جنوب السودان.. صراع مفتوح النهايات

الخرطوم طارق عثمان

هكذا، وكالنار وسط الهشيم تمددت ألسنة الصراع الدامي بين فصائل جنوب السودان المتناحرة. ورغم أن أكثر المتفائلين من المراقبين كان يتوقع حدوث هذا الاقتتال، إلا انه ما كان يدرك بأنه سيكون داخل بيت حركة التحرير التي توجت نضالها بالاستقلال في العام 2011.

ففي ظرف أيام معدودات حصد الصراع ما يقارب الألف قتيل وأكثر منه جريحا، وبسرعة البرق عم كل مناطق البلد الجريح، فالرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت يتوعد خصمه نائبه السابق ريك مشار بالويل وذاك يشترط ما يخشاه سلفاكير، وما بين صراع الكبار هذا يضيع من يحلم بالإطعام من جوع والأمان من الخوف، ووسط هذا خشية المراقبين من أن يقود هذا الصراع الى تقسيم جنوب السودان إلى دويلات صغيرة تقوم على الأساس الإثني.

إعادة ترتيب

ويقول الخبير الاستراتيجي اللواء د. محمد العباس لـ«البيان» إن ما يشهده جنوب السودان يمثل إعادة لترتيب الأوضاع الداخلية، باعتبار ان نظام الحكم هناك بني على أسس قبلية واثنية، فقبيلة الدينكا كانت اكبر اثنية مسيطرة على مقاليد الحكم الذاتي الذي انتجته الاتفاقية الاولى في عهد الرئيس السوداني الاسبق جعفر نميري، وهذا اتاح فرص مشاركة وفرصا تعليمية لم تتح لبقية القبائل الجنوبية.

ويشير العباس إلى أن التمرد الجديد جاء نتيجة للفرص التعليمية التي وجدتها القبائل الأخرى بما فيها قبيلة النوير التي ينتمي اليها المنشق ريك مشار، مما أحدث تغييرا شديدا في الشكل الجنوبي، إلى جانب ان كل ثروات جنوب السودان سيما النفط فهي تقع بمناطق النوير، مما جعلهم يطالبون بحقهم وهي ذات المخاوف التي جعلت الرئيس سلفاكير يقيل نائبه مشار، وهذا ما جعل مشار يستولي على بعض المناطق المهمة في الجنوب، في ذات الوقت الذي استبعد فيه ان يكون مشار مدعوما من دول خارجية دعما مباشرا.

حل آمن

وحول التلميحات الاميركية بالتدخل العسكري بجنوب السودان يقول العباس إن «القوات الأميركية قد تساعد سلفاكير، ولكن الحوار هو الحل الآمن، وقد ينجح التدخل العسكري في مراحله الاولى ولكنه سيكون في المراحل الأخيرة عبئا على سلفاكير وعلى القوات المتدخلة». ويضيف «فالحل العسكري صعب وإقامة الديمقراطية أصعب لأنها دائما ما تبنى على عنصر قبلي وزعامة عشائرية ».

ويشير العباس الى أن تمدد القتال شمالا سينعكس سلبا على الأمن القومي السوداني، هذا بجانب ان السودان سيكون قبلة للاجئين الجنوبيين باعتبارهم يعرفون مداخل ومخارج السودان وأضاف «ويمكن أن يكونوا مجموعات يصعب السيطرة عليها».

خطأ الاستقلال

من جهته، قال الخبير الأمني السوداني العميد المتقاعد حسن بيومي لـ«البيان» إن «ما حدث بجنوب السودان لم يدهشني لأنني كنت أتوقعه»، مشيراً إلى أن ما جعله يتوقع ذلك «الخلافات المتجذرة بين قبيلتي الدينكا والنوير»، معتبراً أن «الخطأ يكمن في حدوث الاستقلال بصورة فاجأت الجنوبيين أنفسهم، وذلك دون أن يكون هناك استعداد إداري وسياسي لحكم دولة بتعقيدات مثل جنوب السودان».

ويشير بيومي إلى أن دخول النفط كواحد من عوامل الصراع زاد من حدة ذلك التناحر التاريخي، مضيفاً أن «الخطأ الأساسي ارتكبه الرئيس سلفاكير إعفاء القيادات الكبيرة في الحركة من مناصبهم، وهو يعلم بأن أغلبهم لديه ميليشيات داخل الجيش الشعبي»، وينوه بيومي إلى أن «المسألة أفلتت الآن فالنوير والموالون لهم سيطروا على ولاية الوحدة وجونقلي، والآن يزحفون على ولاية أعالي النيل».

مخاوف

يقول الخبير الأمني حسن بيومي:أن تقدم قوات مشار سيدفعه إلى رفع سقف المطالب في أي عملية تفاوضية، وقد يصل السقف إلى المطالبة بتنحي سلفاكير. ويتخوف بيومي من ان يقود هذا التناحر بين القبائل في جنوب السودان الى تقسيم الدولة الوليدة الى دويلات تقوم على الأساس القبلي.

البيان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..