مقالات سياسية

شروحات عن الأزمة الاقتصادية الخانقة

عادل محجوب
١. الحديث عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها السودان حالياً وربطها بالعقوبات التي فرضت عليه قبل اكثر من عشرين عاماً لا يجب ان يمر دون توضيح شافٍ يضع الامر في سياقه المنطقي. فالدولة السودانية الحديثة عبر تاريخها منذ استقلالها من بريطانيا في العام ١٩٥٦ لم يصدر عنها اَي سلوك يتعارض والمعاهدات والمواثيق الدولية استدعى تدخلا من جانب المجتمع الدولي

٢. الفترة الواقعة ما بعد العام ١٩٨٩ شهدت تحولاً نوعيا في المسار والسلوك السياسي للدولة السودانية يتناقض بشكل كلي عما سبق. فقد برزت شكاوى ضد السودان من دول مجاورة واخرى صديقة وشقيقة على خلفية محاولات للتدخل في الشان الداخلي او انتهاج سياسات عدائية غير مبررة ويعتبر موقف السودان من الغزو العراقي لدولة الكويت العام ١٩٩٠ احد ابرز الأمثلة. لقد ابتعدت الدولة كثيرا عن الحكمة والفطنة السياسية التي عرفت بها.

٣. في العام ١٩٩١ استضاف السودان بكل أريحية اسامة بن لادن ووفر له ملاذا آمناً واتاح له حرية العمل والحركة كيفما شاء. وعلى اثر هذا الامر ادرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان على لائحة الدول الراعية للارهاب في العام ١٩٩٣. ولَم يكتف السودان باستضافة بن لادن وحسب بل اقبل على استضافة جهاديين مصريين وتونسيين وجزائريين وغيرهم من جنسيات اخرى اضافة الى مجموعات من حزب الله وحركة حماس والجهاد الإسلامي. اثار هذا الامر قلق العديد من الدول وجعلها تعيد النظر في علاقاتها الدبلوماسية مع السودان.

٤. في العام ١٩٩٥ تورطت مجموعة مسلحة ترتبط بنافذين في أجهزة سودانية في محاولة جريئة لاغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية اديس أبابا خلال توجهه لحضور القمة الافريقية. اثارت هذه العملية قلقا دوليا كبيرا وهو ما دفع مجلس الأمن لفرض عقوبات على السودان من خلال ثلاثة قرارات متتالية.

٥. قادت حكومة السودان عبر الجيش النظامي وميليشيات تابعة لها حروبا شرسة في اقليم دارفور غربي السودان وصفت من قبل المجتمع الدولي بأنها حروب إبادة جماعية وحروب ضد الانسانية وقد صدرت العديد من الادانات للحكومة وكذلك المتمردين وتم توجيه الاتهام للرئيس السوداني ونحو ٥٠ من معاونيه من قبل المحكمة الجنائية الدولية بالضلوع في ارتكاب جرائم خطيرة في دارفور، وقد فرضت عقوبات على السودان بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.

٦. قاد الجيش السوداني والمليشيات الجهادية التابعة للدولة (الدفاع الشعبي) بتوجيهات سياسية عليا حربا عنيفة في جنوب السودان اتخذت طابعاً دينيا جهادياً. أدت هذه الحرب الى مقتل الآلاف من الأبرياء من جنوب وشمال السودان، وقد أدت تراكمات هذه الحرب الطويلة الى تعقيد أسس العيش المشترك بين مواطني جنوب وشمال السودان وهيأت الأجواء بشدة لانفصال جنوب السودان المؤسف.مجلس النواب الامريكي أجاز قانون سلام السودان الذي فرض ضغوطا على حكومة السودان لوقف الحرب العبثية والامتثال لطلبات المجتمع لإنهاء أطول نزاع مسلح في افريقيا.

٧. خلال الفترة من العام ١٩٩٣ وحتى العام ٢٠١١ وضع السودان تحت المراقبة من قبل المفوضية السامية لحقوق الانسان (ومجلس حقوق الانسان لاحقا) تحت البند الرابع بسبب التدهور المريع في حالة حقوق الانسان، وقد عينت المنظمة مقررا خاصا يتولى مهمة مراقبة السودان في هذا الجانب. وقد شهد السودان في تلك الفترة انتهاكات غير مسبوقة في مجالات حقوق الانسان منها التعذيب الوحشي في السجون والقتل خارج النظام القضائي والسجن دون توجيه اتهامات والتشريد القسري للمواطنين وغيره من ممارسات اثرت كثيرا على السلم المجتمعي والاستقرار والطمأنينة.

٨. الدولة السودانية تعاملت باستهتار غير مسبوق مع متطلبات الأمن والسلم الداخلي والاقليمي والدولي وارتكب تجاوزات تسببت في زعزعة الثقة بينها وبين المجتمع الدولي، ويصعب تجاوز ذلك دون اتخاذ خطوات جادة تأخذ في الاعتبار العديد من القضايا من بينها تحسين حالة حقوق الانسان واحترام الحريات الاساسية على رأسها حرية التعبير وحرية الصحافة ووقف النزاعات المحلية في كل من دارفور وجبال النوبة ومنطقة النيل الأزرق

٩. خلاصة القول إن الإجراءات العقابية التي فُرضت على السودان أتت بناء على حجج كافية ولا يوجد حتى اللحظة ما يؤكد ان المجتمع الدولي تعامل مع الدولة السودانية بعداء غير مبرر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..