حكومتان في دولة

في ظل تعقُّد المشهد السوداني، واتساع رقعة الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، تبرز مؤشرات على وجود ما يشبه العروض غير المباشرة بين الطرفين الرئيسيين في النزاع: الجيش السوداني والدعم السريع. تشير تسريبات وتحركات خلف الكواليس، إلى محاولة من تحالف السلطة في بورتسودان – الذي يضم بقايا النظام السابق، والقليل من المدفوعين بالغبائن، وكثيرًا من الانتهازيين الملتفين حول الجيش لإجراء نوع من المقايضة غير المعلنة، تقوم على الانسحاب من غرب السودان، مقابل تحييد الدعم السريع لمناطق الشمال والشرق ووسط البلاد، أو ما بات يُعرف مجازًا بـ”السودان المفيد”. هذه الفرضية التي كانت تُعدّ خيانة قبل أشهر، أصبحت اليوم مطروحة على الطاولة، في ظل ميزان قوى جديد تفرضه الحرب، ويُدار وفق منطق البندقية وشرعية الأمر الواقع، لا عبر مؤسسات دولة أو تفويض شعبي.
هذا التحول يعكس تراجعًا صريحًا في موقف الحكومة المقيمة في بورتسودان، التي لم تعد قادرة على فرض سيطرتها خارج الشريط الساحلي والشمال النيلي، بينما تعاني من استنزاف مستمر، لاسيما في ولايات دارفور وكردفان. وهو ما يجعل فكرة “تجميد الجبهة الغربية”، أو الانسحاب غير الرسمي منها خيارًا واقعيًا لتقليل الخسائر، والحفاظ على المناطق الحيوية اقتصاديًا وإستراتيجيًا. فالموانئ، وشبكة الاتصالات، ومركز الدولة البيروقراطي، تقع كلها في مناطق باتت خارج سيطرة الدعم السريع، وهو ما يمنح حكومة بورتسودان سببًا للبقاء، ولو كان شكليًا.
من جهة أخرى، قد لا تمانع قيادة الدعم السريع مثل هذا الترتيب، طالما أنه يسمح لها بتثبيت نفوذها في دارفور وكردفان وأجزاء من النيل الأبيض، ويمنحها وقتًا لإعادة تنظيم صفوفها، وبناء هياكل إدارية تمكّنها من حكم المناطق التي تسيطر عليها بالفعل. بل إن هذا السيناريو يخدم طموح الدعم السريع في تقديم نفسه كقوة سياسية يمكن التفاوض معها، وليس مجرد ميليشيا عسكرية. ومع الوقت، قد تتحول سلطة البندقية في الغرب إلى سلطة أمر واقع أكثر رسوخًا، مدعومة بتحالفات محلية، وموارد اقتصادية مستقلة، واعتراف إقليمي غير مباشر.
لكن خطورة هذا التوجه لا تكمن فقط في نتائجه العسكرية، بل في ما يترتب عليه من اعتراف عملي بانقسام البلاد إلى سلطتين، كلتاهما بلا شرعية شعبية أو مؤسسية، وتعيشان على ما تمنحه لهما القوة المسلحة من سلطة. حكومة بورتسودان التي لم تأتِ عبر صناديق الاقتراع، ولا تحظى بقبول سياسي واسع، تلوّح بشرعية الجيش والدستور المجتزأ، بينما الدعم السريع يستند إلى شرعية القوة على الأرض، والتحالفات الميدانية، وسياسة ملء الفراغ. وهكذا، يدخل السودان مرحلة شبيهة بتجربة ليبيا بعد 2014، حيث تتعايش حكومتان متعاديتان في بلد واحد، دون اتفاق سياسي، أو خارطة طريق، أو حتى قدرة على الحسم.
إن قبول أي من الطرفين – ولو ضمنيًا – بتقسيم النفوذ وفق خطوط النار، هو إقرار بالفشل في إعادة توحيد الدولة، ويشكّل سابقة خطيرة يمكن أن تتحوّل إلى واقع دائم، ما لم يتم كسر هذه المعادلة القاتلة بمبادرة وطنية شاملة، تعيد تعريف السلطة على أسس جديدة، يتقدّم فيها المدنيون، وتتراجع فيها لغة الرصاص. فالمعضلة الحقيقية ليست في من يسيطر على الأرض، بل في غياب مشروع جامع لإنقاذ الدولة السودانية من الانهيار، في ظل حكم يستمد شرعيته من فوهة البندقية، لا من إرادة الشعب.
حكومتان في دولة هذا ما يسعي إليه أعداء الوطن تمهيداً لتفتيت السودان و حكومة سيرك نيروبي لا وجود لها و إلا تكون حكومة منفي و إن شاء الله قبل نهاية هذا العام الجيش و المشتركة و المستنفرين سيدخلون نيالا و الضعين و الجنينة و كاودا