معاش الناس .. تكبير القفة تقليل التكلفة

القفة الآن اصبحت تراثا يجتره الناس، ربما لا يعرف عنها الجيل الطالع شيئا إلا بمطالعة التاريخ، كان للقفة صيت ومكانة على امتداد ارض السودان، حملها أهله عرباً ونوبة لم يشذ منهم أحد، في الشرق حملوها وفي الغرب حملوها وفي الشمال والجنوب والوسط، كانت من ممسكات الوحدة ومن مشتركات الوطن الواحد، ولكن القفة اليوم لم يعد لها اثر او ذكر فقد خرجت القفة ( بقد القفة ) ..الكيس هو من حل محل القفة أم اضنين والتي حين تمتلئ بخيرات الارض فلن يقوى على حملها سوى اثنين، لم يعد اليوم للقفة لزوم، الكيس يكفي ويفيض، أتدرون ما الكيس، انه ذلك الوعاء البلاستيكي الذي قيل فيه ( كيس نايلو والهواء شايلو ) من خفته، فقد تغير الحال على رأى الاقتصادي الاميركي الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد والذي قال تعبيراً عن ضيق الحال ما معناه ان الناس اذا كانوا قبل حين يحملون النقود في جيوبهم ليبتاعوا بها اغراضهم واحتياجاتهم التي يملأون بها القفة او السلة فإنهم الآن يفعلون العكس، يحملون النقود في القفف والسلال ليشتروا بها بالكاد ما يمكن ان يضعوه داخل جيوبهم، اذن لم يذهب السودانيون بعيدا حين اختزلوا علم الاقتصاد كله في قفة الملاح، عندما تمتلئ قفتهم عافية يكون الاقتصاد عندهم معافى، والعكس صحيح، لا يفقهون في نظريات الساسة والاقتصاديين وكلامهم الكبار كبار، كما يعرفون الميزان ابو كفتين عند اصحاب التشاشات والرواكيب والدكاكين والكناتين والبقالات ، والكيلة والملوة والمد عند باعة البصل والفحم وما شاكلهما، والرُبطة والكوم عند الخضرجية وغير ذلك من مقاييس ومكاييل تشكل مدار حياتهم اليومية، ولا تثريب عليهم فليس شغلهم ان يشتغلوا على نظريات الاقتصاد وبدائله فهذه يكفيهم منها انهم ربّوا وعلموا وبذلوا وما استبقوا شيئا ليخرّجوا هؤلاء السياسيين والاقتصاديين المطلوب منهم ان يعكسوا اثر هذا العلم على حياة اهلهم بياناً بالعمل تؤكده قفة الملاح ، فنظرة للقفة تقطع قول كل خطيب?.
لقد تردد كثيرا في الآونة الأخيرة الحديث عن معاش الناس ، وعزز النائب الأول والوزير الأول والفريق أول بكري هذا الحديث بعد أدائه قسم منصبه الجديد ، بتأكيده على سعي الوزارة الجديدة لتحسين معاش الناس ووضعه على رأس اجندتها واهتماماتها ، لتوفير احتياجات المواطنين الضرورية والاساسية وغيرها من ( رافعات ) المعاناة عن كاهل الجماهير وجعلها في متناول أضعف الفئات ، ولكننا نخشى على الحكومة الجديدة من جبروت السوق وسطوته، فقد علمتنا التجربة ان ما من احد شاد السوق الا صرعه، فحين غلب غول السوق نميري رحمه الله ، غلبه كل قول فلم يجد غير ان يقول ( ما يأكلوا وجبة واحدة )، والصادق المهدي حياه الله رغم براعته في افتراع المصطلحات لم يجد مهربا من ان يقول بالدوغري ( لقد هزمنا السوق الاسود ). هذه نهاية لا نتمناها للحكومة الجديدة، ان يهزمها غول السوق فترفع ( الراية البيضاء ) او يصيبها الزكام فتعطس فنضطر لتشميتها بالقول لها غفر الله لك ، وهذه كانت من نصيب الوزير ابو حريرة ابان حكومة الديمقراطية الثالثة وكان الرجل قد ركب ذات المركب ، وعندما زهج وزهد واستقال قيل عن استقالته انه شم شطة في الجو فعطس..
الصحافة