مقالات سياسية

هيبة الشعب أولاً

أسماء محمد جمعة

عند كل حادثة صراع بين قبيلة وأخرى في دارفور تتدخّل الحكومة، وتقول إنّها ستفرض هيبة الدولة ثم تحاول بعد ذلك تهدئة المَوقف بمَا لا يَتوافق مع هَيبة الدولة، حين ظهرت حركات دارفور وانفلت الأمن، قالت أيضاً إنّها قادرة على فرض هيبة الدولة ثُمّ عالجت الأمور بطريقة لا يُمكنها أن تحقق للدولة هيبة، وتكررت الأحداث وتكررت وعودها ولم تنجح حتى هذه اللحظة، وبعد أن وقع الفأس في الرأس، قرّرت بحزم وتحدٍ أن تجمع السلاح من أجل فرض هيبة الدولة وكأنه المشكلة الوحيدة رغم أنه لا يحقق لها ذلك، فهيبة الدولة لا تفرض إلاّ بالتي هي أحسن وبهدوء ومن خلال تحقيق الأمن بمعناه العريض، الاقتصادي الاجتماعي والسياسي.

لم نسمع دولة في العالم تستخدم مصطلح هيبة الدولة مثلما تفعل الحكومة السودانية هذه، فهي مهووسة بفرض هيبة الدولة رغم أنها هي السبب الأول والأخير في أن تفقد الدولة هيبتها، وحدث ذلك منذ أن سطت على السلطة قبل 28 سنة، فكيف لدولة يحكمها انقلابيون أن تكون ذات هيبة؟ فمثل هذا النوع من الحكومات أهم شيء عندها هو أن يفقد الدولة هيبتها حتى يتسنى لها أن تبقى في السلطة، لذلك الحكومات الديمقراطية تأتي بهيبتها وتحترم هيبة الشعب الذي أتى بها، وها نحن نذكر الحكومة أنّ هيبة الدولة ضاعت يوم جاءت هي بلا هيبة ولم تحترم هيبة الشعب ودخلت بمدخل الشيطان وهي تحمل مشروعها الحضاري المشؤوم الذي أفقر الشعب وجوعه وأمرضه وجهَّله وانحط به، هيبة الدولة ضاعت يوم ذهب الجنوب وضاع مشروع الجزيرة وفقد السودان لقب بلد المليون ميل مربع وسلة غذاء العالم وأصبح يعيش على الديون والهبات والودائع والاسترزاق.

ضاعت هيبة الدولة يوم بدأ الشعب يهجر وطنه ويتغرّب بحثاً عن كرامته وإنسانيته التي أهدرت، يوم استباحت الحكومة أرواحه وأصبحت مصدر رزق تقتات منه وتصرف على مُخصّصات مسؤوليها وتغتني، يوم دمّرت التعليم العالم والعالي والصحة وأصبحت قيمة الإنسان أرخص ما لديها، هيبة الدولة ضاعت يوم أصبحت هي  تحمي سلطتها بالفرقة والفتن والصراعات والحروب واختارت بمحض إرادتها أن تقدم السلام والاستقرار قرباناً لبقائها في السلطة ورضيت أن تعادي أعز ما في الدولة شعبها والقائمة تطول.

الحكومة طيلة هذه السنوات لم تهتدِ إلى أن هيبة الدولة مُرتبطة بهيبتها هي نفسها، وهيبة الحكومة تعني احترام الشعب لها حين تُلبي حاجاته وتطلعاته وتسعى كي تصل به إلى مرحلة الرفاهية، هنا لا يحتاج أحد لأن يحمل السلاح أو يتمرد عليها أو ينتهك هيبة دولته، ولذلك نقول للحكومة إنّها تحلم بفرض هيبة الدولة قبل أن تجعل لنفسها هيبه وتحترم هيبة الشعب، فماذا يضيرها إن اعترفت بأخطائها وغيّرت أسلوبها العنيف القاسي المُتحدي هذا إلى أسلوب مسالم ولين وهادئ؟ أم أنها لا تستطيع لأن هذا المناخ هو الذي يمنحها الحياة ويعز عليها أن تكون للمواطن هيبة تحترمها لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهنا تكمن كل الحكاية دولة بلا شعب كريم وعزيز تحترمه الحكومة لا يمكن أن تكون لها هيبة أبداً.
التيار.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..