إسلاميو السودان .. سنوات من الدماء والدموع

إسلاميو السودان .. سنوات من الدماء والدموع

طارق عثمان
[email][email protected][/email]

التاريخ هو التاريخ تظل المواقف فيه محفوظة في صدور من عاصروا أحداثه وعايشوها او يظل حبرا مسكوبا علي صفحات الكتب، ولا شك ان اكثر من نصف قرن من الزمان كفيلة بأن تجعل مواقف الحركة الاسلامية السودانية طيلة تلك السنوات جزءاً من تاريخ ذلك البلد الذي شغلت الصراعات والنزاعات جل حظه في أن يعيش تاريخاً عامراً بالحياة النظيفة من التوتر، ناضلت الحركة الاسلامية خفاءً وجهراً وتسللت الي شرايين المجتمع السوداني المثقف في بداياتها حتي غطي وجود عضويتها مناحي السودان المختلفة، غير ان العام 1989م كان عاما فاصلاً في تاريخها نقلها من العمل التنظيمي النظري الي الواقع العملي التطبيقي بعد نجاح إنقلابها علي حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي المنتخبة رغم ان الحركة الاسلامية أجمعت رأيها علي منع تدخل الجيش في الحياة السياسية، وخلال الايام الماضية بلغت الحركة الاسلامية مؤتمرها الثامن وهي تتمرق في نعيم المال والسلطة بعد ان كان يموت قادتها فقرا، غير ان أحداثاً جساماً طيلة ثلاثة وعشرون عاما سودت ذلك التاريخ الذي أسست أولي حلقاته علي نظرية التفاعل مع المجتمع، بل وأصبغت صفحاته باللون الأحمر الداكن سواء كان ذلك من خلال معاركها مع خصومها ومعارضيها وغيرهم بعد أن أستلت في وجوههم سيف التشريد من الخدمة العامة، والتعذيب في بيوت الاشباح او من خلال حروبها التي خاضتها جنوبا وشرقا وغربا خلفت مئات الالاف من الضحايا قدرتها بعض المنظمات الدولية في دارفور وحدها منذ العام (2003) بحوالي (300) الف قتيل، في ممارسات جعلت من الادعاء بتحكيم الاسلام شعارا ومطية استخدمتها الي أن أستقوت بعنفوان الحكم وبريق السلطان .
غير أن قادة الحركة الحاكمين الان يرون أن ما قاموا به خلال فترة حكمهم كان اصلاحا للحياة العامة ومقاومة للتيارات العلمانية واليسارية، كما ورد في ثنايا خطاب الرئيس السوداني عمر البشير لمؤتمر الحركة الاسلامية الثامن حيث يشير الي ان الحركة طرحت البديل المرتكز على مقاصد الشريعة وغيَّرت وجهة السودان من التبعية والارتهان للنظام السياسى الغربى المادى والعلمانى، وقال ان تجربتهم استلهمت مبادئ الاسلام ومقاصد شريعته السمحة بناءاً لنظام حكم اساسه كرامة الإِنسان وبسط الحريات واقامة العدل وتحقيق الشورى بإجتهاد ينبع من عقيدة راسخة أنه لا صلاح لأمر الناس عامة إلاّ في هدى الرسالات السماوية ونهج الرسل الكرام.
غير ان عراب الحركة الاسلامية السودانية ومهندس خطتها للانقضاض علي الحكم د. حسن الترابي تبرأ من المشروع الاسلامي القائم في السودان الان، وقال في رسالة بعث بها للمشاركين في المؤتمر قال انه يتبرأ من المشروع المدّعى أنه للحركة الإسلامية بالسودان ، بل ذهب اكثر بانه لا يعرف لهذا المشروع علماً وهدى فكرياً ولا خلقاً ولا سياسة مما ينسب حقاً إلى الإسلام، ويضيف قائلا ” وإذ تدهور أمر السلطة في السودان ، فانفصل الجنوب عن الشمال ، وما يزال يتمرد ويقاتل الغرب والشرق والجنوب الجديد، وإذ تطاول الكبت السياسي بالناس وأستيأسوا من الانتخابات لأنها كانت كلها مزورة يفوز فيها الحكام بنسبة 99% ، وإذ تعسر المعاش بتضخم متضاعف لما أضحى البترول بغالبه من حظ دولة الجنوب المنفصل، وعُوّض بضرائب متتالية لتمويل الدولة وجيشها وأمنها ودعايتها ، وإذ فُضحت تقوى الحكام الأخلاقية فسوغوا لأنفسهم أكل الربا ولم يبالوا بتعطيل الحدود بعد أن عطّلوا الأحكام في الحرية والشورى”، ويتابع الترابي في رسالته ان ولاة الأمر الحاكم اقاموا مؤتمراً أسموه الحركة الإسلامية ليحتكروا تلك الصفة لأنفسهم وعزلوا أعلام الحركة المعهودين مكبوتين أو معتقلين، والسياسة والحكومة تظل محتكرة لحزب لهم هو المؤتمر الوطني ومعه سواد من عوام المنافقين والمستوزرين من قوى سياسية وآخرين يبتغون المنافع.
فيما يري رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي أن الاسلاميون الذين أقدموا على إحداث التغيير إحتكروا القرار لأنفسهم، وأستخدموا نفس أسلوب القوة الذي استخدموه في استلام السلطة في التعامل مع من يخالفهم في الرأي بعد استلامها بمن فيهم أشياعهم، ويشير الي ان وولاة الأمر الجدد أقل إحاطة بالقضايا الفكرية، والمطالب السياسية، لاعتيادهم على أسلوب الأمر والنهي، غير ان المهدي قول ان السلطة دون ضوابط دستورية قوية تقود حتما إلى التسلط الذي وقع فيه حتى حكام بني أمية من صحابة وتابعين.
اما المحبوب عبدالسلام وهو احد قيادات الحركة الاسلامية المقربين من الترابي فيشير في كتابه – الحركة الاسلامية السودانية دائرة الضوء ? خيوط الظلام – الذي منعت السلطات السودانية توزيعه أن الحركة الاسلامية في بداية الإنقاذ الأولي نشطت في تصفية الخدمة المدنية من العناصر المناؤئة لها وفصل الالاف من جهاز الدولة مما ادي الي ما يشبه المجزرة العشوائية في الخدمة المدنية فأودعت الكثير من الاسماء لقوائم الفصل لدوافع لا علاقة لها بالعمل أو بتأمين الثورة بل بغضب بعض عناصر الحركة الاسلامية في الخدمة المدينة او خوفهم من بعض العاملين معهم او لهم عليها تحفظ حزبي او موجدة شخصية فجاءت القوائم مفتوحة بلا تمحيص، وانتظمت الحملة كل أجهزة الدولة تحت إسم الصالح العام، ويشير عبدالسلام الي انه ونتيجة لذلك تسللت عناصر من الحركة الاسلامية الي الخدمة المدنية في المواقع الأشد خطورة وتاثيرا، كما طالت يد الصالح العام يد العفو للمعاش عشرات من ضباط القوات المسلحة بحجة سد الثغرة الأخطر لحماية الثورة الاستهداف، ويواصل المحبوب عبدالسلام سرده لاحداث المرحلة الاولي من حكم الحركة الاسلامية الي انه وبحجة تأمين الثورة تم إحلال عضوية الحركة الاسلامية في الأجهزة الخاصة ليكونوا ضباطا لجهاز الامن الرسمي وعساكره وقامت لجنة الامن والعمليات العليا بتأسيس مراكز إعتقال خاصة فيما عرف ببيوت الأشباح تمددت فيها الإعتقالات العشوائية الواسعة التي تأخذ الناس بأدني شبهة بلا تحقيق او محاكمة ولكن بتعذيب وإهانة لكرامة الانسان لا يقرها مطلقا الاسلام، ويشير الي انه وفي غمرة التدافع الحاد بين الحركة الاسلامية وخصومها تطورت عقيدة غريبة عن جملة تاريخ الحركة المتسامح تتمثل في إعتماد العنف الحاسم لاسكات المعارضة ذات النزع السياسي العسكري عقيدة ما لبثت ان استشرت روحا سائدة في اروقة الاجهزة الامنية وجراتها البالغة لاتخاذ بعض قراراتها والحماس الشديد لاعدام كبار الاطباء الذين شرعوا في محاولة للاضراب واعدام بعض تجار النقد الاجنبي، اضافة الي ما وصفه المحبوب بالمجزرة المتعجلة التي ارتكبتها قيادة الثورة وقيادة الحركة ممثلة في نائب الامين العام انذاك النائب الاول للرئيس السوداني الان علي عثمان محمد طه في حق (28) من ضباط القوات المسلحة وأضعاف عددهم من ضباط الصف عقب محاولة إنقلابية فاشلة، لتبقي المسؤلية في عنق الانقاذ بإخطار زويهم كيف تمت محاكمتهم وباي قانون وأين دفنوا وماذا تركوا من وصايا ومتعلقات شخصية، غير ان المحبوب يشير في كتابه الي ان الانقاذ الاولي شهدت حادثة هي الاولي من نوعها في تاريخ الحركة الاسلامية وذلك بان تنفذ الحركة حكم الاعدام في احد ابنائها وهو المهندس داوؤد يحي بولاد يقول المحبوب ان اعدام بولاد تم في محاكمة لا تزال غامضة ومجهولة التفاصيل .
وبالاضافة الي ما ذكره المحبوب عبدالسلام من احداث قتل نفذها قادة الحركة الاسلامية الحاكمين فان الغبن الذي خلفه مقتل 22 مدنيا بينهم أطفال ونساء علي ايدي الشرطة خلال احتجاجات سلمية شهدتها مدينة بورتسودان في العام 2005، وما لحقها من مقتل اربعة بذات الكيفية خلال احتجاجات ضد قيام سد كجبار بالولاية الشمالية، وما استجد من حروب عقب انفصال الجنوب ومقتل وتشريد الالاف فيما تشهده منطقتي جنوب كردفان والنيل الازرق من مواجهات، كل ذلك فاقم من الغبن الشعبي تجاه الاسلاميين مما يجعل حديثهم عن نجاح تجربتهم لا تعدو ان يكون نوعا من التضليل بحسب المراقب للاحداث التي دارت في هذه الحقبة من تاريخ السودان .

تعليق واحد

  1. ينطلق الإسلاموييون (فكريا) من اعتقاد “مضلل” بأن “أراضي السودان وأهله” باتت حكرا وملكا دائم لهم وحدهم في منظومة الحركات (الإسلاموية)، يفعلون به وبأهله ما يحلو لهم، دون رقيب أو حسيب ما داموا قد ورثوه من الله كفاحا بعيد انقلاب العسكر في عام 1989؟ وفي ذلك ضلال كبير تشهد عليه حتي مواقفهم الفردية في علاقاتهم الشخصية بسلطة الانقلاب منذ وقوعه وحني اليوم!!

    ما أعنيه أن الإنقلاب لم يكن خالصا لهم في يوم من الأيام، حيث له أهله وأجندته الخاصة وسلطانه وسلطته التي لم يشارك فيها أحدا، إلا لتقية أو لتوافق في بعض مصالحه هنا أو هناك! ومع ذلك فقد مضت بهم الأماني والأماني وحدها في تبرير مناصرتهم لها ودعمهم لها خاصة مع إعتقادهم أن لا ضير فيما يتنكبون من أخطاء وكوارث ما دام الأمر كله لله – لا للسلطة ولا للجاه!! وعلي ذاك مضت تحليلاتهم السياسية وأمانيهم المرهفة المرسلة دعما للنظام القائم!!

    وشاؤا أم أبوا فقد أسس الانقلاب لشرعية تخصه هو وأركانه الحقيين وحدهم (من المايويين والبرجوازيين الطفيليين وبعض الدوائر العليا للطائفية التقليدية) وذلك منذ يومه الأول. وقوام هذه السلطة السياسية القابعة في الظل ، أربع أركان وهي السلاح والقمع والتهميش والإفساد تمارسها حيثما استشعرت خطرا من لدن أي منافس كان، سلاحها في ذلك خليط من (الترغيب والتهديد والإقصاء)، دون مساحة لمناصحة “إسلاموية” كانت أم غيرها ما دامت تستشعر خطرا أو تهديدا. ولقد فهم البعض من الإسلامويين السودانيين واستوعب الدرس باكرا ، فباع المسألة وحجز موقعه باكرا (مثال النائب علي) فحدد موقفه ومنذ أمد بعيد (منتصف التسعينيات)، وتململ البعض الآخر وتلكأ إلي أن “فهم” أخيرا، فحاجج فقذف به بعيدا عند نهاية التسعينيات (المفاصلة)، وصبر البعض وتصبر الي الهجيع الأخير من الليل، يحاول أن يفهم وبناصح الي أن أعيته الحيلة فطفح به الكيل فوثب الي التآمر فرمى به في قارعة الطريق (التخريبية) ولم تختلف الطريقة ولا قائمة التهم ولا الأسباب ولا الجزاء أيضا وذلك منذ البدء والي اليوم، ولم تنفع شفاعة الشافعين سواء من الداخل أو الخارج !!

    باختصار تلك هي قصة “انقلاب الإنقاذ” وقصتها مع “الإسلامويين” ، الذين هللوا وكبروا لها واستماتوا دفاعا عنها، ومنهم الكثير ممن أفنوا زهرة عمرهم يدبجون المقالات والقصائد لعشرون عاما ونيف، قبل أن يستفيقوا ويضجوا بالعويل الخجول (علي شاكلة النصح والإرشاد) أو “الإصلاح”!! اذ لم ولن يفهموا قط أن محاججاتهم المهدرة من لدن “المفاصلة” وإلي مذكرة “الألف أخ” لا تعني سلطة الإنقاذ في شيء بل هي محض خواء مهدر بعد استنفاد الغرض منهم ، أي هي لعب في الزمن الضائع؛ والمضحك أنه لم يعد لهم في الجعبة من شيء، فقد استهلكوا كل شيء، ولم تعد لأحد بهم حاجة، ولذلك انبرى لهم “العلي” بالوعيد والتهديد بعد الإقصاء الأخير ؛ وعليه فقد جفت الأقلام ورفعت الصحف!!

    وعليه فإن شاء من تبقي من “الإسلامويين” تملق ومصانعة السلطة رغبة في المحافظة علي تجارته أو وظيفته فله ذلك، ومن أراد العودة الي السلطة “منكسر الخاطر” رغبة في مداومة ملء بطنه من أموال السحت بعد أن أعيته الحيلة، مقابل الثمن المعلوم في “التهليل والتكبير” فله ذلك، فلن يؤخر الأمر أو يزيد شيئا! أما إذا كان الغرض هو إدعاء “صحوة متأخرة” في سبيل المصلحة العامة للشعب المنسي المكني بالسوداني فأقول كما يرى الكثيرون، فقد تبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر لهذ الشعب العتيد، ومنذ زمان بعيد يا هؤلاء!

    وعليه فنصيحتي للإسلامويين السودانيين في محنتهم الحالية القائمة هو العمل علي إعلان “التوبة النصوحة” ورفع الأمر لله والي الشعب السوداني للنظر في أمرهم ، ولله الأمر في خلقه!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..