موت لغة – جنوب السودان

يقول وليام آدامز في كتابه الموسوعي (النوبة-رواق أفريقيا) بأن أصول بعض القبائل في الشمال نوبية كالجعليين والشايقية إلا أن الإستعراب قد أضاع لهجاتهم المحلية ؛ في السودان الشمالي والجنوبي هناك مئات القبائل وعشرات اللهجات ، ونحن نفقد كل يوم إحداها ، في دولة جنوب السودان قررت الحكومة أن تكون اللغة الرسمية هي اللغة الانجليزية ، وتحت وطأة هذا القرار ووطأة الحرب والنزوح الجماعي يفقد الجنوب كل يوم لهجة محلية.
كنت قد اقترحت قبل سنوات على صديقي الدكتور إليو قرنق أن يتم تدوين هذه اللهجات أولا لتوثيقها وثانيا لتحويلها إلى لغات ، منعا من ضياعها ، ففقد لغة يعني فقد ثقافة كاملة بكل ما تحويه من تفاعلات اجتماعية وعرفية . لقد غرق الجنوب في الحرب الأهلية والوضع لا يبشر بالخير ، ولكن ربما لا زال هناك وقت لكي يتبنى المثقفون الشباب من الجنوبيين مشاريع كبرى كمشروع تدوين اللهجات المحلية . وياحبذا لو تم تدوين الأعراف إلى جانب اللغات وتوثيقها . إن الشباب الجنوبي أمامه فرصة عظيمة لتوثيق ثقافته وانجاز مشروع كبير يلطف ويخفف من أجواء الحرب ويمنح الشعوب الجنوبية مزيدا من الأمل ومزيدا من الثقة في وعي شبابها وثقافته. كذلك على الجامعات في الجنوب أن تغير من منهج دراساتها العليا لتتيح للباحثين انشاء مشاريع بحثية جماعية لتدوين اللغات ومنح درجة الماجستير والدكتوراه المشتركة لهذه المجموعات ، وجدير بالذكر أن الأمم المتحدة -على ما أتذكر -في عام 2005 قد استنت اتفاقية لدعم وحماية وتشجيع التعدد الثقافي بما يسمى باتفاقية باريس ، وبالتالي فإن هناك مخصصات دولية لدعم المشاريع الثقافية ويمكن للجنوب أن يستفيد منها بالحصول على منح لمشاريع توثيق اللهجات والأعراف في دولة جنوب السودان.
إن جوهر القضية هو أن نمنع – بقدر ما نستطيع- موت لغة . فبموتها يموت تاريخ كامل للإنسان ، وبموت تاريخ الإنسان يفنى الإنسان نفسه.
29يوليو2016
[email][email protected][/email]