أخبار السودان

إصلاح المؤسسة العسكرية السودانية طريق للحل السياسي

بعد أن بلورت تنسيقية القوى المدنية السودانية (تقدم) رؤيتها للحل السياسي في ختام مؤتمرها التأسيسي بأديس أبابا، أثيرت تساؤلات عديدة حول مدى قدرة القوى المشاركة في التحالف تنفيذ تلك الرؤية وإقناع قوات الجيش والدعم السريع بها، وكيفية وقف الحرب والتوجه لتنفيذ البرامج السياسية الموضوعة.

وتعتقد بعض الدوائر السياسية أن “تقدم” أدت ما عليها سياسيا من خلال وضع برنامج يتضمن ترتيبات أمنية وعسكرية وإغاثية وغيرها، بينما الواقع يؤكد صعوبة التأسيس لمرحلة انتقالية ودستورية قابلة للتنفيذ والحياة في ظل تحديات متعاظمة.

اختارت التنسيقية في مؤتمرها التأسيسي، واستمر 4 أيام واختتم الخميس، رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك رئيسا لها، وأرجأت تعيين نائبين له، وقررت استكمال تنفيذ هياكلها الداخلية التي توافقت على المرحلة المقبلة وآليات التعامل مع مشاكلها.

وضعت “تقدم” اللبنة السياسية الرئيسية حال جرى التوصل لاتفاق ينهي الحرب، لكنها تصطدم بتباينات كبيرة مع القوى السياسية غير المنضوية في هيكلها الجديد، وستكون أمام مأزق قدرتها على احتواء هذه القوى أو التنازل عن جزء من رؤيتها.

الواثق البرير: الأزمة في السودان لا تتمثل في آليات أو أدوات تنفيذ الرؤية السياسية لكن في توافق طرفي الصراع على وقف الحرب
الواثق البرير: الأزمة في السودان لا تتمثل في آليات أو أدوات تنفيذ الرؤية السياسية لكن في توافق طرفي الصراع على وقف الحرب
ولا توجد ضمانات واضحة يمكن اتخاذها مؤشراً على إمكانية تنفيذ ما جرى التوصل إليه في أديس أبابا، ورؤية قد تكون مقبولة لشريحة من السودانيين، مع ارتفاع صوت السلاح وخفوت الجهود السياسية للضغط نحو وقف إطلاق النار. كما أن تشدد الجيش تجاه المبادرات الخارجية وعدم استبعاد دخوله في صدام مع أطراف إقليمية ودولية يبدد آمال القوى السياسية والمواطنين في إنهاء الحرب قريبا.

وأجازت “تقدم” رؤية سياسية لإيقاف الحرب وإنهائها وتأسيس الدولة واستكمال الثورة، وهي ترتكز على وقف إطلاق النار، وإعادة الأمن والاستقرار وعودة النازحين، ووحدة السودان، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات، وتعترف بالتنوع وتعبّر عن جميع مكونات الدولة بلا تمييز.

وأكد القيادي في تنسيقية “تقدم” الواثق البرير أن المؤتمر التأسيسي خطوة لجمع شمل الشعب السوداني تحت رؤى عامة يمكن على أساسها إيجاد الحلول السلمية لحل المشاكل التي تعانيها الدولة السودانية والمتجذرة فيها منذ الاستقلال، وأن التنسيقية انفتحت على مكونات جديدة هامة، أبرزها الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو، والتي شاركت في المؤتمر كمراقب، وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة محمد بدرالدين، والحزب الاتحادي الديمقراطي برئاسة إبراهيم الميرغني.

وأضاف البرير في تصريح لـ”العرب” أن الأزمة في السودان لا تتمثل في آليات أو أدوات تنفيذ الرؤية السياسية، لكن في توافق طرفي الصراع على وقف الحرب، وفي تلك الحالة يمكن الحديث عن ضمانات وآليات لنجاح رؤية “تقدم”.

وأشار إلى أن الرؤية السياسية جاءت متزنة بما يسهل ضم المزيد من المكونات الوطنية، وأن المائدة المستديرة التي سوف يتم عقدها خلال الفترة المقبلة ستكون شاهدة على لمّ شمل أكبر قدر من السودانيين لمناقشة قضايا ذات اهتمام قومي، فيما عدا حزب المؤتمر الوطني وصانعيه ممّن تسبّبوا في الكثير من المآسي.

ورهنت “تقدم” نجاح الجهود المبذولة لوقف الحرب بتعقل أطراف الصراع، وناشدت المجتمعين الإقليمي والدولي بتحمل مسؤولياتهما بالضغط على هذه الأطراف والسعي الفوري والجاد لإيقاف الصراع بالعودة لطاولة التفاوض وفق رؤية متكاملة للحل تؤدي إلى الوقف الفوري للحرب وإيصال المساعدات الإنسانية والعودة إلى مسار الانتقال.

ولفت البرير في حديثه لـ”العرب” إلى أن تنفيذ الرؤية من المقرر أن يأخذ جوانب تنفيذية مع انتهاء تشكيل الهياكل الداخلية، وسيكون هناك برنامج لشرح تلك الأفكار لدول الجوار، وكل مكونات الشعب السوداني، وأن التنسيقية تأمل في دعم خارجي وداخلي لما توصلت إليه، حيث بعث المؤتمر التأسيسي برسائل واضحة لطرفي الحرب فقد آن الأوان لوضع السلاح جانبا والتحرك نحو الحلول السياسية.

وتواجه “تقدم” مأزقا أكبر يتعلق بانعدام الثقة في الجيش الذي ينظر بعض قادته للتنسيقية كطرف قريب من قوات الدعم السريع، ولن يكون كافيًا تأكيد حمدوك عدم الاصطفاف خلف أيّ من طرفي الصراع، وذلك في حاجة إلى قدرة على جذب قوى قريبة من الجيش قد تساعد على إذابة المسافات المتباعدة وسط العداء الذي يوليه إسلاميون نافذون داخل المؤسسة العسكرية لقوى مدنية عديدة.

اللواء كمال إسماعيل: التنسيقية لا تتحرك سياسيًا على أرضية تشير إلى قربها من قوات الدعم السريع
اللواء كمال إسماعيل: التنسيقية لا تتحرك سياسيًا على أرضية تشير إلى قربها من قوات الدعم السريع
وذهب الواثق البرير، وهو الأمين العام لحزب الأمة القومي، في حديثه لـ”العرب” لتأكيد أن توافق “تقدم” على تأسيس جيش مهني قومي ضمن رؤيته يأتي بعد أن توصل كل من الجيش وقوات الدعم السريع إلى تفاهمات شبه نهائية تقضي بتكوين الجيش القومي قبل اندلاع الحرب، كما أن هناك توافقا على أنه لولا وجود القوى المحسوبة على التيار الإسلامي داخل الجيش لما حدثت المشاكل الحالية.

وتضمنت رؤية “تقدم” تأسيس وبناء منظومة عسكرية وأمنية احترافية ذات عقيدة قتالية وطنية، وإنشاء نظام حكم فيدرالي حقيقي عماده الاعتراف بالحق الأصيل لجميع الأقاليم في إدارة شؤونها ومواردها عبر مجالسها التشريعية وسلطاتها الإقليمية.

وأكد القيادي في “تقدم” اللواء كمال إسماعيل أن القوى السياسية المنضوية داخل التنسيقية لديها أدوات يمكن توظيفها لتنفيذ ما خرجت به في مؤتمر أديس أبابا، وبالنظر إلى مسألة بناء منظومة عسكرية احترافية، فالتنسيقية تضم عددا من القادة السابقين في الجيش لهم رؤية خاصة بكيفية وقف الحرب وإعادة بناء المؤسسة العسكرية وإنفاذ الجوانب السياسية، وسوف تشهد الأيام المقبلة حديثا حول تفاصيل الرؤية في دول ذات تأثير في المنطقة، مثل مصر والسعودية، عبر منبر جدة.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن التنسيقية لا تتحرك سياسيًا على أرضية تشير إلى قربها من قوات الدعم السريع، كما أن الخطوات الإصلاحية التي سبق وأن قدمتها قوى الحرية والتغيير/المجلس المركزي بشأن إصلاح المؤسسة العسكرية حظيت بترحيب قيادة الجيش، إضافة إلى أن “تقدم” وجهت دعوة إلى كل من قائدي الجيش والدعم السريع للقائها، ومازالت الآمال معقودة على موافقة الفريق أول عبدالفتاح البرهان للقاء قادة التنسيقية (كما حدث مع حميدتي) للوصول إلى رؤية وطنية متوافق عليها سياسيا.

وتركز التنسيقية جهودها على وقف الحرب أولا ثم السعي لتنفيذ رؤيتها السياسية، ويبقى التعويل كبيرا على التدخلات القوية لدول الجوار للضغط على طرفي الصراع لعدم الاستمرار طويلا في المعارك العسكرية، مع إدراك هذه الدول بأن استمرار الحرب من شأنه إنهاء وجود السودان الموحد وانقسامه إلى عدة دويلات.

العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..