فيلم زد .. أو Z

السينما شأنها شأن الصحافة يمكن أن تكون واحدة من أروع وسائط التعبير والنقد وتصويب الإفتراء على التاريخ والتبصير بقيم الحرية والديمقراطية . كل هذا فعله فيلم زد مطلع سبعينات القرن الماضي. قصة الفيلم مستوحاة من الواقع السياسي لليونان في عهد تغييب الديمقراطية بواسطة جنرالات جيش وشرطة اليونان الذين ما لبثوا أن سطوا على الديمقراطية في إنقلاب عسكري.
في خضم المظاهرات التي إندلعت في اليونان إبان الأزمة الإقتصادية تذكرت قصة الفيلم التي تدور حول اغتيال النائب اليساري د. لامبراكس على أيدي مجموعة من غوغاء الشارع الذين قام بتحريضهم أولئك الجنرالات. كان د. لامبراكس يجسد آمال الشعب اليوناني في محاربة الفساد والاستبداد والتبعية الذليلة للولايات المتحدة، وكان حتى في حياته المهنية منحازاً لجموع الفقراء والمقهورين من أبناء الشعب اليوناني إذ راح يستثمر مهنته كطبيب بارع في إنشاء المستشفيات الخيرية وتقديم الدعم والعون الصحي لفقراء اليونان.
وحبكة الفيلم الدرامية تقوم كلها على واقعة اغتيال هذا الطبيب السياسي وكيف تبين من خلال التحقيقات التي يقوم بها محقق قضائي نزيه أن الجريمة ليست مجرد اغتيال بواسطة الغوغاء، بل هي تصفية جسدية وإزاحة سياسية يديرها من خلف الستار جنرالات الجيش والشرطة. ومن خلال السيناريو السلس والمشوق نتابع المحقق الشاب وهو يقتفي خيوط الجريمة السياسية بمعاونة صحفي شاب مستقل في تشريح دقيق نكتشف معه تحالف كل بؤر الفساد في المجتمع وضلوعها في هذه الجريمة، بدءً بالجنرالات ورجال الأعمال وكبار الصحفيين وإنتهاءً ببعض قساوسة الكنيسة ورجال الدين. كما يبرز الفيلم دور الطلاب كشريحة واعية ومدركة تتصدى للدكتاتورية وترفض القمع وتقاتل في استماتة من أجل الحرية والديمقراطية.
ولأن الفيلم تم إنتاجه إبان قبضة العسكر على مقاليد الحكم في اليونان فقد تم تصويره خارج اليونان وفي الجزائر بالتحديد، وتداعي لتنفيذه وإنتاجه كل مثقفي ومبدعي اليونان الذين يناهضون الشمولية بدءً من المخرج الأمريكي اليوناني الأصل كوستا غافراس والممثلة اليونانية العظيمة ايرين باباس والتي شاهدناها في فيلمي عمر المختار والرسالة ، إلى جانب الموسيقار اليوناني الكبير ثيودراكس الذي وضع للفيلم موسيقى تصويرية رائعة وأخاذة وإنتهاءً بنجمي فرنسا ايف مونتان وجان لوي ترنتيان.
في بدايات عهد مايو بالسودان إحتفى النظام بهذا الفيلم وتم عرض افتتاحي له بسينما كوليزيوم بالخرطوم حضره رئيس النظام إلى جانب الموسيقي اليوناني ثيودراكس صاحب موسيقى الفيلم، والمفارقة تكمن في أن سدنة ذلك النظام الذين احتفوا بالفيلم فات عليهم أن الشعب بفطرته السياسية أدرك أن الانقلابيين من الجنرالات هم آخر من يذرف الدمع على الديمقراطية.
ما أبدع السينما عندما تقول لا.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. حقاً ما أبدع السينما حينما تقول لا
    لقد عدت بنا الفاضل حسن الى أيام
    كان في السودان عشاق يتابعون كلما
    تنتجه إستديوهان السينما العالمية
    بشغف و يتفاعلون مع تلك العروض في
    داري سينما النيل الأزرق و الخرطوم غرب
    و أحياناً سينما كولزيوم
    و لعل فيلم Z لا زالت أحداثه راسخة في الذهن
    و الذاكرة و الذين جاهدوا لإنتاجه رغم النظام
    العسكري القمعي الذي كان قائماً في اليونان
    وقتها كالمخرج كوستا غرفاس و الممثلة إيرين باباس
    و الموسيقار اليوناني العالمي ثيودراكس
    هذه الأسماء اللامعة لا يمكن أن تمحى من الذاكرة
    شكراً جميلاً الفاضل حسن
    لقد عدت بنا الى أيام مضت لن ننسى ذكراها !!!؟…

  2. أعترف بأني لم أقرأ لك من قبل ، و جذبني عنوان المقال ، و …

    من شدة إنبهاري قمت بالبحث عن مقالاتك السابقة و أطمأنيت أكثر.

    أقدم لك كل الإعتذارات الممكنة ، لعدم قراءة أي مقال لكم.

    أنت إنسان راقي و بتذكرنا بالسودان الذي كان

  3. أخ الفاضل حسن عوض الله إنى والله أرثى لحال هذا الجيل الذى اصبحت عقليته منغلقه فى شريحة جوال.
    أذكر وقتها فى ستينات القرن الماضى كنا صغار فى أعمارنا كبار فى عقولنا نتابع بشغف المسلسل الاجتماعى الأمريكى العظيم بيتون بلاس للنجم الشاب وقتها ريان اونيل والذى استمر عرضه فى تلفزيون السودان (القومى) قرابة السنتين وجاء بعده مسلسل دالاس…ولكن الان حدث ولاحرج مستوى المواد التثقيفيه من مسلسلات مصريه وتركيه وما تحويه من إبتذال وسخف تخاطب به الغرائز.

    لا أنسى زد وصوت الموسيقى والنسر قد حط ومدافع نافرون والهروب من الكتراز ونادى القطن…
    ومن الاعمال الراقيه الحديثه فيلم بعنوان The Pianist .. يحكى عن وضع اليهود فى المانيا فترة الحكم النازى …إذا تحصلت عليه حا تستمتع به.
    تحياتى

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..