من يعزيهم؟” الآلاف من أنصار الترابي موجوعون من رحيله المباغت

الخرطوم ? محمد الخاتم
1932
عن عمر يناهز 83 عاما، أمضى ثلثيها برتبة “زعيم” في الحقل السياسي رحل الترابي، إثر علة لم تمهله سوى سويعات قضاها في مستشفى رويال كير قبل أن تنعيه دموع الآلاف من أنصاره الذين احتشدوا في المشفى، لكن دون أن يتاح لهم الظفر بنظرة الوداع من الرجل المولود في العام 1932، والذي لا تبدأ أوصافه بكونه مفكرا إسلاميا متمردا على التفاسير التراثية ولا تنتهي بكونه قانونيا مر دارسا ومدرسا على جامعات الخرطوم وأكسفورد والسوربون.
1956
بالطبع دخل الرجل كلية الحقوق جامعة الخرطوم بطموح متأجج في خمسينيات القرن المنصرم يشير إليه ما فعله في العقود الستة التالية وهو يحول تنظيما طلابيا إلى واحد من القوى الرئيسة في البلاد.
1964
عندما عاد من السوربون في 1964 كان يحمل معه تنظيرات مغايرة لجماعة الإخوان المسلمين التي كانت حتى ذلك الوقت مجرد تنظيم طلابي يهتم بالجوانب الدعوية والتربوية دون أنشطة سياسية تذكر.
بدأ الرجل في استقطاب الطلاب الإسلاميين ليكونوا أكثر فاعلية في الحقل السياسي ولمع نجمه عندما نجح في تعبئة الآلاف للخروج من جامعة الخرطوم إلى شوارعها وهم يهتفون بسقوط الحاكم العسكري إبراهيم عبود.
كان الرجل عنوانا لثورة أكتوبر التي أضفت عليه كاريزما مهدت له زعامة جماعة الإخوان المسلمين برؤى فكرية مغايرة لتلك المستمدة من الجماعة الأم في مصر والتي تسببت مساعيه لفك الارتباط بها تنظيميا إلى انشقاق لكنه لم يكن مؤثرا على تماسك التنظيم الناشئ.
1965
نزل الرجل بطلابه إلى الشارع لمنافسة القوى السياسية واسعة النفوذ في الانتخابات التي تلت إسقاط عبود ورغم حصوله على ثلاثة مقاعد برلمانية فقط إلا أنها كانت مؤشرا لشعبية اكتسبها لاحقا تنظيم الإسلاميين الذي برع بفضل زعيمه في خوض كل مرحلة بمسمى وأدوات مختلفة.
1969
سعى حفيد الشيخ ود النحلان إلى استثمار مناخ الحريات الذي وفرته الحكومة المنتخبة لتوسيع هياكل تنظيمه لكن خصمه التقليدي الأحمر قطع عليه الطريق في مايو 1969 ومع ذلك كان قد بلغ الثقل السياسي الذي جعل خصميه السابقين حزب الأمة والحزب الاتحادي يقبلانه ضلعا ثالثا في تحالفهما لمناهضة جعفر نميري.
1976
دخل سجون مايو أكثر من مرة في خضم تعبئته المستمرة لطلابه ودائرة المهنيين التي اتسعت وسط جماعته حتى تلك اللحظة الفارقة التي هزمت فيها قوات المعارضة المسلحة التي عبرت الصحراء من ليبيا في 1976.
1977
دفع فشل حركة محمد نور سعد التي لعب فيها الإسلاميون دورا، مؤثرا الترابي وحزب الأمة لإبرام اتفاق المصالحة مع نميري في 1977 والذي حل بموجبه الترابي نظريا تنظيمه منخرطا في الاتحاد الاشتراكي لكنه عمليا واصل تفعيل حزبه في السر مع نشاط اقتصادي جعله لاحقا من أثرى التنظيمات السودانية.
1985
وتسبب النشاط السري للجماعة في تجدد صراعها مع نميري إلى أن أعاد قادتها إلى السجون لكن ما شفع لهم أن ذلك تم قبل شهور قلائل من انتفاضة أبريل التي أطاحت نميري وأخرجتهم مجددا إلى الشارع الخالي من القيود.
1989
كان واضحا الفرق في أداء الإسلاميين وهم يستحوذون على الكتلة البرلمانية الثالثة التي مهدت لهم المشاركة في حكومة ائتلافية يقودها حزب الأمة قبل أن ينسحبوا لاحقا لتجريب حظهم في الانقلابات العسكرية في يونيو 1989.
1999
هندسة الانقلاب الإسلامية جعلت قطاعا عريضا ينظر للترابي على أنه الحاكم الفعلي وهو ما تسبب لاحقا في تفجير الخلافات بينه والرئيس البشير والتي انتهت بتجريد زعيم الإسلاميين من كل مناصبه ما بين العامين 1999 ? و2001 ليؤسس بعدها حزب المؤتمر الشعبي.
2008
قاد الرجل معارضة شرسة ذهبت به إلى السجن أكثر من مرة بدعاوى مختلفة منها التخطيط لانقلاب عسكري كانت أبرزها تلك التي تلت غزو حركة العدل والمساواة الخرطوم في 2008 لأنها لم تكن سوى ذراع عسكرية لحزبه وفقا للرواية الرسمية.
2014
وعلى نحو مفاجئ قبل الرجل مطلع العام 2014 دعوة الرئيس البشير إلى الحوار الوطني رغم مقاطعة غالبية فصائل المعارضة التي اتهمته بالسعي لتوحيد الإسلاميين كإجراء احترازي للهجمة التي يتعرض لها إخوانهم في المنطقة.
2016
وبغض النظر عن دوافع الترابي يبقى مؤسفا للآلاف من أنصاره أنه رحل قبل انتهاء عملية الحوار التي طالما قال الرجل إنها تمثل له تحديا شخصيا لحلحلة الأزمة السودانية بحروبها وانقساماتها السياسية واقتصادها المتداعي. وما يضاعف الأسف أيضا وسط أنصاره أن غالبيتهم يجمعون على أنه لا يمكن تعويض من يرونه “مفكراً استثنائياً”.
اليوم التالي
من يعزيهم؟” الآلاف من أنصار الترابي موجوعون من رحيله المباغت
اقتباس
كيف يكون مفاجئا والرجل عمره 84 عاما