السودان… و الرواح في خبر كان

محور اللقيا

السودان… و الرواح في خبر كان

د. عمر بادي
[email][email protected][/email]

رحى الإنتخابات الرئاسية المصرية تدور هذه الأيام و تجول أكثر من جولة , و مع جعجعتها الصاخبة نرى طحنها جليا و سيكون أجلى و أحلى , ناهينا عمن سيفوز فيها ! إنها المرة الأولى منذ سبعة آلاف سنة يخوض فيها الشعب المصري إنتخابات حرة دون ان يدري من سيفوز فيها . كان الشعب المصري على مر العصور محكوما بممالك و إمبراطوريات غازية لمصر أو بجماعات إنبثقت من داخله و لم تكن منه , حتى أتى الضباط المصريون الأحرار و إستولوا على السلطة بثورة و إنقلاب 23 يوليو 1952 , و ظهر من بينهم الرئيس جمال عبد الناصر كرمز للنضال الوطني و للمشروع الوحدوي العربي , و كان بذلك أول رئيس مصري مئة بالمئة يخرج من بين عامة الناس , لكن في عهده و في عهد أنور السادات و حسني مبارك كانت إنتخابات الرئاسة معروفة النتائج و بنسب مئوية عالية !
المحللون المصريون إعتبروا فترة حكم نظام 23 يوليو فترة الجمهورية الأولى في مصر , و أن مصر الآن داخلة على فترة الجمهورية الثانية , و هي فترة الحكم الديموقراطي التعددي المتمثلة في أحزاب سياسية متساوية أمام القانون و في بسط للحريات العامة و خاصة حرية الصحافة و التعبير , و في تفريق بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية . من المؤكد أن التجربة المصرية سوف تنعكس بظلالها على كل دول الجوار , و سوف يكون لطرح الأحزاب السياسية الإسلامية ,التي تعمل في مناخ ديموقراطي , تغيير في الرؤى و الأفكار , و حقيقة فإنني لا أعني حزب الحرية و العدالة و حزب النور الإسلاميين في مصر , و إنما الأمر يشمل كل الدول التي زارها الربيع العربي أو تلك التي تعيش وجوده . أخص هنا تجربة حزب النهضة في تونس و ما ورد في حلقة برنامج الشريعة و الحياة الأخيرة في الأسبوع الماضي و التي أستضيف فيها الشيخ راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الإسلامي في تونس , و قد طرح فيها أفكارا جديدة عن الإسلام و السياسة و هي إمتداد لأفكاره التي ظل يطرحها منذ أن إتخذ قرار عودته من منفاه في فرنسا إلى تونس بعد أن غادرها بن علي من غير رجعة . يقول إن الإسلام يكفل الحرية حتى في الإيمان و الكفر و أن الإسلام يكفل تكوين الأحزاب و تداول السلطة و أن قضية الحكم ظلت غير مطروقة و مهملة بين العلماء المسلمين و أن المحاسبة في الفساد و إستغلال النفوذ تظل سمة إسلامية و أن الشريعة مطبقة في المجتمعات المسلمة في التعامل و في العبادات و في التقاضي و في الحياة العامة و في الدساتير النابعة منها و ان بعض التطبيقات في الشريعة تتطلب الكفاية .
الآن في مصر أعلن مرشح حزب الحرية و العدالة الدكتور مرسي أنه يتعهد للمسيحيين أمام الله أنهم سوف يكونون سواسية كالمسلمين في نظامه الليبرالي الجديد إذا ما فاز , و هو يدعو إلى تكوين حكومة إئتلافية ممن يناصرونه من الأحزاب الأخرى . إنه يقول حكومة إئتلافية و ليست حكومة ذات قاعدة عريضة ! سوف يتكشف في مقبل الأيام سؤ التطبيق الأعوج للإسلام السياسي في السودان , و سوف يظهر جليا رجعية النظام الذي عندنا عن هذه الأنظمة الديموقراطية الليبرالية التي تتعاطى السياسة في أجواء متفتحة . سوف يظهر جليا نظام السلطة الإنقاذية في السودان , و حري أن أطلق عليها السلطنة الإنقاذية في السودان , حيث تصدر فرمانات السلطان بالتعيين و بالعزل و بالهبات و بالقوانين الإستثنائية ! و الآن يبشروننا بالجمهورية الثانية و هي تختلف في معناها عن الجمهورية الثانية في مصر , لأنه لا تغيير عندنا قد حدث , سوى التغيير الجغرافي لمساحة السودان التي تقلصت إلى الثلثين .
الرواح في خبر كان الذي يعيشه السودان , قد تجمعت له مسببات عدة في ظل السلطنة الإنقاذية , أرى أجلها و أخطرها إتفاقية سلام نيفاشا , و التي حتما سوف تتكشف أجندتها الخفية التي جعلت النظام الإنقاذي يوافق عليها بما فيها من إستفتاء لتقرير المصير للجنوب , رغم أنها قد أفقدت السودان معظم بتروله و ثلث مساحته و أعادته إلى مكابدة الضائقات المالية و المعيشية . لقد إنهار الجنيه السوداني و هو الآن يقاوم الغرق بعد أن ألقي به في النيل دون معرفته بفن العوم , و بإنهيار قيمة الجنيه إرتفعت الأسعار تصاعديا و إزدادت معاناة المواطنين و بذلك تضعضعت الإستثمارات و تشتت المستثمرون كما تشتت مشروع الجزيرة و تشتت المحالون للصالح العام و الهامشيون و المعارضون أيدي سبأ .
النتيجة أن السودان صار كمّا مستباحا للطائرات الإسرائيلية في شرقه من غير ردع , و صار يحارب في جبهات عدة في غربه و في جنوبه الجديد , و صار يعاني من ضغوط عدة أفريقية و دولية لينسحب من بعض أراضيه و ليلجأ للحوار الذي لن يكون في صالحه مع وجود أجندة خفية جديدة , و هكذا تعاود إلكترونات التنازل حركتها في الدائرة المغلقة , و هكذا يتفتت السودان أكثر و أكثر .. و تبقى السلطنة الإنقاذية !
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك افريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !

تعليق واحد

  1. كيف للسودان ، ان يعود الى افريقانيته ، وعروبته ، اذا كان شواذ الناس يتحكمون فى مصيره،. اذا كان امثال الطيب مصطفى ، يبثون سمومهم ليل نهار فى سماء السودان ، واذا كان الترابى ، بأفكاره يريد ان يغير كل المجتمع ، ويستبدل كل ثقافاته وموروثاته ، الى مشروعهم الذى يسمى حضارى ، حضارى عنصري ، حضاري قبلى ، حضاري جهوى ، ويستغل الجيش وأفراده الذين لا رأى لهم مثل البشير الهارب من العدالة الدولية ، لتنفيذ ذلك المشروع ، ومستغليىن موارد البلد .. حتى وان الترابى خارج حلقة اللعبة والدولة الا ان أفكاره هى التى تعمل بها الدولة الان ، وما على عثمان ، ونافع. الا تلامذته الذين يعملون فى إتمام ما بداه أستاذهم
    اللهم خلصنا منهم ، ومن أفكارهم الماسونية

  2. يا د. عمر بادي
    هل حقاً أنت لا تعلم ما هي الاجندة الخفية ؟
    اولاً ليث بخافي علي احد ان التنظيم الاخواني الاسلامي العالمي قد احتل السودان واصبحنا امة لا تملك قرار نفسها…..ثانيا الولاء للتنظيم ولا ولاء للوطن وهذه هي الطامة الكبري.. انهم يسعون الي تكوين الامبراطورية الاسلامية الكبري علي حساب شعوب المنطقة والخلافة ستكون لقطر فهل وضحت الرؤية الآن ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..