مقالات وآراء سياسية

اللغة و القرآن و التاريخ (7)

زين العابدين حسن

يحق لنا أن نتساءل (هل كل ما أورده ابن هشام نقلا عن ابن اسحاق صحيح؟) يمكن الإجابة باطمئنان : (لا) … ما هي الشواهد على ذلك ؟ يكفي اتهام ابن اسحاق بتأليف أشعار كثيرة حذفها ابن هشام ، بعضها منسوب لأقوام عاد و ثمود و بعضها لغير الناطقين باللغة العربية و بعضها قيل عنها إنها يصعب تسميتها بالشعر . تأثير ابن اسحاق على مجمل التاريخ الإسلامي كبير جدا ، فنجد الرواة و المفسرين يقتفون أثره باختراع أسماء عربية لعدد كبير من الشخصيات غير العربية في مصر الفرعونية أو في فارس … الخ . لكن هل كل ما رواه ابن اسحاق مختلق ؟ من الصعب جدا القول إن كل ذلك مختلق ، فالرواية متماسكة و تبدو علاقتها واضحة بالقرآن و يندر وجود تناقضات في الأحداث … في رأيي من المستحيل خلق اشخاص و أحداث و اماكن بضخامة تلك الرواية ، صحيح هناك الكثير في الرواية مما يمثل إشكالية (كقصة أصحاب الفيل ، التي لا يوجد دليل من القرآن أو السنة على حدوثها في مكة و لا يحددان لها تاريخا معينا ، ربما حدثت في مكان آخر و في زمن مختلف ،  خاصة بعد اكتشاف نقش أبرهة الذي حكم اليمن حتى 565 م بحد أقصى حسب الوثائق المكتشفة و تاريخ غزوه لمكة حسب ابن اسحاق 571 م و هو العام الذي يؤرخ لميلاد النبي (ص)) .. نقش أبرهة نقش أثري يوجد في موقع مريغان الاثري بتثليث جنوب  السعودية ، تم اكتشاف النقش عام 1951م ، منقوش في صخرة على إرتفاع 7 أمتار ، طوله 5 أمتار ويتكون من عشرة اسطر تحوي 440 رمز و يحكي عن حوادث و معارك حدثت قبل (18 إلى 23 عاما) من التاريخ المفترض لحادثة أصحاب الفيل و في مكان يبعد قرابة 600 كيلو متر من مكة حسب الطريق المعبد اليوم ، الأحداث المدونة على النقش لا تأتي على ذكر فيل أو افيال …. إذن الأمر وسط بين أولئك الذين يعتبرون أن رواية ابن اسحاق فوق النقد “عدا بعض ما يسمونها بالمراسيل و الهنات … المراسيل جمع مُرْسَل و هو قسم من اقسام الحديث الضعيف و هو الحديث الذي ينتهي عند الصحابي من غير أن يرفعه للنبي” و بين اولئك الذين ينكرون الرواية جملة و تفصيلا . يقودنا ذلك لإلقاء نظرة على رؤية و رواية المستشرقين الجدد و معهم المؤرخين و المجتهدين الجدد للتاريخ الإسلامي .

أساس الرواية يقوم على ان الإسلام ظهر في الشام (البتراء) و انتشر من هناك للجزيرة العربية و لم يظهر أول أمره بمكة كما تقول الرواية السائدة . نشَر هذه الرواية على على نطاق واسع المستشرق دان جيبسون (كندي مولود سنة 1956 م) و يمكن القول إنه امتداد لمدرسة باتريشيا كرون التي ألفت كتاباً اسمه الهاجرية تدعي فيه أن محمداً اقتبس ما جاء به من اليهودية  و هي متأثرة بكتابات استشراقية مثل كتابات أبراهام جايجر (و غيره) التي تزعم أن القرآن عبارة عن اقتباس و تحوير للكتاب المقدس اليهودي التناخ (التناخ هو الكتاب المقدس اليهودي و مكون من ثلاثة أجزاء : التوراة (الشريعة).، الأنبياء: (نيفيئيم)  .، الكتابات (كتوفيم) الأدبيات) … الشائع لدينا هو تسمية الكتاب المقدس لليهود بالتوراة ، أحيانا يطلق اسم التوراة على الكتاب المقدس اليهودي كله ، لكن كما راينا أن التوراة جزء منه و كلمة توراة  تعني الشريعة أو التعليم أو التوجيه و تشمل الأسفار الخمسة : سفر التكوين (قصة خلق العالم و خلق آدم و حواء…الخ) يليه سفر الخروج (خروج اليهود من مصر و قصة سيدنا موسى …الخ) يليه سفر اللاويين (الأحبار و تشريعات الحرام و الحلال و الفرائض و الحدود …) يليه سفر العدد ثم سفر التثنية . يدّعي أولئك المستشرقون أنه مع الاقتباسات من المقدس اليهودي هناك اقتباسات من التفسيرات الحاخامية غير الموجودة فيه (كقصة تكسير سيدنا إبراهيم لآلهة قومه و قصة إلقائه في النار و تقطيع النسوة لأيديهن في قصة سيدنا يوسف مع امرأة العزيز و قصة الرابي و تلميذه “موسى و الخضر ” و غيرها من القصص التي لم ترد في التناخ لكنها وردت في تفسيرات الحاخامات في المدراش (المدراش سلسلة مجموعة من التعليقات القديمة على كل أجزاء التناخ مكتوبة بواسطة حاخامات اليهود) و الهاجادة (و هي تفاسير وتآويلات للنص المقدس ، و ذلك بإضافة أساطيرغير مذكورة في النصوص الشرعية للكتاب القدس، بأسلوب وعظيّ أو أخلاقيّ). و بعضها في الكتب المنحولة غير المعترف بها “أبو كريفا” ، مع تكرار و تحوير ما ورد في التوراة من قصة الخلق و جنة عدن و الطوفان حسب زعمهم .. الخ ، اسمت كرون كتابها بالهاجرية نسبة لفرقة يهودية تتسمى بهذا الاسم تؤمن و تنادي بالعودة إلى ارض الميعاد (سلف الصهيونية) و ترى كرون أن سكان شمال الجزيرة العربية هم من كانوا ينادون بذلك و من هنا ترى ان الإسلام نشا في الشمال و ليس الحجاز . جاء بعدها توم هولاند و دان جيبسون فتم تبني نظرية أن الإسلام نشأ في الشمال و في البتراء بالذات . على ماذا استند دان جيبسون في تبنيه لوجهة النظر هذه؟ (ساعرض وجهة نظره في الحلقة القادمة و أعلق عليها في النهاية مع التعليق على نظرية المؤرخين الجدد) ..

 

زين العابدين حسن

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..