مقالات وآراء

يا بعض أطباء السودان … أنتم مرضى

الرشيد العطا
  قدر الله أن أصاب برشح الشبكية في إحدى عينَيَّ .. توجهت الى مركز لطب العيون بأمدرمان .. دخلت على الطبيبة الإخصائية .. قدمت نفسي وشرحت ما أعاني .. كانت تشاركها سيدة أخرى المكتب. بالكاد القت الطبيبة لي بالاً .. فقد كانت في نوبة (شمارات) تقيله .. والله الذي لا اله غيره .. أشرت لي بطريقة آلية أن أجلس على كرسي خلف جهاز فحص للنظر .. جلست. قامت من على مكتبها .. أقبلت علي. كانت لا تزال تتكلم مع السيدة الأخرى .. وبصرها وكل اهتمامها متوجهاً اليها .. ما عارف لقتني كيف!!
(خت حنكك هنا .. ولصق جبهتك هنا). فعلتُ ما أمرت .. اصبحت منقسمة بيني أنا مريضها وبفلوسي. وبين السيدة الأخرى دون أن حتى تعدل بيننا .. فالنصيب الأوفر كان للثرثرة مع صويحبتها. خاطبتني (عندك مويه بيضاء. أظبط السكري .. وتعال عشان العملية) .
رجعت بيتي .. اشتغلت على السكر كم يوم .. حتى انظبط .. ذهبت لمقابلتها سعياً وراء  إجراء الجراحه.
أدخلوني عليها .. حمدت الله أن السيدة الأخرى لم تكن هناك .. جلست خلف جهاز الفحص (خت حنكك هنا وجبهتك…) ولم تكمل إذ دخلت علينا ممرضة تحمل ملفي (ده ملف الأستاذ) .. طيرت الدكتوره الأخصائية عيناها (يعني انا فحصت ليك؟ إنت جيت قبل كده؟ ) .. يا ارض إنشقي وابلعيني!! أنا زول طول وعرض .. ودافع دم قلبي .. مريض .. تعبان .. محتاج اليك .. وأنت ملائكة .. اللخمه. تقومي تلخميني؟ يادكتوره أنت محسوبة على المواطنين النخبه (the elite) .. لكن يشهد الله أن حبوبتي (ست النفر بت طه)  الأمية رحمها الله كانت تؤدي عملها بأفضل من أدائك عملك بفارق كبير جداً .. جداً جداِ .. إي والله.
ألغت الفحص الذي لست أنا متأكد أنه قد تم أصلاً .. حولتني الى طبيب الجراحه .. أُجريت عملية الماء الأبيض بنجاح كما علمت لا حقاً.
رجعت في الموعد الذي حددته لي ..
(في تحسن؟) .. أبداً يا دكتوره .. (أصبر  وتعال بعد اسبوع) .. انتهى الأسبوع (في تحسن؟) لا يا دكتوره (كيف؟) (والله ما عارف) . (يمكن شبكيه. نحولك الى أخصائي الشبكيه)
حولني أخصائي الشبكية للتصوير .. ثبت أنه فعلاً رشح شبكيه. طيب ما كانت تصورني من الأول .. دفعت ما يقارب الميئتي ألف جنيهاً .. وخسرت العدسة التي خلقها الله .. استبدلوها بزجاج من صنع البشر بلا طائل.
قررت أن لا أواصل مع ذلك المركز ..
دلوني الأهل والأصدقاء على طبيب عيون مشهور .. سجلت اسمي .. كان أول القصيدة كفر .. دلف الى مكتبه .. طفقت الممرضة عند باب مكتبه. وبدأت تنادي على المرضى .. والله بالله تالله .. أدخلتنا سبعة مراجعين دفعة واحدة اليه .. تمكن بعضنا من الجلوس وظللت واقفاً .. في مكتب أريد له أن يكون (consultation room) فإذا به زريبة أغنام تتزاحم .. أين احترام الانسان .. أين خصوصية المرضى .. أين حتى الذوق العام؟؟ .
جاء دوري .. وصف لي الطبيب ثلاث حقن (Avastin) .. سألته عن نسبة نجاح الحقن في مثل حالتي .. أنزل صاعقة على رأسي (ياخي انت لو ما متوكل ما حتتعالج ذاتو) قلت له أريد أن أعقلها وأتوكل .. طنطن!!.
أنا لا ألوم كل الأطباء.. ولكن هناك علم اسمه “الاحتمالات probabilities” علم يُستند على نتائجه .. أنا قابلت طبيبين. أصابني الإحباط جراء معاملاتهما وتفاعلهما مع مريضهم الذي هو أنا .. الطبيبان لا يرقيان حتى الى تسمية (طبيب) وبحسب علم الاحتمالات يساوي الفشل مائة في المائه .. دعنا ننقصها الى خمسين في المائة من أطبائنا على ذلك المستوى لا سمح الله وتلك كارثة مؤكده.
ولمثل هذين الطبيبين أقول ..
هذه ليست مشكلة فردية تخصني وحدي .. جميع من لاقيتهم يجأرون بالشكوى من تحويلكم الخدمة الانسانية الراقية .. الى تجارة مادية بحتة .. تفكرون فيها بجيوبكم فقست قلوبكم.
أين ضيعتم قسم أبقراط؟
أين ضيعتم ضمائركم؟
أين الانسانية ؟
تلهثون وراء المال .. ومن أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل.
قد تشيدون المنازل الفاخرة.
قد (تنغنغون) أسركم.
لكن والله لن تسعدوا .. لأن الله يغفر ما بينه وبين عبده .. لكن لا يغفر ظلم عبد لعبد ..
مررت اليوم بإحدى الصيدليات بالقاهرة. أبحث عن نوعين من قطرة العيون .. سلمني شابٌ القطرتين .. سألته عن الثمن .. كان تسعة وستين جنيهاً مصرياً .. نقص ما بجيبي. قلت له انني ساكن بالقرب من هنا .. ارجع لكم غداً بالمبلغ كاملا وأستلم الدواء .. حلف بالله أن أخذ الدواء و.. (تعالَ بكره سدد الحساب) .. حاولت ثنيه فأصر. ذلك الشاب أول مرة يراني .. لا يعرف اسمي .. فقط يعرف أنني “إنسان” .. يريد أن لا أتأخر في بدء العلاج ولو لليلة واحدة. كدت أبكي على الحال التي وصلنا إليها في الوطن ..
من جور بعض أهل الوطن.
طالب العلم يرحل.
طالب العلاج يرحل.
طالب الطعام يشقى.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل ذووا الأمر منا ..
 ويا أطباءنا .. من جنس الطبيبين اللذين لاقيت .. شفاكم الله.

تعليق واحد

  1. ربنا شافك حاليا اقل حاجة انت مبشر بالعمى لاقدر الله بالمناسبة الأطباء الممتازين موجودين خارج السودان اما اغلب البقية فهم وجدوا ( السوق ) مفتوح أمامهم.. بالمناسبة الأطباء فى الدول المتقدمة حياتهم العملية حتى التقاعد كلها فى امتحانات واختبارات وأهم شيئ المحاسبة لاتوجد مجاملة وان أخطأ فى الغالب لايستطيع العمل مرة أخرى كطبيب لذا الطبيب دائما على حذر من الأخطاء الطبية ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..