وسائل التغيير في المجتمع

في كتابه الثر «أصحاب الحق» والذي أعتبره من أميز الدراسات في نقد الجماعات الإسلامية يقول الأستاذ علي عبد الرحيم، إذ يصف الجماعة الإسلامية بأنها تعتبر نفسها أصلاً في وجود الإسلام وليست طارئاً عليه، حتى أن المهمومين بأمر الإسلام ينتقدون الجماعة الإسلامية ويحصرون همهم على نشاطها وتحقق أفكارها الأمر الذي يصرفهم عن منابع وأصول الأفكار!!
ومن هنا قفز السؤال الخطأ.. كيف تحكم الجماعة الإسلامية، والصحيح هو لماذا تحكم الجماعة الإسلامية، نتيجة لهذا أصبح النقد موجهاً إليها من أعداء الإسلام، متخذاً من الجماعات الإسلامية تقية يختبئ خلفها ذلك العداء المستتر..!!
كنت قد عرضت ما قاله الأستاذ علي، ما قاله عن التمييز بين الحركة والتنظيم، فإذا توسعت الحركة حتى تغلبت على الأخريات وصبغت المجتمع بلونها، لم يكن في هذا خطر عليها فقد جاءت نتيجة تفاعلات طبيعية في المجتمع، ولكنها تظل حركة غير منضبطة بأهداف موضوعة وغير مؤتمرة بقيادة موحدة بل تعبير لكيانات شتى في المجتمع غلب بعضها على بعض في وقت ما فصارت أهدافاً للكيانات الغالبة، مع بقاء هذه الكيانات متعددة تجمعها الأهداف والرؤى وتفرقها التنظيمات والهياكل والقيادات!!
وهنا نجد واقعاً تطبيقياً لما حدث داخل الحركة الإسلامية، وينطبق عليها ما جاء به الأستاذ علي من تفسير لمصطلح الحركة، إذ ظهر فيها تباين الأفكار، للدرجة التي أحدثت انشقاقات داخلها..!!
والغريب أن الحركة الإسلامية قد نقلت التجربة التنظيمية للحزب الشيوعي السوڤيتي حتى بالمسميات وكان ما يدور داخل الحزب الشيوعي هو صراع أفكار لا تبادل أفكار، والأفكار المهيمنة فيه تنكل بالأخرى المناوئة، رغم أن الهدف كان يجمع المنكل والمنكل به..!!
وصراع الأفكار هذه سرعان ما يتحول إلى صراع على السلطة، رامياً خلف ظهره تلك الأهداف السامية التي كان يؤمن بها المتصارعون على السلطة اليوم، وكلاً من الشيوعيين والإسلاميين المتصارعين على السلطة يعتبرون أنفسهم أصلاً في وجود كل من الشيوعية والإسلام وليسوا طارئاً عليهما..!!
ونتيجة الصراع على السلطة زال الاتحاد السوڤيتي، واليوم السودان ينتقص من أطرافه..!!
ونرجع إلى ما كتب الأستاذ علي حين يقول إن التنظيم إذا توسع بمغالبة خصومه وتفوق عليهم يصبغ المجتمع كله بلونه، هنا لا يكون المجتمع حراً إنما يصبح أسيراً للتنظيم الغالب خاضعاً لأهدافه وتوجيه أفراده أي محكوماً بدكتاتورية التنظيم!
هذا ما آل إليه الحزب الشيوعي السوڤيتي في الاتحاد السوڤيتي والحركة الإسلامية في السودان فالاثنان استغلا روح التغيير في مجتمعاتهم وعزفا على وترها، فاستولى الشيوعيون على السلطة بانقلاب مجتمعي عبرت عنه ثورة دموية في روسيا، وفي السودان بانقلاب عسكري تحول بعد نجاحه إلى ثورة نسبت في كلا الحالتين إلى المجتمع المراد حكمه…!!
ونسبة أفكار الحزب الشيوعي إلى المجتمع فيها الكثير من التضليل فأعضاء الحزب الشيوعي المسجلين في كشوفاته لا تتعدى العشرة مليون عضو من مجموع شعب فاق المئتين وأربعين مليوناً أي بنسبة أقل من الثلاثة بالمائة..!!!
وكذلك الأمر في السودان وهنا تأتي المفارقة فالشعب السوداني في غالبيته لا يعارض النظام الإسلامي فهو مسلم، والحركة الإسلامية ليست أصلاً في الوجود الإسلامي إنما هي حركة طارئة، وكما قال الأستاذ أبو مريم «وأضيف إلى ذلك أنها بدأت حركة حصرية لم تفتح أبوابها لذلك المجتمع الذي استولت على نظام الحكم فيه، أما المجتمع فقد فتحت له بوابة أخرى يتغير اسمها حسب الظروف السياسية فتارة جبهة الميثاق الإسلامي وأخرى الجبهة الإسلامية القومية وثالثة المؤتمر الوطني، مع ملاحظة أن المنتسب إلى هذه الأحزاب حسب تغير اسمائها لا يعتبر حركة إسلامية، وعلى العكس فإن أي منتسب للحركة الإسلامية هو عضو في هذه الأحزاب بمختلف مسمياتها، فالحركة الإسلامية حصرية، أما الأحزاب بمختلف مسمياتها مشاعة للجميع، وهذا يقودنا إلى ما يعرف بالدولة العميقة وهي غير ظاهرة للعيان فهي تحكم دون أن تترتب عليها مسؤوليات سياسية كانت أم جنائية..!!
والدولة العميقة ليس لها سجل قانوني في السجلات الرسمية وكذا الحركة الحصرية التي تحكم السودان من وراء حجاب..!!
ولا أطيل ونواصل الدراسة القيمة للأستاذ أبو مريم في دوزات مخففة
[email][email protected][/email]