دعمها لإسقاط النظام فاستثمرت السلطة موقف التجمع خير استثمار عندما ردت له أولا دينا قديما من عام 90(اتفاق بون) فأدانت التجمع لتفريطه في الوطن ثم كانت المفاجأة عندما أبرمت نفس الاتفاق مع جبهة إنقاذ الجنوب من الداخل لتعلن قبولها بحق تقرير المصير كما جاء في القرار الذي أعلن من أمريكا وبهذا انضم النظام لركب التجمع الذي اسلم أمر الوطن لأمريكا وان كان موقف الإنقاذ لا يتناقض مع توجهاتها التي عبرت عنها في اتفاق بون في إنها لا تمانع في فصل الجنوب حتى لا يكون عائقا لفرض الحكم الإسلامي فكانت هي الرابحة على الصعيدين والخاسر الأكبر هو السودان الذي أصبح محاصرا بالتآمر الأمريكي لتفتيته بعد أن أسلمت السلطة والمعارضة أمرها طواعية لأمريكا.
للأمانة والتاريخ كان الشريف زين العابدين الهندي الأمين العام للحزب الاتحادي الديمقراطي القيادي الوحيد الذي رفض القرار صراحة واصدر في حقه أكثر من بيان متهما كل من التجمع والحكومة بخيانة الوطن بالرغم من انه نفسه تراجع عن موقفه عندما قدم مبادرة أعلن إنها من اجل إجهاض المخطط الأمريكي لأن المبادرة في النهاية انتهت بمشاركة جماعته في السلطة ليصبحوا جزءا مما يتعرض له السودان من تآمر أمريكي رغم رفض الشريف لهذا التآمر ورغم انه بعضمة لسانه وصوته أعلن إن المبادرة لو انتهت بالمشاركة في السلطة تكون شاركت في خيانة وطن وهذا ما افرد له الحلقة القادمة. .
النعمان حسن
المقال طويل و لكن من دون ان يضيف جديدا
1.فسواء انفصل الجنوب او استقال فالمحصلة ان الجنوب اصبح دولة اخرى و انه اختار ذلك بدلا من البقاء في وطن واحد, و من الطبيعي انه لو كان الجنوبيون سعيدين بالبقاء في السودان الكبير لما انفصلوا
2. لا يوجد حكم اسلامي بالسودان في الوقت الراهن و لكنه حكم يدعي انه اسلامي و حتى هذا الحكم المدعى انه اسلامي ليس هو السبب الرئيس في الانفصال و انما السبب الرئيس هو النظرة العنصرية و الجهوية , فالجنوب فيه نسبة من المسلمين ال تقل عن الربع و لكن راينا ان نسبة التصويت لصالح الانفصال كانت كبيرة
3. لا يمكن انكار البعد الديني في قضية الجنوب و لكن منذ عام 1956 و الى عام 2011 و عبر كل الحكومات التي حكمت السودان كانت اغلب شكاوى الجنوبيون عن العنصرية و الجهوية
اقرأوا يا سيدي مذكرات برجنسكي (مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد ريجان و اقرأ وثائق المخابرات البريطانية) ستجد إن أهم من كانوا يفكرون في دعمه بشتى الوسائل للوقوف في وجه المد اليساري هم جماعات الإسلام السياسي (الأخوان المسلمين ، حزب التحرير ، الوهابية ..الخ) و قبل البترول كانوا يدعمونهم بصورة مباشرة بالمال و بصورة غير مباشرة بطباعة الكتب و الدعاية و التدريب و الإيواء و تهيئة الواجهات المالية و الإعلامية ، بعد البترول صاروا ينسقون مع حلفائهم فطبعوا الكتب و وزعوها بالملايين و قاموا بالتدريب على أعمال الدعاية و التجنيد ، أما بعد دخول السوفيت أفغانستان فقد قال بريجنسكي : فركنا أيدينا ارتياحا و هنانا بعضا بعضا بنجاح خطط السي آي أي بجر السوفيت للمستنقع الأفغاني ، و بدأت بعدها ملايين الدولارات تتدفق و قامت دول الخليج بالتمويل اللازم و الغرب بالباقي … هؤلاء صنيعة غربية بامتياز … انظر للكروش المنفوخة بالخراء و أنت تعرف علاقتهم بالمتع من قصور و سيارات و منكوحات مثنى و رباع و خماس … سينكشف العمى عن العيون قريبا .