جذور التطرف والإرهاب

دائما يولد الإنسان علي الفطرة السليمة وكل البشر علي درجة من المساواة بالميلاد ،ثم تبدأ البيئة والواقع في تشكيلهم فالبعض يسير علي نهج فطرته السليمة ويتوافق مع بيئته خالقاً شكلاً من التوازن وهذا النهج إتفق فيه عددا من الفلاسفة منهم جون لوك وجان جاك روسو،وأخرون تختل موازينهم بمغذيات الواقع ثم يتخذون منحناً مختلفا يصل لدرجة التطرف مؤيدين ما ذهب إليه توماس هوبز الذي قال:إن البشر بطبعهم أنانيون! لذا يتشبثون بالسلطة ولايتركون مجالاً للأخرين ومن ينافسهم يصنفونه عدواً لدودا ويحاربونه بأشرس ألياتهم،وأعتقد أن سلوكيات الحكام هذه نتاج لمترادفات واقعهم الإجتماعي وكينوناته.
فالبيئة لها القدح المعلي في تكوين الإنسان جسدا وروحا وكلٌ ينشأ حسب بيئتة ومن هنا نتج التزامن علي إن الإنسان إبن بيئته وجرت الصيرورة علي هذا المنوال،فمن حالفه الحظ ونشأ وترعرع في بيئه غنية بالتعليم والمعارف المتعددة،وزاخرة بالفنون وأدابها وسط مجتمع مترابط إجتماعيا ومزدهر إنسانياً تسمو فية قيم المحبة والتسامح،نال نصيبا وافرا من تلك القيم التي تتجسد عنده كسلوك يومي محسوس علي شاكلة إحترام الأخر وقبوله مهما كان درجة الإختلاف متخذا الحوار مدخلا إيجابيا وموضوعيا في حل كافة الإشكالات وتسويتها بصورة سلمية.أما الذي ينشأ في واقع ينعدم فيه التعليم أو فيه تعليما تلقينيا لا ينمي العقل،ومجتمع يسود فيه القهر ،الظلم،الإضطهاد،الإستلاب الثقافي ونظام حكم يتسم بالإستبداد ،المحسوبية والإقصاء يعتمد علي فرضية القوة والعنف،بالإضافة الي مؤسسات دينية وإجتماعية تكرس علي رفض الأخر كما ونوعا مع غياب الرؤي والمشاريع الهادفة،حتما سوف ينتج إنسان مشوه مصبوغ بكمية من الترسانات والغبونات السالبة التي تبحث عن موضع إنفجار تحت أي لحظة،وهذا مؤشر خطير يقوده لتبني منهج( الغاية تبرر الوسيلة )للوصول لمراده وغايته كي يعيد إنتاج نفسه مرة أخري في حقله ويمارس عليه الإضطهاد كما مورس فيه.!لذا دائما نجد الشباب الذين يحملون هذا النوع من العقليات ينجرفون وراء المليشيات والتيارات المتشددة،ويشكلون روافد قوية للإرهاب والإرهابيين الذين يستثمرون أفكارهم ومشاريعهم في مثل هذه البيئات لأنها تمتاز بخصوبة المناخ الإرهابي،وتكمن الخصوبة في توفر الالاف من الشباب بمؤهلات علمية وخبرات مختلفه في بنوك العطالة وهم تحت خط الفقر ولا يحملون أي مشروع أيدولوجي مشترك يحفزهم علي الصمود أمام التحديات.والمؤسف ان القوة العالمية تتصارع وتتقاطع مصالحها للإستحواز علي هذا الكم من الموارد البشرية التي تصلح كأليات لتحقيق اجندتها السياسية والإقتصادية أو المحافظة علي العظمة التي تمتلكها بزعزعة الأخر المنافس في مضمار القوة،والدليل علي ذلك بين وواضح في العاصفة التي ضربت مناطق مختلفه من العالم بالجماعات المتطرفة أمثال بوكو حرام،الأخوان المسلمين،داعش وغيرها وهي ظهرت فجأة بإمكانيات عسكرية ولوجستية مهولة بالإضافة الي تميزهم بإستخدام أحدث أنواع التكنولوجيا الحديثة فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة من أين لهم بكل هذا القوة!؟ لأن السماء لم تمطرهم من بين أضابيرها بكل هذة الاسلحة والدبابات والدولارات علما بأن المرتبات في دولة داعش تبدأ من ثمانمائة دولار!والغريب هو تزايد معدل استقطابهم العالمي للشباب بصورة يومية حسب ماتذكره وسائل الإعلام ،وأكد الناطق الرسمي بإسم الحكومة التونسية بأن هنالك 2600من التونسيين يقاتلون مع داعش و8500 تم منعهم من الذهاب ومئات من بقية الدول ينحدرون إليها وهذا يؤكد أن معظم الحكومات تصنع الإرهاب عن طريق مصادرتها لحقوق الشعوب في الحياة الكريمة بإغلاق كل منافذ الضوء أمامهم بالإضافة الي تمسكها عنوة بالحكم دون مشروعية والبقاء لأمدٍ طويل،إذن كل هذا وذاك يدفع الشباب دفعا نحو ممارسة الإرهاب والإحتراق إختياريا أو إجباريا في المحارق الداعشية والبوكوحرامية في محاولات يائسة لإستعادت الذات المفقودة،وفي تقديري أن طريقة الإنتحار هذة غير مبررة وغير مجدية لأنها تحقق أهداف الغير !،كما أن الهروب من أي واقع وعدم مواجهته يزيد من أزمته فالأفضل مواجهة الإرهاب الداخلي وإستئصاله من جذوره عبر تجفيف منابعه وهذا يضمن إسترداد الكرمة الإنسانية من ثم العمل علي مواجهة الإرهاب الخارجي المصدر بإيقونات مختلفة.
بقلم/صالح مهاجر

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هنالك شيء مهم جدا لم يتطرق إليه الكاتب : نعم البيئة لها تأثير كبير على سلوك الإنسان لكن بالبيئة المقصود حتى بيئة المنزل ، فكثير من المشاركين مع داعش و من قاموا بالذبح على الشاشات هم من ولدوا و تربوا في بيئة ثقافتها قبول الآخر و عدم أخذ البريء بجريرة المذنب و رغم ذلك ذبحوا صحفيين و عامل إغاثة متطوع لا ذنب لهم فمن أين أتت جرثومة التطرف و الإرهاب و الإجرام و الذبح ؟ عندما تعيد الأسر انتاج أجيال على شاكلتها رغم وجودهم في مجتمعات منفتحة فإن بعضهم يكون أسوأ من أولئك الذين نشأوا في بيئات متخلفة … يظن البعض أن الغرب لا يعرف ذلك ، لا ، يعرف و لكن هناك قيم تمنعه من التصرف بردة الفعل ، غير أنه من المؤكد أن الظروف السياسية و المجتمعية و المعارف ستنضج للالتفات لأصل المشكلة ، لذلك لا تستغربوا إن قامت الدول الأوربية و أمريكا و حتى كثير من الدول الآسيوية بإجراءات تضييق على المسلمين ، بريئهم و مذنبهم … هذا ما كنا نتخوف منه لكنه قادم بلا شك .

  2. هنالك شيء مهم جدا لم يتطرق إليه الكاتب : نعم البيئة لها تأثير كبير على سلوك الإنسان لكن بالبيئة المقصود حتى بيئة المنزل ، فكثير من المشاركين مع داعش و من قاموا بالذبح على الشاشات هم من ولدوا و تربوا في بيئة ثقافتها قبول الآخر و عدم أخذ البريء بجريرة المذنب و رغم ذلك ذبحوا صحفيين و عامل إغاثة متطوع لا ذنب لهم فمن أين أتت جرثومة التطرف و الإرهاب و الإجرام و الذبح ؟ عندما تعيد الأسر انتاج أجيال على شاكلتها رغم وجودهم في مجتمعات منفتحة فإن بعضهم يكون أسوأ من أولئك الذين نشأوا في بيئات متخلفة … يظن البعض أن الغرب لا يعرف ذلك ، لا ، يعرف و لكن هناك قيم تمنعه من التصرف بردة الفعل ، غير أنه من المؤكد أن الظروف السياسية و المجتمعية و المعارف ستنضج للالتفات لأصل المشكلة ، لذلك لا تستغربوا إن قامت الدول الأوربية و أمريكا و حتى كثير من الدول الآسيوية بإجراءات تضييق على المسلمين ، بريئهم و مذنبهم … هذا ما كنا نتخوف منه لكنه قادم بلا شك .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..