مقالات وآراء

الفكاهة في أمكنة ومواقيت الأزمة.. (3 – 3)

عثمان شبونة

تتعدد تعريفات الفكاهة في حياتنا، فهي بغير عنايتها في إثارة الفرح والمرح لدى الإنسان، تنحو لمعالجات كثيرة حين تناقش مشكلات الناس وهمومهم.. ورغم أن بعض فرقنا الدرامية والكوميدية ــ على وجه الخصوص ــ شحيحة في تناول الظواهر السالبة باقتدار عبر النكتة والمواقف الضاحكة؛ إلاّ أنه يُشكر لها (لفت النظر) خلال معالجاتها القليلة للظواهر المجتمعية؛ فالذكرى تنفع العقل مهما خفّت الأدوار وخفتت..! كما يُحفظ للفرق الكوميدية جانب تسيدها على المشهد الفني مهما اختلفنا في فحوى العطاء وقلته.. وقطعاً تحولُ أعذار دون الانطلاقة المرجوة للفرق الكوميدية الموجودة في السودان؛ وهي تفتقر لأشياء كثيرة مادية ومعنوية..! فلو وجدت الجماعات الدرامية المناخ الملائم للابداع و”الابتكارات الفنية” لانهمر سيل من المشاهد الضاحكة الهادفة ذات السمة المؤشرة لمتاعب الإنسان السوداني الحياتية؛ وكيفية معالجاتها.. ونعني بها مشكلات تمتد من أعلى هرم للمصائب السياسية نزولاً لضرورات العيش المفقودة.. وأمامنا الشح الذي يعانيه المواطن بين وقت لآخر في سلعٍ بعينها؛ وما يعانيه أيضاً من قلة الدخل ــ قلة الحيلة..! ولعل الحالة الراهنة تردنا لزمان نظم فيه أحد المبدعين هذه القصيدة التي نشرت في صحيفة (ألوان ــ أبريل 1988) بعنوان (وطن الهموم)؛ جارى بها الشاعر (صديق أحمد) قصيدة إيليا أبو ماضي (وطن النجوم) التي تغنى بها عميد الفن السوداني أحمد المصطفى:
وطن الهمومِ أنا هنا
حدِّق.. أتذكُر من أنا؟
أنا ذلك الوطن الذي
دنياه صارت محزنة
أنا من عيونك دمعة
تنساب كل الأزمنة
أنا من ترابك تربة
دفنت بداخلها المنى
ألمحت في اليوم القريب
مواطناً ألِفَ الضنى
ألمحتَ سوقاً أسوداً
جعل الجيوب مبشتنة
يتسلق الأسعار حتى
لا يقال له دنا
فالفقر عايشه بنوك
تعاسة متمكّنة
والغش مارسه (الرئيس)
فصاحة وتفننا
طوراً يراوغ بالكلام
وتارة بالطنطنة
فالشعب قد ينسى الإساءة
حكمةً لا مَسْكنة
وحقارة الحكام تكثر
من ملوك الشيطنة
والشعب قد قبل المرارة
آملاً في الأحسنا
ومهازل الرؤساء تصدر
من هناك ومن هنا
لكنه قط ما انحنى
وهيهات يوماً يجبُنا
* القصيدة تزيّن كتاب الباحث عبد الحميد محمد أحمد (الفكاهة في الشعر السوداني) الذي أشرنا إليه سلفاً بمدحٍ مستحق.. وضمن تنويهات المؤلف (أنه لا يدري من يقصده الشاعر بالقصيدة ــ هل هو رأس الدولة أحمد الميرغني ــ وقتئذ ــ أم الإمام الصادق المهدي رئيس الوزراء)؟! المهم أن الإشارة تجدر لهذا النظم المُعتمِد على المجاراة لقصيدة وطن النجوم؛ وقد برع الشاعر في مماثلتها بأسلوب فكاهي لا يعيبه (عايب) ولا يفوت على فطنة من استمعوا إلى النص الغنائي الأصلي.. فمن إيحاءاته جاءت الأبيات دالة بمحنة شعبنا (المستمرة) ومطرزة بهجاء لم يخصم من فكاهتها الظاهرة والمستترة..! ومثل هذا النوع من الشعر يميزه الشمول ما بين الاجتماعي والسياسي، مع ذكاء الشاعر الذي وظف نصاً مألوفاً للسمع حتى يصل لغايته المنشودة.
* ختاماً.. إذا جاز لنا القول بأن طرق الفكاهة المسموعة تنحدر إلى الأسفل وتخفت وهجاتها الآن (بالنظر إلى وطننا السوداني وبشاعة نظامه السياسي)؛ يجوز لنا أيضاً القول في المنحى القريب؛ بأن تقدير (البطولة) لرسامي الكاريكاتير السياسي أمر لا مغالاة فيه..! إنها بطولة مستحقة بالمواكبة والجهد الخلاق.. فمهما تجهّمت خطوطهم الذكية تبعاً لتجهمات المكان؛ فإننا نلمس فيها (رشاقة ــ و طلاقة ــ وابتسامة وقضية) كما نلمس (انتصارات واختصارات الفن) التي تغنينا عن كثير الكلام..! رسامو الكاريكاتير أو بعضهم ــ اليوم ــ هم الشريحة التي تجد براحاً بالحفاوة؛ خصوصاً مع فقر الأدب الفكاهي في مواقيت الأزمة..!
الحراك السياسي

تعليق واحد

  1. رغم انك شيوعى استشهدت بقيصدة فى صحيفة الوان والوان صحيفة اسلاميه . حيث الاسلامين هم المبدعين فى كل المجالات .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..