تحقيق دولي في السودان

عبدالله عبيد حسن

وأخيراً أعلنت حكومة «الإخوان المسلمين» عن تشكيل لجنة تحقيق وحصر «الخسائر» التي نجمت عن «حوادث» سبتمبر -أكتوبر، تلك اللجنة التي وعد رئيس النظام بتشكيلها من شخصيات مستقلة وبشر السودانيين بأنها ستكون على درجة عالية من الشفافية والنزاهة وستلتزم بـ«العدل والقانون». وتأكيداً لكل ذلك أعلن عن تشكيل اللجنة «النزيهة والشفافة»، حيث أسند رئاستها للفريق المهندس «فقيري».

واحتار الناس، حتى بعض الذين مازال لديهم بعض الثقة في كلمة الرئيس الذي قال فيما قال ذات يوم «إن الحكم بالنسبة له عبادة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى»، احتاروا وعجزوا عن فهم مقاصد البشير من تشكيل لجنة محايدة ونزيهة وشفافة، لاسيما أن البند الأول في مرسوم تشكيل لجنة «فقيري» يقول بأن عليها أن تقوم بحصر وتقييم «الخسائر» الناجمة عن أعمال التخريب التي قام بها «المخربون»! وهكذا انتهى أمر اللجنة المحايدة والنزيهة للنظر في الخسائر المادية التي نجمت عن حوادث «الفوضى» و«التخريب»، كما لو أن «الخسائر» التي يتحدث عنها القرار الجمهوري هي «خسائر» في الأموال والأملاك، متناسياً أن هناك خسائر أغلى وأثمن من قيمة بعض محطات الوقود والسيارات، تلك الخسائر لا تقدر بثمن لأنها أرواح بشر، أرواح شباب وشابات وأطفال ونساء وكهول. وبشهادة المنظمات العالمية المختصة فإن عددهم قد بلغ حتى الآن مائتين وثمانين مواطناً ومواطنةً.

وحكاية السودان من لجان التحقيق والتحري والتقارير «المحايدة»، طويلة ومؤسفة، بداية من لجنة تقصي الحقائق في مأساة دارفور التي أسندت رئاستها لمولانا دفع الله رئيس القضاء الأسبق والذي اجتهد ومعه نفر كريم وقدم للحكومة تقريراً لو أمعنت فيه النظر في وقتها لما وصلت بنا الحال في دارفور لما نحن فيه الآن.

إن أُسر الشهداء لم يأملوا خيراً من وعد الرئيس وهم يعلمون من قتل بدم بارد ورصاص حي أولادهم وبناتهم… ويعلم معهم الشعب السوداني والمجتمع الدولي.

وأكرر القول إن هذا النظام فَقَدَ توازنه ووصل درجة من التردي ليس من الممكن إصلاحه أو تقويمه، فالنظام الذي يضيق بأعضائه المؤسسين إذا ملكوا الشجاعة مرة لا يستطيع أبداً أن يتصالح مع بقية السودانيين!

إن جرائم التظاهرات والمواكب السلمية لن تنسى ولن يتنازل أولياء الدم عن حقهم الشرعي، والنظام الذي يحتفظ بأكثر من ألفي معتقل (موزعين على مختلف سجون السودان)، لن يخدع أحداً بإطلاق سراح عدد من قادة المعارضة، ولن يخدع أحداً بدعوته المتكررة لقوى المعارضة للتشاور في الوقت الذي لاتزال فيه المحاكم تمارس «عملها اليومي» ويغيب عن جلساتها المدعون العامون.

ولقد أحسنت الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني (تحالف المعارضة) صنعاً عندما خاطبت الأمين العام للأمم المتحدة من أجل تشكيل لجنة تحقيق دولية في حوادث القتل المباشر التي ارتكبها النظام ضد متظاهرين سلميين. فهذه الجريمة (المضافة لجرائم النظام السابقة) أصبحت مسؤولية التحقيق فيها على عاتق الأمم المتحدة مسلحةً بقرارها العظيم الذي ينص على محاسبة الحاكم الذي ينتهك الحقوق الإنسانية لشعبه، والذي يقوم بإبادة معارضيه السلميين. ولا يقولن أحد لنربأ بأنفسنا عن الاستنجاد بالمجتمع الدولي في مواجهة نظام متهم بإبادة مواطنيه (دارفور، جنوب النيل الأزرق، جبال النوبة)، فنحن الآن في عالم تداخلت فيه المصالح وتجذرت فيه القيم الإنسانية… فلتمض المعارضة في طريقها حتى نهايته، وستجد في بعض أعضاء الأمم المتحدة سنداً وعوناً… وسيظل السودان وشعبه في رعاية الله وعنايته.

الاتحاد