غزوة نتنياهو لإفريقيا

إن لم يسارع السودان و الدول العربية للإتيان بمعجزة لتدارك مصيرهم، في ظل تطلع الكيان الصهيوني لبسط هيمنتة علي إفريقيا، ستحيط بهم (ندامة الكسعي)، و ” و لات ساعة مندم”، و ذلك بتلافي السودان تفريطه في جنوبه العزيز، وبإقلاع الدول العربية عن تقاعسها عن الاهتمام بالسودان خاصة، وإفريقيا عامة.
لم يعامل السودانيون الشماليون الذين آلت إليهم مقاليد حكم بلادهم بعد الاستقلال إخوتهم الجنوبيين أو مواطنيهم الذين يقطنون شرق السودان و غربه، بالعدل و الإحسان؛ عدلا في قسمة الثروة و السلطة ، و إحسانا في المعاملة الكريمة، و قد عجزت كل الحكومات المتعاقبة التي تولت إدارتها كلها النخبة المتحدرة من الإقليم الشمالي، منذ الاستقلال و إلي اليوم، عن ابتداع حيلة تسوي بها مشكلة الجنوب التي تتمثل في تأمين نصيبه من السلطة، فلجأت لإسكات صوته المطالب بحقه العادل بالقوة، فدخلت في حرب اشتهرت بأنها أطول نزاع مسلح في القارة الإفريقية – نصف قرن من الزمان لم يذق السودان فيه الهدوء إلا بضع سنين.
و لما قام انقلاب الجبهة الإسلامية القومية 1989م – النظام الحالي الذي عرف بثورة الإنقاذ – أعلن أن أحد دواعي الإنقلاب هو حل مشكلة الجنوب، فاستبشر الناس خيرا أن للنظام الجديد حكمة تؤدي حق الجنوب، و تطفئ نار الحروب؛ و لكن سرعان ما تكشف أن النظام لا يملك طبا مبتكرا لمعالجة حالة الجنوب التي زعم أنه آت لها بحل (لم تستطعه الأوائل)، فطفق يداويها “بالتي كانت هي الداء”؛ فابتدر دورة عنف لم تكن كسابقاتها، إذ أعطاها النظام المتسربل بالإسلام بعدا دينيا، فأعلنها جهادا مقدسا، فأفني فيها خلقا كثيرا من السودانيين. و لم تكن فداحة الخطب فقْد الأرواح العزيزة فحسب، بل جر “فرض” إتفاقية نيفاشا 2005م علي السودان، التي تمخضت عن ذهاب ثلث الأرض، و أكثر من ربع السكان ( السودان =41099001 نسمة، جنوب السودان = 12877605نسمة)؛ و ليت “الاتفاقية” التي طأطأ النظام رأسه لها أطفأت للحرب ضراما، أو جلبت سلاما؛ فآلكارثة هي مآل الحال إلي مأساة انطبق عليها المثل السوداني: (ميتة و خراب ديار).
فلم تنه الاتفاقية الحرب، رغم أن غلاة متنفذي النظام كانوا يزينون الانفصال بترويج الأباطيل، و تسويق الأضاليل بأن الجنوب ما هو إلا كم بشري عاطل، وعالة اقتصادية أثقلت كاهل الشمال، و حروب متطاولة أفنت الرجال، و التخلص منه يعني السلام و نهاية السجال.
و لعمري أنها لفلسفة عمياء، تفتقت عن عقول خواء، و أفئدة هواء تَسِرُّ النزعة العنصرية، و الاستعلاء الجاهلي الذي يتمكن من نفوس نخبة الشمال نحو بني جلدتهم ممن عرفوا بسكان “الهامش”، و فطن له أهل الجنوب باكرا و أبوه.
ففي سكرة جماعة “الإنقاذ” بسلطتهم، غفلوا عن أنهم بفصل الجنوب إنما فتحوا بابأ لا يأتيهم منه إلا الأرق و الهموم، و مهب لكل رياح السموم، و ها هي إسرائيل اليوم تكاد تحيط بهم (إحاطة السوار بالمعصم)، بزيارة رئيس وزرائها لأربع دول إفريقية، من بينها اثنتان من جوار السودان، و مقابلته لستة زعماء أفارقة، من بينهم رئيس جمهورية جنوب السودان. و تصحب نيتنياهو في حملته الصهيونية للقارة فرقة خبراء قوامها ثمانوون في أقنعة ممثلي خمسين شركة، و عدته برامج تعني بالتدريب في مجالات الأمن، المياه، الزراعة، الصحة … إلخ، و لا تقتصر أهداف الغزوة علي مغنم مد النفوذ الاقتصادي، فحسب؛ بل تتلمظ طمعا في التمكين السياسي، فطلب الكيان العنصري عضوية المراقبة في الإتحاد الإفريقي.
فها هي اليوم الصهيونية تتبع قولها أو باللأحري ادعائها بأن حدود دولتها من الفرات إلي النيل بالعمل، إذ هي لاعب أصيل في ما يجري في أرض الفرات من خراب، و لم تكتف بمجري النيل و مصبه في مصر السيسي، بل قصدت ورود منبعيه في أوغندا (بحيرة فكتوريا) و إثيوبيا (بحيرة تانا) التي بها سد النهضة الذي يشار إلي أن له بإسرائيل سببا و ألف سبب، و يشاد علي مرأى و مسمع العالم، و يسهر المصريون و السودانون جراه و يختصموا.
و أما العرب، فإهمالهم شأن السودان و إفريقيا أمرعجب. فلو أنهم عنوا بثروات السودان التي لا تخفي عليهم لأغنوه و كفتهم، و صار لهم جسرا سالكا إلي القارة السمراء، و أوسعوا به رقعة الإسلام التي تنتقص من أطرافها.
لقد ذهل العرب ? للأسف ? عما تملك إفريقيا من قوة العصر، ألا و هي الماء و هم في مسيس الحاجة له، و مستودع الغذاء الذي لا يوجد علي ظهرها من هو أعوزمنهم إليه؛ دع عنك ذكر كنوز الأرض التي تشمل من نفيس المعادن ما لا يوجد إلا بها، و ها هي تؤول كلها لقمة سائغة إلي عدوهم اللدود و ما أوجف عليها من خيل و لا ركاب؛ بل يكون الجرح أنكي عندما يسلس قياد إفريقيا للدولة العنصرية المغتصبة و تسخرها في حصارهم و إخضاعهم، و هم يعلمون أن المنطقة بأسرها آيلة إلي نفوذين لا ثالث لهما ? “صهيوني” و “فارسي”، حيث لا يبدو أن لتركيا حظا من الفريسة.
و السؤال، هل فات الأوان علي السودان و العرب تدارك ما يمكن تدراكه؟ ربما الإجابة، لا، مع بعض الشروط؛ و هي إن يسوي السودان نزاعاته الداخلية التي تسببت في وجود عشرين ألفا من القوات الأممية بأرضه، و أن يحسن التواصل مع جيرانه الأفارقة، بتجديد نهج الممثليات التقليدية البالي، و يسعي سعيا حثيثا إلي ضم بضعه الذي انفصل منه، و رده إليه بالحسنى؛ فإن تعسرت عودة المياه إلي مجاريها اليوم، فليعمد إلي جوار بلا بوائق، عله يفضي إلي وحدة و لو بعد حين.
و أما العرب فليوقنوا أن استجارتهم من رمضاء امريكا بنار روسيا لن تجديهم فتيلا، فهذي القوى تتعاورهم كالكرة، بتبديد ثرواتهم و جهودهم معا بما لا يعود عليهم بنفع، بل لا يقيهم من ضر، وإنما هي تتبادل الأدوار لتشكيل “الشرق الأوسط الجديد”، و الشواهد شاخصة، فها هي العراق وزعت، و سوريا مزعت، و ليبيا مزقت، و مصر “صهينت”، و اليمن اخترقت، والسعودية بها أرقت.
هذا المشهد المكفهر يقتضي العرب الإتيان بمعجزة تنجيهم سوء ما يدبر عدوهم، و هم أكثر منه مالا و أعز نفرا. و ذلك يحتم قيامهم بانتفاضة تلغي منظمتهم العنصرية العاجزة – “جامعة الدول العربية” التي لم يعرف لها موقف نصرة واحد لأي من قضاياهم العادلة؛ و علي رأسها مشكلة فلسطين، و الاستعاضة عنها بمنظمة قوية فاعلة ، لا تنحصر عضويتها في الدول العربية، بل تضم كل الدول الإسلامية، منظمة غير منقلغة أو متجرة، بل منفتحة مولكبة لروح العصر، تسعي لتعزيز التعاون علي البر مع كل دول العالم. و لتكن التجمعات الإقليمية الديكورية الأخري كمجلس التعاون الخليجي، و منظمة التعاون الإسلامي، والإاتحاد المغاربي، و غيرها شعبا للكيان الجديد، إن وجد مسوغ لبقائها.
أجل، إن الموقف يحتاج إلي ثورة مفاهيمية تكسر أغلال التبع السياسي، و تخلع أسمال التهيب الدبلوماسي، و التيقن بأن ما بأرضهم من جيوش أجنبية، لا يحمي العروش العنكبوتية. إذاَ فلا بد من التشمير عن ساعد دبلوماسية ذكية تجيد قراءة المتغيرات، و تحذق لعبة إدراك الممكنات، و لا يتأتي تغيير هذا الحال المذري إلا بإجماع علي إيمان ،بأنْ (إما هذا أو الطوفان).
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. يا للعبودية
    الاثيوبيون احرار والافارقة الاخرون احرار في بناء علاقات حرة مع إسرائيل على أساس المنفعة المتبادلة
    المصريون محتلين حلايب ومستولين على 85% من مياه ومع ذلك جاي تقول لينا (((إن لم يسارع السودان و الدول العربية للإتيان بمعجزة لتدارك مصيرهم، في ظل تطلع الكيان الصهيوني لبسط هيمنتة علي إفريقيا، )))…صحيح ان المستعبذ ذهنيآ لا يمكن تحريره بسهوله….آل ان لم بسارع آل

  2. يا للعبودية
    الاثيوبيون احرار والافارقة الاخرون احرار في بناء علاقات حرة مع إسرائيل على أساس المنفعة المتبادلة
    المصريون محتلين حلايب ومستولين على 85% من مياه ومع ذلك جاي تقول لينا (((إن لم يسارع السودان و الدول العربية للإتيان بمعجزة لتدارك مصيرهم، في ظل تطلع الكيان الصهيوني لبسط هيمنتة علي إفريقيا، )))…صحيح ان المستعبذ ذهنيآ لا يمكن تحريره بسهوله….آل ان لم بسارع آل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..