مأزق الثورة “1”

” في البدء يتجاهلونك ، ثم يسخرون منك ، ثم يحاربونك ، ثم تنتصر ”
الماتهما غاندي

ما الذي يدفع جماعة ما سياسية كانت ام ثقافية للقيام بفعل الثورة ؟ بالتأكيد الرغبة في التأسيس لوضعية جديدة مناقضة للوضعية القائمة .

جميل ؛ ما الذي اعنيه ب” الوضعية القائمة ” ؟ اعني الواقع الذي يساعد علي توفير الشروط الموضوعية لفعل الثورة . او بالتحديد : الواقع الذي تنعدم فيه الحريات ،تختل فيه موازين السلطة والثروة ، يكثر فيه القهر والفساد ، وتسيطر فيه جماعة ما علي الجماعات الاخري .
في هذا المقال سأحاول تسليط الضوء علي مأزق الحركات الثورية بالسودان مستخدما الانموذج السابق .
غربا تتخذ حركة تحرير السودان بفصيليها المتنافرين ، وحركة العدل والمساواة من اقليم دارفور مسرحا لعملياتها العسكرية ضد النظام . اما جنوبا فقد اعلنت الحركة الشعبية من بعض الاجزاء بولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق اعلنتها كمناطق محررة .
هذا الاسلوب يعرف بالكفاح المسلح ،وهو احد وسائل التغييروالثورة . ما الذي دفعت الجماعات السابقة للقيام بفعل الثورة ؟ هنالك عدة مبررات بحسب ما ورد علي المنفستو الخاص بها ؛ غياب العدالة الاجتماعية ، انعدام الحريات ،حكم الفرد ،التهميش الثقافي ….الخ .
ما الذي يجعل من جماعة ما ثورية ؟ بالتأكيد مدي تمسكها بقيم ومبادي الثورة وهذا بالضرورة سينفي عنها صفة الثورية حالما تنحرف او تنأي بنفسها عن تلك المبادي .
سأورد بعض الامثلة من ثم احاكم تجربة الحركات المسلحة بناءاً عليها
*الحريات :
_ فصلت الحركة الشعبية لتحريرالسودان اكثر من عشرة ضباط برتب عليا ” منهم عمداء” وعضواً بالتنظيم هو د/ابكر ادم اسماعيل صاحب جدلية الهامش والمركز علي خلفية مواقفهم من قيادة الحركة ” مالك ، الحلو، عرمان ”
_ حاولت حركة تحرير السودان قيادة عبدالواحد تنفيذ عملية اغتيال بحق القائد الميداني ” طرادة ” بسبب تباعد وجهة النظر الخاصة به مع توجهات قائد الحركة .
_ اغتالت حركة العدل والمساواة اثنين من ابرز قياديها ” محمد بشر ، اركو ” بسبب توقيعهم علي اتفاق سلام مع السلطات.
*احتكار السلطتين السياسية والعسكرية:
_تتماطل قيادة الحركة الشعبية في عقد المؤتمر العام ،ويتناوب ثلاثي الحركة علي احتكار السلطتين السياسية والعسكرية .
_ ظل مناوي وعبدالواحد يترأسان قيادة ” حركاتهم ” منذ مؤتمر حسكنيتة .
_ ترأس جبريل الحركة بموازنات عرقية في انتهاك صريح لقيم الديمقراطية والعدالة .
*التعددية :
_ منذ الحرب الثانية ظلت معظم المناصب القيادية ب” الجبهة الاولي” حكرا علي مكونات ثقافية معينة “قادة المحاور ،قيادة الموبايل فورس التي كونت حديثا ،وحتي قيادة الاركان التي اوكلت مؤخرا الي اللواء جقود . ذات الامر ينطبق علي حكومة الاقليم ” حاكم الاقليم ،السكرتير القضائي ، السكرتير الاعلامي …الخ ”
_ في الاجتماع الذي عقد بجوبا تحت رعاية حكومة الجنوب اقترح مالك عقار تركيز عمليات التجنيد وسط مجموعات محددة ، وفي تجربة الجبهة الثالثة تم التركيز علي ” المساليت ” بحجة ان “الفور ،والزغاوة” يمتلكون اجسامهم الخاصة .
_ الانتماءوالولاء في الحركات قائم علي العشيرة وليس الايمان بالمشروع.
*قبول الاخر :
_ثمة رفض متبادل بين مكونات الجبهة الثورية وخاصة بعد فشل التحالف ، انعكس هذا الرفض علي المستوي الاجتماعي ؛ حيث قامت الحركة الشعبية ممثلة في حاكم منطقة البرام ” حزقيال” بانتزاع اكثر من 30 امراة من ازواجهم “دارفورين ” ثم اقتيادهم عنوة الي الجبال .
_ مصادرة قيادة الحركة ممتلكات ” اموال تقدر بالملايين ” من تجار دارفورين يعملون بكاودا.
_نشر شائعات وسط المواطينين عن ارتكاب منسوبي الحركات المسلحة عمليات اغتصاب واسعة علي فتيات من جبال النوبة واختطاف اخريات .
_اتهام الحركات المسلحة لقادة الحركة الشعبية بتحويل الصراع السياسي الي صراع اجتماعي . واغراء منسوبيها بالانضمام للجيش الشعبي .
*الترقية :
_ احيانا لا تتم الترقية داخل المنظومة العسكرية بناءاً علي معايير موضوعية ؛ درج الجيش الشعبي علي سبيل المثال علي ترقية كل من يحضر معه جماعة “9 الي 10 ” جندي الي رتبة نقيب ، ومن يحضر فصيلة يرقي الي رائد ، اما من يحضر “سرية” يرقي الي عقيد او عميد علي احسن الفروض بغض النظر عن موهلاته او حتي تجربته العسكرية .
_ذات الامر يوجد عند حركات دافور ولو كان بشكل مختلف ..عدد الضباط برتبة ” فريق ” بحركة العدل علي سبيل المثال يفوق عدد الضباط بذات الرتبة بكل القوات النظامية السودانية .
علي ماذا يدل ذلك ؟
قلنا مؤخرا انه ليكما تكون جماعة ما ثورية ينبغي عليها قبل كل شي ان تعمل علي ترجمة قيم ومبادي الثورة او حتي عدم الانحراف عنها .
ولكن يبرز السؤال : هل تكفلت تلك الجماعات بفعل ذلك ؟
بالتأكيد لا اذا ما حاكمناها بناءا علي الامثلة السابقة ، فهنالك انعدام للحريات والحقوق الانسانية الاساسية ، وتحتكر القيادة السلطتين السياسية والعسكرية مع تغيب واضح للاعضاء والجنود ، ويقل قبول الاخر بصورة كبيرة ، وتنعدم التعددية .
اذاً هذا بالضرورة ينفي عنها صفة ” الثورية ” ويؤكد ان الامر لايعدو ان يكون تكرارا لتجارب المنظومة التي ثارت ضدها .
لايمكن ان نقول باي شكل من الاشكال عن منظومة ما ثورية فقط لانها حملت السلاح ضد النظام الحاكم ؛ ان ما يثبت ثورية تلك المنظومة هو مدي تمسكها بقيم ومبادي الثورة الحقة التي تنادي بها كل حركات التحرر بالعالم وطالبي الحرية . ولا يمكن ان تكون منظومة ما ثورية طالما انها تمارس ذات الممارسات التي ثارت ضدها .
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..