ملاك الرحمة الفريق طه عثمان

تعلمنا منذ سنوات الصبا الباكر ونحن (شفع يفع) ان العمل فضيلة .. وبذل الجهد مفخرة .. والعرق المتصبب من الجباة التى تكد وتكدح مأثرة .. ووعينا الدرس الاول علينا ألّا نهزأ باي عمل مها كان وضيعا في نظرنا وحقيرا في مخيلتنا .. فالاعمل جميعها جليلة ولها قيمة مقدسة..
ايها السادة كانت الأدبخانة (المرحاض) وقتها تُبني على الطراز الانجليزي.. مرتفعة قليلا عن الارض بمقدار متر أو أكثر وتحتها جردل يسمى (جردل ليكون) ليستوعب الفضلات البشرية .. وخلال يوم محدد في الاسبوع يأتي عمال الصحة الذين نطلق عليهم (عمال جردل ليكون) لتفريغ حمولة الجرادل داخل براميل عربة الكومر التابع للمجلس البلدي (المحلية)..
كنا نسخر من (ناس جردل ليكون) ونحن صغار لا ندرك شيئا عن فضيلة المهنة مهما كانت متواضعة .. كنا نذدريهم لانهم يعملون في مهنة نعتبرها دنيئة في مفهومنا الضيق .. لحظتها وجدنا كثير من التوبيخ من اباءنا المؤسسين للقيم النبيلة .. أخذنا نصيبا مضاعفا من الزجر والتأنيب والنهنهة.. بعدها تعلمنا ان المهنة مهما كنت حقيرة في نظرنا إلَا انها عظيمة في نظر الله والمجتمع .. وان الرجل الذي ياكل من عرق جبينه اولى بالتوقير والتمجيد ..وان الرسول كان يقول عن الايدي الخشنة التى تسعي وراء الرزق الحلال (هذه يد يحبها الله ورسوله) .. وان الرجل البائس الحقير هو من لا يعمل او يتكل على الغير .. او يمتهن عملا غير شريف ..
ايها السادة .. كما تعلمون كثيرا ان الفريق طه – عظم الله اجره – كان ممرضا أي انه يعمل مضيفا – بلغة الطيران- في المستشفي .. يرعى المرضي .. ويقوم على واجباتهم بكل بكل همة ونشاط .. ويشرف على شئونهم الى ان يخرجوا الي ديارهم معافين سالمين او يغادرون الى دار القرار .. كان الفريق طه يرتدي زيا ابيضا فاقعا يرمز الى النقاء وصفاء السريرة وطهارة القلب .. وفي الغرب يطلقون على الممرضات لقب ملائكة الرحمة .. اي أفضل الالقاب ..وارقي الاسماء .. وبما ان سعادته قضى زمنا في ممارس مهنة التمريض بشغف وبنشاط وبهمة لا تفتر .. وكان اليد اليمنى للاطباء وكان اليد المساندة لهم .. وربما وحاز على الشكر والعرفان وهو يؤدي عمله بتجرد وبصبر .. فمن باب اولى يستحق عن جدارة لقب (ملاك الرحمة) وعلينا ألّا نجحف الناس حقوقهم .. والا ننقص من افضالهم شيئا ..
ايها السادة لو كنت مكان الفريق طه لتباهيت معتزا بمهنتي السابقة ولصحت أمام الملأ بصوت داوٍ انني بدأت من الاسفل كممرض مبتديء .. وصرت الان الرجل الذي ينسج خيوط العنكبوت حول الرئيس .. وارفع صوتي عاليا وأقول انني كنت انظف الجروح وازيل الصديد .. واراقب بصبر واناءة جهاز حركة نبض القلب .. واتابع ميقات شرب الدواء واقيس الضغط واسهر على راحة المريض .. وألقم العليل الطعام بترجي .. وامهد له المرقد فاكون له خير عون ونصير .. فلا عيب في المهنة حتى ولو كنت أحمل على كاهلي جردل ليكون ..
اعزائي لو أنني الفريق لكنت افتخر بمهنتي السابقة كما يفعل المليونير الشهير ود الجبل حيث يردد دائما وبتبجح وزهو أنه بدأ فريشا متواضعا في السوق العربي .. هرب من الكشة ذات اليمين وذات الشمال .. وثم ارتقى سلم المال سلما سلما الى ان وصل القمة .. وكنت اتباهى بمهنتي مثلما يفعل رئيس امريكا المليونير دونالد ترامب حيث كان يعمل مع اخيه فى جمع الزجاجات من القمامة (الكوشة) لبيعها..
ايها السادة .. لو كنت الفريق طه لتوليت بنفسي تمريض الرئيس ابان وعكة الرُّكب الشهيرة باعتبار انني خبير وصاحب تجربة واصنف كتمرجي ماهر .. وسادعوا الاعلام جميعه حتى المغضوب عليه من الحكومة .. وألبس الزي الابيض الطاهر زي ملاك الرحمة .. واسمح للاعلام بالتقاط صورة وانا اضع الدرب على يد الرئيس البائسة المرتعشة .. وصورة اخري وانا ألقم الرئيس في فمه الفاتر المهزوز بضع حبات طبية .. ثم صورة ثالثة وانا اجهز الحمام لجسد الرئيس المرمم المتضعضع ..ورابعة وانا أدلك الرٌّكب (المهرية) الواهنة برفق .. وخامسة انا اقيس ضغط الدم الذي يتحرك (بالتلتلة) وهكذا ..
لو كنت الفريق طه لعكفت اٌدون تجربتي في حقل التمريض واخلدها فاجعل الناس تقف على طوابير السينما الطوال بصبر واناءة من اجل مشاهدة فيلم أٌلخص فيه تجربتي الثرة في عالم الطب على نحو ما جاء في فيلم (في الحب والحرب) In Love and War .. الذي يحكي تضحيات الممرضة اجنس فون كوروفسكي في الحرب العالمية الثانية .. او تضحيات الممرضة تانيا تشيرنوفا في فيلم (العدو على الابواب) Enemy at the Gates المأخوذ عن كتاب (حرب الفئران) War of Rats ..
احبائي ..اذا فعل الفريق طه ذلك فانه يكون دافعا والهاما لكل الممرضين ان يلجوا سلم الطموح سلما سلما الى ان يرتقوا القمة .. فلا عار في مهنة مهما كانت حتى ولو حمل جردل ليكون على الاكتاف ..
اترككم ايها السادة .. مع هذا السرد الرائع الوارد في رواية (السيد الرئيس) للقاص اللاتيني ميجيل استورياس الحائز على جائزة نوبل ..
( استقبل رئيس الجمهورية الدكتور دون لويس وافقا .. راسه شامخة .. وبيد متدلية طبيعيا واخرى وراء ظهره .. ودون ان يترك له الوقت ليلقي التحية ..
صاح الرئيس قائلا : كنت اقول لك دون لويس اني لست مستعدا للسماح بان تسيء ثرثرة متطبب ولو قليلا لسمعة حكومتى .. اعدائي يعرفون ذلك لانني في اول مناسبة ساطير رؤوسهم ..انسحب واخرج )
ايها السادة .. لن تسيء ثرثرة ممرض كان يركب الفيسبا لسمعة رئيس الجمهورية ان كان يتفاخر بمهنته السابقة .. ان ما يسيء لسمعة رئيس الجمهورية هو نكران المهنة النبيلة .. وتجاوز الاصدقاء القدامي .. ونكران العمل العمل النبيل ..
واخيرا ايها النبهاء .. على سعادة الفريق طه – بيِّض الله وجهه – الا يبحث عن وسام ابن السودان البار او اي وسام اخر .. وان اكبر وسام تقلده في حياته هو لقب ملاك الرحمة ..

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يعني الرجل كان ممرض وصار عنده املاك حتي في دبي بملايين الدولارات هل جاءته ليله القدر والشعب لا يعلم

  2. يعني الرجل كان ممرض وصار عنده املاك حتي في دبي بملايين الدولارات هل جاءته ليله القدر والشعب لا يعلم

  3. …. يا سيدى الموضوع ليس عن مهنة التمريض فهي مهنة لا شك مهنة من ارقي المهن في العالم حتى ان دولة مثل كندا تحتاج الى عدد كبير ممن يمتنهون مهنة التمريض.. وتحتاج المهنة الى شهادات وتاهبل عالي كذلك..
    اما من تتحدث عنه فهو مدير مكتب رئيس دولة بدرجة وزير يبقي السؤال ماهى مؤهلاته التي اهلته لتولي هذا المنصب.. ؟؟؟ من حق كل شخص ان يطمج ويبحث عن الاحسن ولكن ما نسمعه عن هذا الشخص انه لا يمتلك من الموهلات العلمية او حتي اللغوية ما يؤهله لتولي المنصب فهو منصب لا شك رفيع ويكتسب مكانته من مكانة رئيس الجمهورية..
    …. من حق الشعب السوداني ان يعرف من هو وكيف وصل الى هذا المنصب اليس كذلك؟

  4. …. يا سيدى الموضوع ليس عن مهنة التمريض فهي مهنة لا شك مهنة من ارقي المهن في العالم حتى ان دولة مثل كندا تحتاج الى عدد كبير ممن يمتنهون مهنة التمريض.. وتحتاج المهنة الى شهادات وتاهبل عالي كذلك..
    اما من تتحدث عنه فهو مدير مكتب رئيس دولة بدرجة وزير يبقي السؤال ماهى مؤهلاته التي اهلته لتولي هذا المنصب.. ؟؟؟ من حق كل شخص ان يطمج ويبحث عن الاحسن ولكن ما نسمعه عن هذا الشخص انه لا يمتلك من الموهلات العلمية او حتي اللغوية ما يؤهله لتولي المنصب فهو منصب لا شك رفيع ويكتسب مكانته من مكانة رئيس الجمهورية..
    …. من حق الشعب السوداني ان يعرف من هو وكيف وصل الى هذا المنصب اليس كذلك؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..