غرب ليبيا في قبضة المتطرفين.. والأمم المتحدة تعلن عن حوار وطني

بينما عجز مجلس النواب الليبي عن الاتفاق بين أعضائه على التصويت لصالح الحكومة الثانية لرئيس الوزراء المكلف عبد الله الثني، صعد المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق المنتهية فترة ولايته) من تحديه للشرعية الجديدة في البلاد، ولوح للمرة الأولى بالحرب، بالتزامن مع شروع حكومته الموازية برئاسة عمر الحاسي في استغلال الفراغ السياسي الذي تعاني منه البلاد.

واندلعت خلافات حادة بين أعضاء مجلس النواب حول حكومة الثني المكونة من 12 حقيبة وزارية، وصلت إلى حد التشابك بالأيدي بين عضوين على الأقل داخل قاعة المجلس الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي مقرا مؤقتا له منذ توليه السلطة الشهر الماضي.

وقالت مصادر بالمجلس لـ«الشرق الأوسط» إن مشادة كلامية حادة حدثت بين علي التكبالي، عضو المجلس عن العاصمة طرابلس، وزميله محمد عبيدة، تطورت إلى محاولة الاشتباك بالأيدي بسبب اعتراض التكبالي على حكومة الثني ورفضه التصويت لصالحها.

ونفى التكبالي لاحقا عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» ما تردد عن ترشحه لرئاسة الحكومة خلفا للثني، مشيرا إلى أن لوائح المجلس تقضي باستقالته من عضويته في حال ترشحه لمنصب رئيس الحكومة.

وقال فرج بوهاشم، الناطق الرسمي باسم المجلس، لـ«الشرق الأوسط» إن الانقسام ما زال سيد الموقف بين أعضاء المجلس حول حكومة الثني، لافتا إلى أن التصويت لصالح الحكومة من عدمه قد يجري خلال اليومين المقبلين، في مؤشر على استمرار الجدل حولها.

ومع ذلك، فقد أكد بوهاشم على أن المشاورات المستمرة بين أعضاء المجلس ستنتهي بشكل إيجابي في نهاية المطاف، محذرا من محاولة البرلمان السابق وحكومته الموازية استغلال الفارغ السياسي الذي تمر به البلاد.

من جهة أخرى، وفي تصعيد جديد ضد مصر والإمارات، قال عمر حميدان، المتحدث الرسمي باسم المؤتمر الوطني، إن اللجنة التي شكلها المؤتمر بشأن القصف الجوي الذي تعرضت له طرابلس قبل أسابيع، أوصت برفع قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولدى القضاء الأجنبي، لملاحقة المشاركين في هذا القصف.

ونقلت عنه الوكالة المحلية قوله إن المؤتمر ناقش في اجتماعه إصدار قانون لمنع استيراد البضائع ذات المنشأ الإماراتي والمصري، إلا أن عملية التصويت لم تتم.

وفيما بدا أنه بمثابة تلويح بالحرب واستخدام القوة العسكرية للمرة الأولى ضد المجلس المنتخب، عقد نوري أبو سهمين، رئيس البرلمان السابق، اجتماعا مفاجئا بالعاصمة طرابلس مع اللواء عبد السلام جاد الله الرئيس السابق للأركان العامة للجيش الليبي ورئيس أركان القوات الجوية، وبعض مدراء الإدارات العسكرية ورئيس هيئة النزاهة العسكرية.

وقال بيان مقتضب أصدره البرلمان إن الاجتماع ناقش ما أسماه بـ«بعض الأمور والمشكلات المتعلقة بوضع الجيش الليبي»، دون أن يفصح عن المزيد من التفاصيل.

وبدا أن هذا الاجتماع أيضا هو أول رد عملي على الاجتماع المماثل الذي عقده أول من أمس بمدينة طبرق رئيس مجلس النواب صالح عقيلة قبل مغادرته لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأميركية، مع رئيس الأركان العامة للجيش الليبي اللواء عبد الرزاق الناظوري. كما صعدت حكومة عمر الحاسي الموازية، التي يدعمها البرلمان السابق، من وتيرة حضورها على المشهد السياسي، حيث تفقد الحاسي بعض المناطق المتضررة من الاشتباكات الأخيرة بالعاصمة طرابلس، بينما بدأ بعض وزرائه مثل النفط والصحة والسياحة في ممارسة أعمالهم من داخل مقرات هذه الوزارات.

من جهته، كشف ديوان المحاسبة النقاب عن أن ليبيا قد تواجه مشكلة جراء العجز في الموازنة العامة بسبب استمرار إغلاق الحقول النفطية، مشيرا إلى وجود عجز بقيمة 16 مليار دولار أميركي منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية الشهر الماضي.

وقال الديوان، الذي يترأسه قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين، إنه اتخذ جملة من الإجراءات، من بينها الطلب من المصرف المركزي عدم تحويل أية مبالغ سوى المرتبات العامة أو المصروفات الضرورية التي لا تزيد عن 200 ألف دينار. مشيرا إلى أنه طلب من وزارة المالية تقديم بيان عن أسباب العجز، والذي خالف ما جرى تقديمه للبرلمان السابق، والكشف عن الحسابات المودعة.

وهوت ليبيا في حالة من الفوضى بعد ثلاثة أعوام من الإطاحة بنظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي بعدما سيطرت جماعة مسلحة من مدينة مصراتة بغرب ليبيا على طرابلس، مما أجبر البرلمان المنتخب وكبار المسؤولين على الانتقال إلى أقصى شرق البلاد.

وأنشأت جماعة مصراتة برلمانها وحكومتها الخاصين. ولا يعترف بهما المجتمع الدولي ولكنه يدعم الثني الذي لا يملك صلاحيات تقريبا.

ووسط هذه المماحكات السياسية، أعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أنها ستنظم حوارا بين الأطراف الليبية في 29 سبتمبر (أيلول) الحالي لإنهاء الأزمة في البلاد، مشيرة في بيان لها عبر موقعها الإلكتروني إلى أن الحوار سيعقد على أساس الاعتراف بشرعية المؤسسات المنتخبة واحترام الإعلان الدستوري، وعلى احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي والنبذ الصريح للإرهاب.

وقالت البعثة إن جدول أعمال المؤتمر المقترح سيتضمن بندين فقط، هما الاتفاق حول النظام الداخلي لمجلس النواب، إلى جانب القضايا الملحة المتعلقة بالحوكمة في البلاد، بالإضافة إلى الاتفاق على تاريخ ومكان ومراسم تسليم السلطة من البرلمان السابق إلى نظيره الحالي.

وأوضح البيان أن الأمم المتحدة ستجري أيضا محادثات مع الأطراف لمعالجة عدد من تدابير بناء الثقة والترتيبات الأمنية التي ستهيئ الظروف المناسبة ليسود السلام والثقة في ليبيا، وأضاف: «سيقوم الليبيون وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتأليف لجنة مشتركة للإشراف على وقف إطلاق النار».

وتشمل التدابير الأخرى، بحسب البيان، الاتفاق على جدول زمني لانسحاب الجماعات المسلحة من المدن الرئيسة والمطارات وغيرها من المنشآت العامة في أنحاء البلاد.

ويوجد في ليبيا الآن برلمانان وحكومتان، بينما فقد المسؤولون الكبار ومجلس النواب المنتخب السيطرة على وزارات في العاصمة وانتقلوا إلى طبرق في الشرق بالقرب من الحدود المصرية.

في غضون ذلك، سيطرت قوات ما يسمى بـ«فجر ليبيا» على منطقة ورشفانة التي تبعد نحو 30 كيلومترا جنوب غرب العاصمة طرابلس، ليحكم بذلك المتطرفون من سيطرتهم شبه الكاملة على منطقة غرب ليبيا فيما عدا مدينة الزنتان الجبلية.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن جيش القبائل انسحب من المنطقة التي انتشرت بداخلها قوات مصراتة والجماعات المتشددة المتحالفة معها، والتي تحكم بالأساس سيطرتها منذ مطلع الشهر الحالي على مدينة طرابلس ومطارها الرئيسي الدولي، بعد معارك عنيفة ضد قوات الزنتان وجيش القبائل المتحالف معها.

إلى ذلك، لقي 11 شخصا على الأقل مصرعهم في انفجار عرضي في قاعدة عسكرية ليبية في مدينة البيضا بشرق البلاد، فيما رجح مسؤول أمني أن يكون الانفجار ربما نجم عن ارتفاع درجات الحرارة في مستودع سلاح في القاعدة.

كما انفجرت سيارة قرب مقر الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بمدينة البيضاء، مما أدى إلى تدمير ثلاث سيارات، لكن من دون سقوط أي ضحايا.

في غضون ذلك، قال سكان في مدينة بنغازي بشرق ليبيا إن المدينة تعرضت في ساعات مبكرة من صباح أمس إلى قصف عشوائي عنيف استهدف بعض ضواحيها بالأسلحة الثقيلة والصواريخ في مواجهات بين قوات الجيش الوطني التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر وما يسمى بمجلس شورى ثوار بنغازي، الذي يضم خليطا من الجماعات المتشددة والمتطرفة في البلاد.

وتخشى القوى الغربية والجيران العرب تفكك ليبيا التي باتت مقسمة بين القبائل المتنافسة والجماعات المسلحة التي ساعدت في الإطاحة بالقذافي عام 2011، وأصبحت تهيمن على البلاد الآن.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..