الكونغو الديمقراطية: الاستقرار المفقود

الكونغو الديمقراطية: الاستقرار المفقود

جمهورية الكونغو الديمقراطية من أكبر الدول الأفريقية مساحة ، لذلك فإن نصيبها من ‏التنوع العرقي والثقافي يفوق العديد من الدول الأفريقية الأخرى. ينعكس هذا التنوع الكبير كما ‏هو الحال في معظم الدول الأفريقية ، ومن بينها بلادنا ، على الاستقرار السياسي في الكونغو ‏الديموقراطية التي ظلت ومنذ استقلالها في عام 1960 تعيش حالة من عدم الاستقرار والتوتر ‏المتواصل. بدأت الأزمة التي نحن بصدد تناولها في إقليم كاساي بوسط البلاد في فبراير ‏الماضي عندما أعلنت السلطات عن اعتقال ومحاكمة عدد من الجنود الذين اتهموا باعدام ‏بعض المواطنين في الإقليم المذكور باعتبارهم أعضاء في حركات التمرد التي تشن حرباً على ‏الحكومة. غير أن الاعتقاد السائد في الإقليم هو أن الجنود الذين تمت محاكمتهم ما هم إلا ‏ضحايا ، إذ أن القضاء الحكومي عجز عن التحقيق مع القيادات العسكرية العليا التي كانت ‏وراء الحادثة المذكورة. أدى الحادث إلى المزيد من التوتر في الإقليم الذي يعيش أصلاً حالة ‏من الاضطراب السياسي ، وتصف منظمة هيومان رايتس ووتش الحادث بأنه عملية اغتيال ‏بدم بارد حيث أظهر الفيديو الذي صور عنه الجنود وهم يطلقون النار على عدد من ‏المواطنين العزل الذين لا يحملون سوى العصي الخشبية. ‏
أبدت الحكومة الكثير من عدم الاكتراث ولم تتحرك في اتجاه التحقيق في الحادث إلا بعد ‏ضغوط هائلة من جانب مجلس حقوق الأنسان التابع للأمم المتحدة ، والاتحاد الأوربي ، ‏وفرنسا ، والولايات المتحدة وقد أعلنت الحكومة ، تحت هذه الضغوط ، عن تكوين لجنة ‏للتحقيق في الحادث. غير أن الحكومة ظلت حتى الآن ترفض أي حديث عن لجنة محايدة ‏من جهات وشخصيات دولية للتحقيق في الأحداث. من غير المعلوم إذا ما كانت الحكومة ‏ستتمكن من مقاومة الضغوط الدولية ولأي فترة من الزمن ، خاصة وأن بعض الجهات ‏الداخلية تعمل في اتجاه الضغط عليها أيضاً ومنها الكنيسة الكاثوليكية التي تقول أن عدد ‏ضحايا العنف منذ أكتوبر الماضي يفوق ثلاثة آلاف قتيل. من جانب آخر، تشير تصريحات ‏لبعض المسؤولين إلى أن الحكومة لا ترفض الاستئناس بآراء بعض الخبراء الأجانب في ‏المجال ، وقد يكون هذا التصريح مدخلاً مناسباً لإيجاد حل للأزمة ومخرجاً للحكومة من ‏الوضع الحرج الذي وضعت نفسها فيه. ويرى بعض المراقبين أن الحكومة ستتعرض في ‏الأسابيع القليلة القادمة للمزيد من الضغوط التي قد يصعب عليها تجاوزها. من الواضح أن ‏الجكومة تفقد مع استمرار الوقت أي دعم قد يأتي من جانب أصدقائها.‏
لا شك أن المجازر المستمرة في البلاد تستدعي تحركاً سريعاً من جانب المجتمع الدولي ‏لوضع حد لحرب الإبادة التي تخوضها العديد من الأطراف في البلاد ضد بعضها البعض. ‏ويبدو الوضع في جنوب البلاد غامضاً إذ أن التقارير الصحفية الصادرة عن المنطقة ‏تتضارب ، فبينما تتسم بعض هذه التقارير بشئ من الاعتدال في الحديث عن أحداث العنف ‏التي تشهدها المنطقة فإن تقارير أخرى تورد صورة قاتمة وتتحدث عن مذابح واسعة النطاق. ‏من الواضح أن الأخبار المتضاربة عن الحرب في جنوب الكونغو ، وعن الأطراف المشاركة ‏فيها ، وعن الدور الغامض للحكومة ، والتضارب في أعداد القتلى يؤكد أن ما تشهده البلاد ‏هو نوع من الانهيار التام للأمن وينبئ عن تطورات خطيرة ستنعكس دون أدنى شك على دول ‏الجوار التي يعاني بعضها من مشاكل مماثلة مما يعني أن المنطقة ربما تكون مقدمة على ‏أحداث وأوضاع يصعب التحكم فيها مما يؤدي للمزيد من الفوضى. ويرى بعض المراقبين أن ‏المخرج الوحيد من الأزمة هو العودة لإعلان نيروبي الموقع بين الحكومة وحركة ‏M23‎‏ ‏بالعاصمة الكينية في ديسمبر 2013 ، غير أن هناك من يرى أن الأحداث قد تجاوزت ‏الإعلان وأنه في حال عدم تدخل سريع من جانب المجتمع الدولي فإن الأوضاع تسير نحو ‏الفوضى العارمة.

محجوب الباشا
[email][email protected][/email] ‏

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..