مقالات وآراء سياسية

كيف نحمي الحكم المدني من سطو العسكر؟

إبراهيم سليمان

الانقلابات العسكرية، أو السطو على السلطة بقوة السلاح في أفريقيا، أكثر فتكا بحكوماتها، من فتك الملاريا بمواطنيها، وهي تمثل العقبة الكأداء في سبيل استقرار دولها سياسيا، وتحقيق النماء الاقتصادي والتنمية البشرية، ذلك أنّ البناء وتحصيل المال وتحقيق الرفاه تحتاج إلى الاستقرار والثبات التخطيطي.

هذه الظاهرة المزمنة في بلدان العالم الثالث، والتي من ضمنها بلدنا السودان، كمرض سياسي سلطوي، هي كالأمراض الوبائية الفتاكة، لم عجز العقل البشري الجمعي عن إيجاد الأدوية المنقذة للحياة منها، واختراع الأمصال واللقاحات الوقائية الفعالة ضدها. فما هي الخطوات الاجرائية الممكنة لنا كسودانيين لنا حالة خاصة، عانينا من هذه الظاهرة المفجعة حد التشبع، لمنع تكرار وقوعها، أو كيفية السيطرة عليها وترويضها، وإخمادها في فور وقوعها؟ .

التواثق السياسي على مناهضة الانقلابات العسكرية

تحتفظ الذاكرة السياسية، بأن القوى التنظيمية الفاعلة إبان فترة الديمقراطية الثالثة، وقعت في مدرسة المؤتمر السوداني بأمدرمان على ميثاق حماية الحكم المدني الديمقراطي، ومناهضة الانقلابات العسكرية، وكان حزب الجبهة الإسلامية القومية بزعامة د. الترابي ضمن الموقعين على ذلك الميثاق، إلاّ أنّه نقض عهده قبل أن يجف حبر التوقيع على بنود ذلكم التواثق، بانقضاض عساكره بزعامة الانقلابي البشير على الحكومة المدنية في الـ 30 من يونيو 89، وظل ذلك الغدر والنكوص على المواثيق، وصمة عار في سجل حزب الترابي وتوابعه. تلك المعاهدة لم تجدِ نفعا، إذ أنها كانت بمثابة “علوق الشدّه” حيث جاء التوقيع عليها متأخرا، وقد بدأت مجنزرات العسكر في التحرك نحن القصر.

ومع ذلك نعتقد أن مواثيق مناهضة الانقلابات العسكرية، ذات أهمية في حماية الحكم المدني الديمقراطي، رغم محدودية فاعليتها، فهي تمثل رادع أخلاقي، تلطخ صحائف التنظيمات التي تتهرب عن التوقيع عليها، أو التي لا تلتزم بها، وتحرجها أمام الناخب (إن كانت لها دم)، لذا تعتبر هي أحدى الوسائل المتاحة لحماية مسيرة الحكم المدني من السطو المسلّح.

ومتى ما طُرحت هذه المواثيق، بلا شك ستجد التنظيمات المتحفّظة، أو المرددة في التوقيع عليها، أنفسها في خانة أعداء التحول المدني الديمقراطي.

حزب ثوري جماهيري عريض

الشارع السياسي مستاء حد الحنق، وشبه يائس من الأحزاب التقليدية الموجودة حالياً في الساحة، بسبب ضلوع معظمها في  سوابق حوادث سطو مسلّح على السلطة، ومشاركة معظمها أنظمة شمولية استبدادية، وليس هنالك ما يشير على توبتها توبة نصوحة من تكرار خطيئة التآمر على الحكم المدني الديمقراطي بالتواطؤ مع العسكر.

لذا نعتقد أنّ الساحة  السياسية مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى، لميلاد حزب ثوري جماهيري عريض، قوامه شباب ثورة ديسمبر المجيدة، وكتل لجان المقاومة. مثل هذا الكيان متى ما رأي النور، بلا شك سيكون له ما بعده، ومن المتوقع أن يكون صمام أمان للدولة المدنية، المرتقبة من سطو سُرّاق السلطة، التفكير ألف مرة، قبل التحرك ليلا، لإذاعة بيانات انقلابية.

من المتوقع أن يكون هذا الكيان نقي من المخازي التاريخية المتراكمة، التي تكبل الأحزاب العقائدية والتقليدية المتكلسة، عن الحديث خطايا السطو المسلّح على السلطة بشرف وطهر سياسي.

تحريم  الاحزاب وتنظيمات المجتمع المدني على معاشي العسكر

إصلاح المؤسسة العسكرية والقوات النظامية، وتنقيتها من التحّزب، وحمايتها من الاستقطاب السياسي، وتحديد مهامها دستورياً، وعدم التساهل مع المتجاوزين للمهام الدستورية لهذه القوات تحت أية ذريعة، ومنع الرتب العليا من معاشي القوات النظامية من الانتماء للتنظيمات السياسية، أو التغلغل في منظمات المجتمع المدني، لقطع الطريق أمامهم لاستغلالها في الترويج للطروحات الشمولية، أو التحالف المستتر مع العسكر، كل هذه الخطوات التشريعية قد يساهم حماية الحكم المدني من اعتداءات القوات المسلحة المتكررة، وقد شهد الشعب السوداني، كيف أن منسوبي القوات المسلحة والنظامية من المعاشيين، استطاعوا تجيير مواقف كيانات سياسية عريقة لصالح العسكر والانقلابيين، دون حياء أو وجل سياسي!

ردع المغامرين بالسطو على السلطة

سن قوانين رادعة لجرائم المشاركة في تقويض الحكم المدني، والحرص على عدم إفلات الضالعين فيها من أقصى العقوبات، وإجراء محاكمات تاريخية للانقلابات السابقة بغرض التوبيخ الأدبي عن الجرائم الانقلابية التي سقطت بالتقادم (عبود والنميري) وإدانة الانتهاكات التي لا تزال جرائمها سارية المفعول (الـبشير والبرهان).

تنقية الحكم المدني من الشوائب

تنقية الحكم المدني من شوائب الفساد، والمحسوبيات، والمماحكات السياسية، والتراخي الأمني، وتركيزه على معاش الناس، وبسط دولة القانون، وترسيخ العدالة والاجتماعية، وتوعية الشعب بسماحة الحكم المدني، وتعاسة حكم العسكر، وتشنيع الأنظمة الشمولية، حتى إن كانت مدنية، والتبشير بنعيم التبادل السلمي للسطلة.

الابتعاد عن المحاور وعن الايدلوجيا

الابتعاد عن المحاور الدولية والإقليمية، وتجنب تعليق الدولة بحبائل الايدلوجيا اللازمة للتعصب الفكري، مع تعزيز التعاون مع المؤسسات الدولية الإقليمية الدائمة للحكم المدني الديمقراطي بحذر.

هذا الموضوع المهم، يجدر به ان يكون محل عصف ذهني للناشطين الجادين والسياسيين، للوصول إلى أفضل الحلول وأنجعها.

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. لا فض فوك هذا هو الحل النهائي لإشكالية الإنقلابات العسكرية في السودان و قيام هذا الحزب الثوري المكون من شباب الثورة و لجان المقاومة هو الطريق لحل جميع مشاكل السودان و هو أن يُحكم السودان بقوى الشباب و إزاحة الأحزاب السياسية المتكلسة عن المشهد السياسي و فوز هذا الحزب سيكون مضموناً و باغلبية كاسحة و الخلاص الى الى الأبد من تسلط العسكر و أجهزة الأمن

  2. يا ابراهيم سليمان ويا دروال لا يمكن لشخص من داخل إطار الفكر الحزبي أن برى حلا خارج هذا الإطار. ولو كان هذا ممكناً لأصلحت الأحزاب حالها على الأقل بعد الانقلاب الثالث الذي أتى بكارثة انقلاب اللصوص القتلة. فما بالكما بديمقراطية أتت لنا حتى باللصوص حكمونا باللصوصية 30 سنة على عينك يا تاجر بقوة السلاح؟! أولاً أحزاب الأكثرية الطائفية طبعها وطبيعتها فوق كونها ليست لها برامج وانما تقوم على الولاء الطائفي فطبيعتها أن تمارس الأغلبية المكانيكية داخل البرلمان ليس في مصلحة عامة ولكن لمصلحة حزبية وهذه يحدده الزعيم وبالتالي فإن الأمر ينزل لنواب الحزب بالإشارة فيتم تنفيذه مهما ناقشهم البعض في معقولية الأمر ومنفعته العامة. أما أحزاب الأقلية التي تمارس ضدها هذه الأغلبية الميكانكية بهضم حقوقها إلى درجة طردها من البرلمان أحياناً تجد نفسها يائسة من البرلمان لهذا السبب وسبب آخر هو قلة حيلتها جماهيرياً وربما عدم ايمانها باطنياً بالديمقراطية – لذا نجد نفسها مضطرة إلى التفكير في الحل الوحيد الذي يوصلها للحكم ألا وهو الانقلاب العسكري. فهذه المعادلة حزب أو حزبان طائفيان حاكمة + أحزاب أقلية في البرلمان = أغلبية ميكانيكية – أقلية يائسة = انقلاب عسكري كامن للظهور خلال سنتين أو ثلاث من دورة البرلمان. يعني أحزاب الأقلية ليس لها خيار آخر متاح حتى فرصة الإئتلاف مع أحد الحزبين الكبيرين غالباً لعدم قبول فكر الآخر – فلا يتصور ائتلاف بين الشيوعي والأنصاري أو الختمي، فإن رضي الحزب الكبير فالصغير الذي يصف الكبير بالرجعية لن يرضى لنفسه وصف الرجعية وهو الحزب التقدمي! لذا لا يتصور حلول لاحتمالات تقويض الديمقراطية أثناء الممارسة إلا إذا توفر احترام الديمقراطية لدى كافة الأحزاب باعتبارها مفهوماً مجرداً من مصالح هذا الحزب أو ذاك وأن تطبق الأحزاب هذا المفهوم في ذاتها أولاً في تصعيد قياداتها وفي إخراج برامجها التي تقوم عليها والتي تطرحها على الناخبين من عضويتها وأفراد الشعب من الناخبين كافة، والتي تلزم الحزب بتنفيذها إذا فازت على أساسها. فأين أحزابنا من هذا – كل حزب يتم تسجيله على أساس حمده في بطنه ولا يدري الشعب بل حتى العضو فيه ماذا يراد من تسجيله كحزب خلاف المضاربة في الانتخابات لعله يحظى ببعض كراسي النواب في قبة البرلمان وامتيازاتها لاستغلالها في تسهيل أعمال النائب الخاصة في التجارة والمحسوبية لدى الجهات التنفيذية. ليست هناك برامج ولا حتى وعود تنموية يطلقها الحزب من أجل الفوز لتنفيذها خلاف تلك الأمور الشخصية الصغيرة كالوعد بإنشاء طاحونة أو حفر بئر للقرية الفلانية. إن ديمقراطية لا تقدم تنمية ولا ترتفع بمستوى خدمات الدولة للمواطين خير عدمها والعسكر الانقلابيون مع محرضيهم من الساسة يعرفون تماماً أن ديمقراطية كهذه لو شالها كلب الشعب ما بقول ليه جر كما عبر بذلك زين العابدين الهندي ليلة سطا عليها انقلاب الكيزان! فالديمقراطية الحقة هي التي تحمي نفسها بنفسها أولاً بقطع دابر احتمالات السطو عليها ومع ذلك إذا خطار أي مغامر أحمق بليد فلن يفلح ولو ليوم، فحاله سيكون كحال عسكري حاول قلب الحكم في أمريكا أو بريطانيا – سيكون مهزلة تنتهي به إلى مصحة الأمراض العقلية وخسران حياته المهنية. لا أحد يدافع عن ديمقراطيتنا التي نعرفها بل لن يدافع عنها لاعبوها أنفسهم ولو تعاهدوا على ذلك طالما ليست لهم جماهير تتحمس لذلك والشعب لا يعنيه استمرارها من عدمه. أما حماس العضوية فهو مقتصر على التصويت للحزب طمعاً في إرضاء الزعيم أو طمعاً في وظيفة أو مجرد احتمالها – ولكن هو جميع الحال غير الحماس في مجابهة الانقلابات العسكرية عليها! فإصلاح ديمقراطية بهذا الوضع من رابع المستحيلات ولذلك نحن نرى أن الحل الوحيد هو إلغاء تسجيل جميع الأحزاب وحظر قيام أي حزب في المستقبل ولا يعني هذا بأي حال تعطيل الديمقراطية كنظام حكم وتداول السلطة بين أفراد الشعب المنتخبين كممثلين له بفئاته ومناطقه المختلفة. فالمبدأ هو أن سلطة الشعب باقية فيه ولا يفوضها لأحزاب بل مباشرة لأفراد يمثلون فئاته ومناطقه السكانية وهم أقرب إليه كزملاء في المهنة أو الحرفة أو بلدياتهم في المنطقة ولا توجد لديهم مصالح أخرى تقيدهم كمصالح الحزب وانما يكون التزامهم كله لمصالح الفئة أو المنطقة التي يمثلونها علاوة على المصلحة العامة للسودان. فمن ذا الذي يجد ثغرة للإنقلاب على هذا النسيج الاجتماعي السياسي الاقتصادي مع وقوف كافة الشعب مع ممثليه الذين اختارهم في كل منطقة وفئة على مقاومة أي انقلاب عسكري عليه؟

  3. رويدا رويدا بدأت الاحزاب الطائفيه في التلاشي من الساحه السياسيه، و سوف تنهي تماما خلال عقد من الزمان.
    الحزب العقائدي الإسلاموي إنتهى أمره تمامت، بأمر الثوره السودانيه، و بحكم الواقع و تجربة الشعب السوداني مع حكمهم الذي إستمر ثلاث عقود. بالإضافه طبعا لدرجة الوعي المنتشر بالضروره، في اوساط الشباب. و هؤلاء الشباب هم بالضرورة، و حتماهم رجال المستقبل المناط بهم قيادة البلاد.
    يتبقى في الساحه السياسيه، الحزب الشيوعي و النقابات الفئويه و تنظيمات المجتمع المدني والتنظيمات النسائيه. وو هذه التكوينات هي نواة الاحزاب السودانيه مستقبلا، لكن التوافق المحلي فيما بينهم في هذه المرحله تحديدا، هو امر ممكن و مفيد، إن لم يكن حتمي.
    و الثوره مستمره.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..