ثقافة وفنون

السُّني الضوّي.. “يا حليل الراحو”!!

محمد عبد القادر

 

تذكرت صوته المترع بالشجن و(المليان) حنينا وأنا أمام قبر الرسول الكريم في مواجهة (السور) و(شباك النبي)، تبينت في تلكم اللحظة رجاءات قصيدته الدامعة، احتوتني بروح هدها شغف الحضور في وضاءة المقام، كان السني الضوي يحرضني على البكاء وذاكرتي تسترجع هطل الدمع السخي وحضوره المدرار في:

                                 لمتين أزورك.. يغمرني نورك..                                     تجري الدموع وتروي سورك يا نبينا..

لطالما سكنني رجاء التبتل الراسخ في هذه القصيدة كلما اكتحلت عيناي برؤية قبر الحبيب، غير أن صوت الحزن كان ملحاحا هذه المرة والسني يغادر الفانية في أيام ذي الحجة المباركات، ويلح علي أن أبكي مرتين، إحداهما أمام (سيد الناس الهواهو جننا) والأخرى وجعا على رحيل الصوت الذي طالما هدهدنا، وأبكانا وأسعدنا.

ما زلت أسأل نفسي عن سر الوهج الصوفي الذي تلاصف في لحن السني الضوي لهذه القصيدة الموارة بالشوق والتباريح إلى قبر الرسول، وأبحث عن ذلكم الشجن المخبأ في حناجر باكية أرهقت فينا القدرة على الصبر والتجلد فلم نجد غير البكاء:

طال شوقي طال بي الهيام

للروضة للنور والمقام

مشتاق أقيف وأقول سلام

سلام عليك يا نبينا

نعم، لثنائي العاصمة حنجرة معبأة بالشهد والسكر، لطالما كانت أغنيات السني ملاذا يهب العاشقين جواز المرور إلى موانئ مطمئنة حيث الوعود المحمولة على أجنحة الحب والشوق والاحتواء، كانا يغنيان كما يهدهدان طفلا صغيرا، رهق الحب الرابض في حنجرتيهما (الحنينة) عبر بلسان ضحايا الحب والحنين والفراق والسفر والسهر والدموع، ما أكثر دفاتر الأشعار التي كتبها الناس بمداد من صدق ثنائي العاصمة وألحان السني الضوي.

يا لها من كلمات حميمة حملتها العبارات المثبتة بعفوية وانتقاء على المركبات وفي نواصي الأسواق والأماكن العامة: (والله وحدوا بينا، دنيا الريد غريبة، طول مفارق حيو، سكري وشهدي، بدر سامي علاهو، لما ترجع بالسلامة، يانا الزمان يا ناس).

عبر الخاطر استرسلت ذكرى حية عبأتني بشجن مقيم وأنا أتأمل دفق العطاء الذي غمرنا به السني الضوي، وهطله الجميل في دواخل منحته الحب والاجتباء والولاء لعبقرية ألحان وحلاوة صوت يشبه السودانيين في (الحنية) والصدق والبساطة، لم يجمع السودانيون على شيء مثلما اتفقوا على ثنائي العاصمة وألحان السني الضوي.

في لحظة بكاء على روح ثنائي العاصمة غشيتني نفحة من كلمات الراحل سند (عبرت ملامحك النضيرة خاطري/ فهتفت: ليتك لا تزال)، هبطت عليَّ سكينة أمام سور النبي وداخل الروضة الشريفة و(لمتين ازورك) تفعل بي الأفاعيل، ترحمت على (السني الضوي)، أمام المقام وفي روضة النبي الكريم صليت ركعات ودعوت ثم انصرفت، وما إن غادرت حتى ألحت عليّ ذات المدحة، غادرت مسكونا بها وأنا أردد:

ليك السلام يا المصطفى

يا الهادي يا بحر الصفا

أشواقي كيفن أوصفا

وتوصل إليك يا نبينا

 

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..