مع وزير المالية -3-..اا

قولوا حسنا
مع وزير المالية -3-
محجوب عروة
[email protected]
أبدأ تعليقى على حديث السيد وزير المالية على محمود باستصحاب مقولته التى بدأ بها حديثه ? وهو صادق ? بأن البرنامج الثلاثى هو جهد بشرى وليس قرآنا ولذلك من حقنا أن نقوّمه وقد أتفق مع بعض أجزائه ولكن أختلف معه فى منهجه وتوقعاته ولدىّ اسبابى وحيثياتى وقد ذكرت بعضها أمس بالقول واتفقت معع الوزير أنه لم توظف موارد البترول فى الأقتصاد الحقيقى لزيادة الأنتاج والأنتاجية والأسوأ من ذلك تغيرت أنماط الأستهلاك عندنا وكأننا أصبحنا كدول الخليج وأصبح من الصعب العودة الى التقشف خاصة عند الحكومة ولعل أول هزيمة لفكرة ضبط الصرف الحكومى هو صدمة الحكومة المركزية الحالية المتضخمة وزيادة عدد ولايات دارفور بسبب الرشوة السياسية لأحزاب وشخصيات ضعيفة لم و لن تقدم وتضيف شيئا بل كانت موضع السخرية الواسعة. وكما ذكرت أمس كان لضعف الرقابة والمشاركة الحقيقية فى السياسات والبرامج الأقتصادية والأولويات الدور الأساسى للفشل فانطلق الجهاز التنفيذى والسياسى والمؤسسات وكثير من المسئولين يسرحون ويمرحون فسادا حتى صار الفساد سرطانيا فى مراحله الأخيرة و لم ولن يحاسب أحد بسبب غياب الشفافية و تشظى وصراعات مراكز القوى وسياسة ( التوازن بغض الطرف عن الفساد لأن كلا منهم يعرف فساد الآخرين وتبرعاتهم للحزب ومايسمى التنظيم فغابت الشفافية و المحاسبة !!؟ وهناك شواهد كثيرة يعرفها المتابعون.. (لجان تقوم وتنتهى الى تسويات!!) لقد كان الفساد أقوى معول لفشل السياسات الأقتصادية وحتى سياسة التحرير الأقتصادى هزمت بسياسة عدم العدالة ومنهج ( كل الناس متساوون ولكن بعض الناس (أهل السلطة و الولاء والطاعة) هم أكثر مساواة من غيرهم..all people are equal but some people are more equal than others كما كتب جورج أورويل فى كتابه (مزرعة الحيوانات) الذى انتقد فيه النظام الشيوعى فى روسيا.
أما المعضلة الكبرى فى البرنامج الثلاثى ما يمكن أن أسميه هنا ( بالمستحيلات الأربع) أسوة بالنظرية الأقتصادية المعروفة المستحيلات الثلاثة Impossible Trinity Theory ولدى شاهد من الحوار الواسع الذى يدور حاليا ويناقشها مجلس الوزراء المصرى حول المنهج الأقتصادى والسياسات التى يجب اتباعها الآن وهى تتعلق فى أى مسار اقتصادى يجب أن تتبعه الحكومة وما هى الأولويات؟ هل تتبع المسار الأمريكى الذى كان سائدا فى أمريكا و تبنته مصر الساداتية والمباركية أم يختار المسار الناصرى أم المسار اليابانى. الآن يدرسون الخيار بين مسار التركيز والأولوية على زيادة الأنتاج والأنتاجية المتوافقة مع الرأسمالية لتحقيق طفرة اقتصادية أم للعدالة الأجتماعية المنحازة للفقراء التى كانت أحد أسباب الثورة؟ وهذا مجال اهتمام علم الأقتصادي السياسى فالرأسمالية يهمها أساسا الكفاءة والقوة الأقتصادية قبل العدالة ودولة الرعاية تحاول الجمع بين المسارين وكان لدينا مثلا واضحا فى نظام مايو حيث كان يريد الأثنين معا ( التنمية ودعم الفقراء فى آن واحد) فحدثت الأختلالات الهيكلية فى الأقتصاد السودانى وعجز عن تطبيق الأثنين.
اذا تمعنا فى البرنامج الثلاثى نجده يحمل نفس أفكار ومسار دولة الرعاية فكيف السبيل لنجاحه خاصة بعد أن فقدنا مورد البترول ولا ندرى على وجه الدقة من أين سنأتى بالأموال الكافية لتحقيق طفرة واستقرار اقتصادي ودعم الفقراء وكل ما جاء فى البرنامج من أمانى مشروعة ومرغوبة ولكنها تصطدم بالمستحيلات الأربع من كفاءة و انتاج وفير وتوازن اقتصادى ومحاربة الفقر ومواجه الحروب والصراعات التى تستهلك جل الميزانية، كل ذلك فى وقت واحد. أقول ذلك يحتاج لحل سياسى فهل هو ممكن ولدينا الرغبة والقدرة؟ نواصل.
لا أعتقد في سلامة هذا التحليل فليس هناك تعارض بين كفاءة الانتاج وتوفيرالخدمات الضرورية واذا تحققت فرص العمل بصورة كبيرة فحينئذ لا توجد رعاية مرهقة للدولة تطرها لفرض ضرائب باهظة فالكل يعمل و يساهم في ترقية الخدمات والاستفادة منها.
الحل لمشاكل السودان سياسى بالدرجة الاولى من خلال مؤتمر قومى دستورى لاحلال دولة الوطن مكان دولة الحزب الخاتى تحت اباطه البرلمان و القضاء و الجهاز التنفيذى و شايل العصاية للصحافة و الجيش و الشرطة و اجهزة الامن و تفكيره كله منصب نحو الاستمرارية لان المؤتمر القومى الدستورى بيزيحه من السلطة او بيخليه حزب زيه وزى غيره و التمكين و السلطة و الثروة و عدم المساءلة دى خطوط حمراء عندهم اما مصلحة الوطن و المواطن فتاتى فى اخر سلم الاولويات و الا بالله عليكم فسروا لى لماذا هم يرفضون اى مؤتمر للاجماع القومى و مناقشة مشاكل السودان بشكل سلمى داخل الوطن بدل ما كان نيفاشا و ابوجا و الدوحة و ما عارف وين و فى اثناء المؤتمر يتوقف السلاح و لغة الحرب!!! هل مصلحة الانقاذ او المؤتمر الوطنى و اشخاصه اهم من مستقبل السودان و اجياله القادمة ولا هم افهم و احسن الناس و اكثرهم وطنية و حب لهذا البلد من غيرهم انا لا اعتقد ذلك و اعتقد عكس ذلك لان البيحب وطنه ما بيعمل زى ما بتعمل الانقاذ او الحركة الاسلاموية و البلد دى ما حقتهم عشان يعملوا فيها زى ما عايزين!!!!!
مصيبتنا فى كثرة شاغلى المناصب الدستورية و مخصصاتهم و امتيازاتهم و الجيوش الجرارة من الموظفين المساعدين التى تعمل معهم و الوزراء الاتحاديين و الولائيين و المناصب المستحدثة لأرضاء الأتباع و أهل الولاء مثل شاغلى المناصب فى الوحدات الهلامية وزيادة عدد ولايات دارفور بسبب الرشوة السياسية لأحزاب وشخصيات ضعيفة لم و لن تقدم وتضيف شيئا (مثل تعيين ابنى السيدين) مما أرهق ميزانية الدولة المرهقة أصلا. فى السابق كانت مديريات السودان 9 مديريات معروفة على رأس كل منها محافظ، فلماذا يتم الآن تقسيم كل مديرية من المديريات القديمة الى 4 و 5 ولايات مع ولاة و معتمدين ووزراء لكل ولاية و مجالس تشريعية لا فائدة منها؟ ما هذا العبث و ما هذا الاهدار لموارد البلد بكل هذه الوظائف التى لا فائدة منها؟ و ماذا بقى من موارد للتعليم و الصحة و غيرها؟ لا شيئ. أعتقد ان لدينا عدد وزراء لا يوجد حتى فى أمريكا و لا فى أي دولة فى العالم, هذه مصيبة و لكن أهل الانقاذ لا يهمهم الا الرشاوي السياسية و ارضاء أهل الولاء و الطاعة أما معاناة الشعب فهى لا تحرك فيهم ساكنا و لا تهمهم لأنهم بمنأى عن المعاناة و هم يعيشون فى أبراجهم العاجية الفخمة ذات أحواض السباحة و النساء الحسناوات مثنى و ثلاث و رباع. لكى الله يا بلد.
نحن أناس ننتقد ولا نطرح الحلول .