مقالات سياسية

عصابات المطار!

أيِّ دولة في العالم تهتم بمطاراتها وتَسعى جاهدةً إلى توفير أقصى درجات الأمان والراحة وحُسن الضيافة والعاملين، وهذا ما كان يحدث في مطار الخرطوم حتى العام 1989، بعدها بدأت الأمور تتحوّل بسبب طريقة إدارة الحكومة للبلد، ففي ظلها واجه مطار الخرطوم واحدةً من أغرب قصص الفساد التي شهدها تاريخ المطارات والنقل الجوي، مثلما واجهت الخُطوط الجوية السودانية نفس المصير وغابت عن مطارات العالم، أما مطار الخرطوم فقضية فساده حيّة تدور فُصُولها الآن جهراً دُون تسترٍ، وبسببها قريباً ستُقاطعنا الطائرات ومن أراد أن يسافر فعليه أن يذهب إلى دول الجوار التي رغم مُعاناتها ما زالت تحتفظ بخُطُوطٍ جويةٍ مُتطوِّرةٍ ومطارات يتوفّر فيها الأمان والجمال الذي يُعطيك أجمل انطباع عن الدولة.

كثيراً ما يشكو المُسافرون عبر مطار الخرطوم من سُوء الخدمات والمُعاملة والسرقات، ولا أعتقد أنّ هناك مواطناً أو زائراً دخل مطار الخرطوم في السنوات الأخيرة هذه وخرج منه بسلامٍ أو لقي قَدراً من المُعاملة الطيبة تركت عنده انطباعاً جيداً، حتى أصبحت أهم نصيحة تتلقّاها من الآخرين وأنت مُسافرٌ (أعمل حسابك في مطار الخرطوم)! ولا أدري من أين تأتي الحكومة بالمُوظّفين والعُمّال للعمل في المطار؟ فالحكاية برمتها تُؤكِّد أنّ المطار لم يعد يتبع لدولة اسمها السودان، وإنّما لعصابات تُهيئ المناخ للسَّرقات والتّهريب حتى أصبح المطار هو الأكثر أماناً للتهريب والسّرقة وأفضل من الحُدُود على الأرض، فعبر مطار الخرطوم يُمكن أن يخرج أيِّ شئ من حبوب المخدّرات وحتى أطنان الذهب، وليس اعتراف وزير الصناعة بتهريب أطنان الذهب واعتراف ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﻮﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ أنّ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﻣﻄﺎﺭ ﺍﻟﺨﺮﻃﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭلي ‏(ﻣﺨﺘﺮﻗﺔ أﻣﻨﻴﺎً‏) إلاّ دليل يُدين الحكومة بصناعة الفساد والفوضى.. الأمرّ والأدهى من كل هذا هو تعامل الحكومة مع الموضوع رغم أهميته وضرورته، فوزير الدفاع ﻋﺰﺍ ﺫﻟﻚ ﻟﻤﺎ ﻭﺻﻔﻪ ﺑﻀﻌﻒ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭالأﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ، وقال إنّ ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﺓ ﺑﺼﺪﺩ جلب ﺗﻘﻨﻴﺎﺕ ﻭﺁﻟﻴﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭ(ﺍﻟﺘﻤﺤﻴﺺ) في ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻤُﻬﺮﺑﻮﻥ ﻣﻦ ﻳُﺴﺎﻋﺪﻫﻢ، أي أنه يعترف بسُوء العاملين وخيبة الحكومة!

الآن أصبح التهريب يقدم في المطار 24 ساعة لمن يدفع طبعاً، بالأمس فقط نشرت صحيفة ?الانتباهة? أنه تم القبض على مُهرِّبٍ يحمل 7 سبائك ذهب مسافر بها (عديل)، وأشك أن الأمر مُجرّد مسرحية تقوم بها الحكومة لخداعنا، إذ أنّ الوَضع الطَبيعي أن تكون الإجراءات بالقَدر الذي تَجعل أيِّ شخص يُفكِّر ألف مرة قبل أن يجرؤ على تهريب وقية ذهب ناهيك عن سبائك!

الغريب في الأمر، بالأمس تداولت مواقع التواصل خطاباً صادراً من شركة مطار الخرطوم بسبب كثرة بلاغات السرقة يُؤكِّد على شركات الطيران بأن تُنبِّه الركاب لحمل الأشياء القيِّمة (هواتف، مجوهرات ومبالغ مالية) في أياديهم أو تسليمها للشركات لتسلمها لهم في محطة الوصول، الخطاب يشبه تماماً تفكير الشركة وتفكير الحكومة، ولكن إن صح سيثبت تماماً أنّ المطار تديره عصابات محمية، فالطبيعي أن تكون الإجراءات والعاملون في المطار بالكفاءة التي تجعل السرقة مُستحيلة.
عُمُوماً لن يتغيّر الحال في المطار أبداً، إذ لا يُمكن أن يَستقيم الظل والعَود أعوج.. ولكن دعونا نقوم بحملة من أجل مطار الخرطوم فهو واجهة السودان.
التيار

تعليق واحد

  1. قبل أربع سنوات كنت مغادر من المطار وفي آخر كاونتر وعندما تفحص ضابط الجواز في المهنة بالجواز وهي ” محلل إقتصادي” قال ياأخي مهنتك محلل إقتصادي لماذا لا تجلس في البلد عشان تصلح الحال قلت له لو رجعت البلد اول حاجة سأبدأ بهذا المطار … ضحك وغادرت

  2. قبل كم يوم اخبرني اخصائي باطني باكستاني أن زميلهم ذهب لحضور مؤتمر طبي في السودان و عند العودة سأله عسكري في صالة المغادرة ان كان يحمل معه مبالغ سودانية. فبحسن نية اخبره انه يحمل ما يعادل الف دولار لانه قام بصرفها و لكن لم يحتاج لها فما كان من العسكري و الا استلمها منه و قال ليه لن تحتاجها خارج السودان.

  3. قبل أربع سنوات كنت مغادر من المطار وفي آخر كاونتر وعندما تفحص ضابط الجواز في المهنة بالجواز وهي ” محلل إقتصادي” قال ياأخي مهنتك محلل إقتصادي لماذا لا تجلس في البلد عشان تصلح الحال قلت له لو رجعت البلد اول حاجة سأبدأ بهذا المطار … ضحك وغادرت

  4. قبل كم يوم اخبرني اخصائي باطني باكستاني أن زميلهم ذهب لحضور مؤتمر طبي في السودان و عند العودة سأله عسكري في صالة المغادرة ان كان يحمل معه مبالغ سودانية. فبحسن نية اخبره انه يحمل ما يعادل الف دولار لانه قام بصرفها و لكن لم يحتاج لها فما كان من العسكري و الا استلمها منه و قال ليه لن تحتاجها خارج السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..