محجوب شريف والعجوز والفصل : بخت الرضا المضادة ..

د. عبد الله علي إبراهيم
محجوب شريف والعجوز والفصل: بخت الرضا المضادة ..
“من كتابي: بخت الرضا: الاستعمار والتعليم، دار الخرطوم للصحافة والنشر، 2103 ”
وددت لو عطلنا إعجابنا المشروع بمحجوب شريف الشاعر الثوري إلى حين لنعجب بمحجوب شريف التربوي. ومحجوب من غرس بخت الرضا. فقد تدرب كمدرس أولية على سنة بخت الرضا ومنهجها. ودرس بالمدارس الأولية زمناً وما زال محجوب في قرارة نفسه مدرساً قبل أن يكون شاعراً. ربما. ومن المؤكد أنه أحب من بخت الرضا أشياء وكره منها أشياء كثيرة من غير تصريح أو تنظير. وقد بدا لي دائماً في تجاربه التربوية في مدرسة الأحفاد في التسعينات وفي مؤسسته “نفاج”، التي يديرها بالتعاون مع مركز عبد الكريم ميرغني، أنه “بخت الرضا المضادة”. وتمثل تضاده لبخت الرضا في مسألتين. فهو أولاً شديد الاقتناع أن محيط المدرسة السودانية عامر بالثقافة لا كنصوص فحسب بل كممارسة في الأريحية والفضل والتراحم ورباطة الجأش وغيرها. وهو خلافاً لبخت الرضا، التي بخست قدر السودانيين من الثقافة، يريد لتلاميذه أن يتصلوا بتلك الثقافة نصاً وممارسة، لكي ينشأوا على خلق عظيم. وقد سبق له أن قال ذلك شعراً: “والشارع مدرسة شعبية”. ومن الجهة الأخرى استقدم محجوب إلى دائرة التعليم معلمين ومادة غير ما اتفق لبخت الرضا. فقد ألف بين الصغار والحبوبة الراوية الحجاية بصورة لم يسبق إليها كما وضع نصوصاً لم ينظر فيها إلى محفوظات بخت رضا المستكرهة كما رأينا عبد الله الطيب يصفها. وطلب في كل ذلك أن يستثير خيال الأطفال حول وقائع محيطهم الاجتماعي حتى تنطبع فيهم انطباعاً حسناً وتبقى فيهم ينبوعاً للرجاحة في طلب التغيير والخير لبلدهم.
تعين محجوب معلماً بمدرسة الأساس بالأحفاد في التسعينات الأولى برغبة من مجلس الآباء بعد فصله للصالح العام بعد قيام دولة الإنقاذ. وقد وفرت له المدرسة مناخاً طليقاً يجرب فيه “مدرسته المفتوحة على الشارع” أو “مسرح الشارع” كما وصفها ضاحكاً. وسنرى هنا صورة لتجربة تربوية ربما تطرف فيها محجوب سباحة ضد تيار بخت الرضا. فلم تكن حصص محجوب تنعقد في فصل بحيطان معلومة. فقد كسر محجوب الحائط الرابع، بلغة المسرح، وراح يأخذ تلاميذه إلى الطرقات ليتلقوا العلم مما أفاء به الله على أهلهم العاديين. وهو علم ازدرته بخت الرضا وساء ظنها فيه (أو أساءت تقديره بالأحرى) حين وصفت مجتمع المدرسة بالخلو من الثقافة. وقد ساقتها هذه الخلاصة المجازفة عن ثقافة السودانيين إلى الاستثمار في المدرسة لجعلها المؤسسة الغنية لمجتمع معلم الله من المعرفة كما رأينا. فمتي سار محجوب مع تلاميذه في الشارع كان يعلمهم قاعدة المفرد والمثنى والجمع بجعلهم يعدون شبابيك منزل ما: شباك شبكان شبابيك. أو ربما أطلعهم على مترادفات شباك مثل “نافذة: نافذتان ونوافذ”. وكان لمحجوب مطلباً أبعد من مجرد قواعد النحو. فهو كان يريد لهم أن يأمنوا للشارع: لسابلته ولخلطته وضوضائه ولغته، أي لوطنهم. فحدثني عن كيف اعترض مسارهم يوماً كلب نابح ارتعدت فرائص التلاميذ منه. ولكن سرعان ما خرجت صاحبة الكلب، وكانت فيها بسطة في الجسم، وقالت لهم ألا يخافوه فهو كلب هادئ لا يعض. ورد عليها تلميذ أنه ربما لم يعضها لأنها سمينة. فواصلت تطمئن التلاميذ على وداعة الكلب. وقال محجوب إنه اعتبر هذه الواقعة درساً في طمأنينة التلاميذ لحقائق شارعهم وأهلهم. وما أبلغه من درس.
وحدثني محجوب عن لقاء آخر لفصله بامرأة. وكانت مسنة. ولما طلبوا الحديث إليها أنزلت قفتها من على رأسها وجلست على مصطبة أحد المنازل. وكان محجوب ينتهز حديث المرأة لتلاميذه لتوسيع مدركهم اللغوي وبيان قواعد العربية لهم. فهو يتسقط ألف المد وواوه وغيرها من حوار الفصل والعجوز ويشرح نحوها. ولابد أن ذلك كان يوماً سعيداً للعجوز أنست إلى أحفاد لم تتصور أن تلقاهم أو أن يهتموا بها. وبينما هم جلوس جاء صاحب المنزل يحمل عصيراً في حفاظة سقى العجوز والفصل. وقال لي محجوب إن الذي سيبقى مع هؤلاء التلاميذ ما عاشوا هو أريحية العجوز السعيدة بهم وبأسئلتهم وأريحية هذا المضيف الذي سقاهم شراباً طهورا طرباً بلقاء الأجيال على مصطبته.
والوجه الآخر لتضاد محجوب مع بخت الرضا أنه أثرى طاقم التدريس بجمع التلاميذ بالحبوبة كمثقفة ومدرسة. وقد تناغم محجوب، درى أو لم يدر، في هذا الجراءة مع دعوة عبد الله الطيب لبدء تعليم العربية بالحكايات الشعبية كما رأينا في بابنا عنه في هذا الكتاب. وقد توافر لمحجوب أن يدعو الحبوبة لتدلي بدلوها التربوي في تجربته “نفاج” وهي ورشة لصناعة الخيال المحض بالحارة 21 بالثورة أم درمان. ومن عناصر خطة محجوب لإطلاق شراع خيال الأطفال المحرومين أنه يجمع “الهكر” من البيوت ويبذله لهؤلاء لأطفال في ورشة نفاج ليجعلوه خلقاً جديداً ويعرضونه للبيع. وقد اقتنى محجوب البص أصلاً كمكتبة متحركة تطوف بالأحياء المزقولة والمطرودة ليبلغ الكتاب أطفالها. ومحجوب يحتفظ لمدرسة بخت الرضا التقليدية بالجميل لجعلها المكتبة مرفقاً مركزياً في التعليم. والمعروف أنه قام بمشروع ناجح لاستعادة المكتبة المدرسية خلال عمله بقسم المناشط التربوية بمدينة أم درمان بعد انتفاضة أبريل 1985. وهو مشروع يفخر به ويذكر بالعرفان الزمالة العظيمة التي اكتنفته بقسم المناشط حتى أثمر.
ومن الجهة الأخرى فقد استبدل محجوب محفوظات رضا المستكرهة كما وصفها عبد الله الطيب من مثل” أشرقت شمس الضحى” ببعض تآليفه من الشعر السائغ الذي اشتهر به. فقد كتب لتلاميذ مدرسة الأحفاد أساس نشيداً صار علماً للمدرسة:
البنت والولد
لرفعة البلد
كلاهما غداً يزيدنا عدد
كلاهما غداً لمجده مدد
أو في قول أم عن ولدها “أحمد”::
أحمد جاء
نكتب اسمو نتهجاه
ما قصر معاي في البيت
ولا خلانا نترجاه
فالح ربنا يخليه
ومن شر الكضب ينجاه
أبويا أنا جدكم رباه
زمانك، نَوّمو وحجاه
وقد صدر بعض هذا الشعر في كاسيت معروض للبيع.
إن محجوب معدن تربوي لا ينضب. وقد غطت ثوريته الشعرية على أخطر ثوريات محجوب طرا. وهي تلك التي ترخي لخيال التلاميذ أعنة الطلاقة. فقد بدأ من بخت الرضا ورأى انغلاق تجربتها عن مرجعية الشارع السوداني. ولتنميه هذا الخيال كسر محجوب الفصل المدرسي طق. وهذه ثورة الشاعر على “اعتقال الخيال” التحفظي. فالشاعر وحده الذي يرى الخيال كاستثمار مضمون الريع بينما تأتمر عليه كل القوى الأخرى مثل الحكومة والأحزاب والعائلة والمدرسة. فكلها تأتمر عليه تريد تدجينه أو تلويثه لصالحها.
د. عبد الله علي إبراهيم
[email][email protected][/email]



احداً احد انت الابو وانت الولد
خلانا فات ساب الرفات
ما قالوا ماااااااات
شوف الصحف اقروا المجلات
ود شريف ساب الملذات
دا العمروا ماخان الامانات
وللجناان محفوظة قامات
هذا رجل لا يرحل.
01- محجوب شريف رائع … رحمه الله وطيّب ثراه … لكن بخت الرضا … أروع من عبدالله علي إبراهيم … وأروع من عبد الله الطيّب … وأروع من محمود شريف … لأنّها كانت مدينة عالميّة إنتاجيّة ذكيّة … قائمة وسط مشروع زراعي رعوي … دمّرته مايو الشيوعيّة … عندما حاربت المُدن الإنتاجيّة الذكيّة … المربوطة بالعلم والبحث والتعليم … والمسمرح والفنون والثقافة … ؟؟؟
02- ولكنّ جعفر نميري … رحمه الله وطيّب ثراه … قد تجاوز الشيوعيّين الفهلوانيّين … إثر ثورتهم التصحيحيّة التآمريّة الغبيّة … وأنشأ مدينة وشركة كنانة الإنتاجيّة الذكيّة … وحاول أن يعيد بخت الرضا إلى سيرتها الأولي … ويبني آلاف المدن مثل مدينة كنانة الإنتاجيّة الذكيّة … ومدينة بخت الرضا التعليميّة الإنتاجيّة الذكيّة … ولكنّ الشيوعيّين قد ألّبوا ضدّة حركة جون قرنق … الماركسيّة اللينينيّة التدميريّة التقتيليّة الغبيّة … فمنعت نكرير البترول في كوستي … ملتقى النقل النهري والسكك الحديديّة … التي دمّرها جون قرنق لاحقاً … قبل ان تُحاصر أميريكيّاً … دعماً لجون قرنق … وكانت تلك المدن الذكيّة … تحتاج إلى أن تكون مربوطة ربطاً جدوائيّاً … بالأسواق العالميّة … كما أنّها كانت تحتاج إلى كهرباء موارها أحفوريّة أو هايدرومائيّة … في بداية الأمر … ولكنّها … في المستقبل … سوف تنتج طاقتها الكهربائيّة … من المنتجات والمخلّفات العضويّة … المتجدّدة أتوماتيكيّاً بتجدّد الطاقة الشمسيّة … التي يمتصّها النبات … ويحوّلها إلى طاقة حيويّة … يمكن أن تكون مورداً مُتجدّداً … من موارد توليد الطاقة الكهربائيّة … ؟؟؟
04- التحيّة للجميع … مع إحترامنا للجميع … ؟؟؟
حبيب الشعب فقيد الوطن ابو مريم ومي السودان كله يبكيك من نمولي لحلفا شرقا وغربا…فقد كنت عصياً علي الشياطين ما إستطاعوا شراء ذمتك ولا تخويفك ولاتهديدك ولا تكميم فمك ،انت لم تموت يا أبو مريم ومي انت في قلوب كل ابناء شعب السودان ،اشعارك باقية تبث الرعب في قلوب كل الطغاة واللوصوس …صدقك… شرفك …وفاءك… عهودك… اخلاصك…شجاعتك حبك…أمانتك … زهدك… كلها باقية خالدة ،دروس وعبر لمن احبوك ويتمنون أن تعمر طويلاً بينهم ،ولمن يكرهونك وقتلوك قبل ان تموت ،انت مدرسة فريدة انت انت الحي يا أبو مريم ومي ،ونحن الاموات نعم نحن الاموات لاننا لم نستطع ان نوصل رسالة قوية علي مدار خمسة وعشرون عاماً فقد رحلت عملاقاً ، وتركتنا نحن الاقزام نعيش هامش الحياة وإرتضينا الذل والهوان… شكراً لك الاستاذ الكاتب عبدالله علي إبراهيم والسفير والدبلوماسي السابق
دكتور السجم و الرماد
المتمسح بالجبهجية
تكمُن قيمة محجوب شريف في مبدأيته وثباته على مبادئه، دونما تلون أو حذلقة، يقول رأيه بكُل وضوح وبساطة.