مقالات وآراء

الاتفاق الإطاري هو الاتفاق النهائي

 

محمد سليمان عبدالرحيم

 

خطة الحرية والتغيير لبيع الثورة بالتقسيط المريح

مشروع الوثيقة الدستورية أصبح أساساً للحل دون أن تجيزه أي هيئة في الحرية
والتغيير

 

في مثل هذا الوقت من العام السابق كانت الحرية والتغيير تهتف بحلاقيم عالية أنه لاتفاوض، ولا شرعية ولا شراكة، فلماذا آلت الأمور الآن إلى هذا الوضع البائس، وإلى اتفاق أسوأ من ذلك الذي رفضته الحرية والتغيير والجماهير كلها في نوفمبر من العام الماضي؟ لماذا بعد “لا تفاوض” انغمست الحرية والتغيير في أسوأ تكتيكات المفاوضات، ولماذا بعد “لا شرعية” يتم منح العساكر الشرعية على طبق من ذهب باتفاق منقوص وضعيف وجائر، ولماذا بعد “لا شراكة” تعقد الحرية والتغير شراكة لا مع العساكر وحدهم وإنما مع بقايا نظام الإنقاذ والثورة المضادة. يقول أبو الطيب المتنبي “وإذا كانت النفوس كباراً ….. تعبت في مرامها الأجسام”، فهل يرتجى من صغار النفوس إلا ما حدث؟!!!

تقول الحرية والتغيير إنها توصلت لاتفاق مع العساكر حول الكثير من القضايا الأساسية ولم يتبق إلا بعض تفاصيل تتعلق بأربعة قضايا، وأن لديها خطة لتوقيع اتفاق إطاري مع العساكر حتى لا يتراجعوا عما تم الاتفاق عليه بينما يتواصل التفاوض حول تلك التفاصيل والتي ستضمن في اتفاق نهائي حال الاتفاق عليها. في اعتقادي أن هذه خدعة من قبل الحرية والتغيير وأن الاتفاق الإطاري هو في حقيقة الأمر، وبصورة أو بأخرى، الاتفاق النهائي، ولن يكون هناك اتفاق نهائي غيره أو بتعديلات طفيفة عليه لا تغير شيئاً في جوهره، وسأشرح أسباب اعتقادي هذا في نهاية هذا المقال. الآن، لماذا حدث كل هذا التراجع في مواقف الحرية والتغيير؟ نقول، باختصار شديد:
1. الحرية والتغيير كيان معطوب داخلياً، قائم على ممارسات تمكن مجموعة صغيرة من تنظيماته (المجموعة المسيطرة)، لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، من التحكم في كل قراراته وأعماله بعيداً عن المؤسسات التي تستخدم فقط للبصم على قرارات لم تشارك في صناعتها أو إتخاذها. كمثال، يكفي أن نقول أن شخصاً واحداً في الحرية والتغيير يملك ويتحكم في أكثر من عشرة (10) مقاعد وأصوات في المجلس المركزي وهو ما يفوق ما يمتلكه أكبر حزب في التحالف، وأن هذا الشخص (قدس الله سره) هو الوحيد الذي ظل عضواً في كل وفد، وحاضراً في كل اجتماع رسمي أو غير رسمي، وهو لوحده المتفق عليه كحلقة وصل بين المدنيين والجانب العسكري.
2. المجموعة المسيطرة تدرك أنها، بحكم عزلتها وخفة وزنها، عاجزة بمفردها من تحقيق أي تسوية سياسية تلبي أهداف الثورة، وأنها لا يمكنها تحقيق مثل تلك التسوية إلا من خلال جبهة مدنية ديمقراطية واسعة تضم كل قوى الثورة. بيد أن هذه المجموعة تدرك أيضاً أن قيام مثل تلك الجبهة الواسعة سيضرب أهدافها في الصميم، لأنه سيعيدها إلى حجمها الطبيعي، وسيحول بينها وبين الاستحواذ على أكبر قدر من السلطة والمناصب كما ترغب. لحل هذه المشكلة، قامت هذه المجموعة بتبني الدعوة لتكوين الجبهة المدنية الواسعة، ولكن على طريقة (المراكبية) فقط، أما على أرض الواقع، فقد كانت تواصل التفاوض مع العساكر، بحيث تقطع الطريق على وتحول دون بناء تلك الجبهة. وفي إطار تلك المفاوضات السرية، كانت تحث الخطى للتوصل إلى تسوية تبدو ظاهرياً بأنها تحقق أهداف الثورة، ولكنها في الحقيقة تحقق أهدافهم هم بالدرجة الأولىى.
3. المجموعة المسيطرة تعرف أيضاً أن إعلان تسويتهم الخاسرة مع العساكر دفعة واحدة سيدفع قوى الثورة والشارع إلى احتجاجات ومواجهات جماهيرية واسعة قد تحبط تلك التسوية وتجهضها، كما حدث مع اتفاق 21 نوفمبر 2021. لذلك، فقد رسمت خطة هذه المجموعة على إعلان تلك التسوية بالتدريج، وعلى مراحل، وبالتقسيط المريح، من خلال إطلاق بالونات الاختبار، والإعلانات والإعلانات المكذبة والمتضاربة، وتجزئة القضايا، والاجتماعات الرسمية أو غير الرسمية، وهل ما يتم هو اتفاقات أم تفاهمات… إلخ، حتى يستيقظ الناس ذات صباح ليجدوا الصفقة وقد اكتملت بينما تكون طاقاتهم قد استنفذت تماماً في مواجهات المراحل السابقة والمعارك الجانبية.
4. أخيراً، فإن سياسة إعلان التسوية بالتدريج والتقسيط هذه لا تطبق على الجماهير والقوى خارج الحرية والتغيير فقط، وإنما تطبق أيضاً على التنظيمات الأخرى، من غير المجموعة المسيطرة، داخل الحرية والتغيير ذاتها.

تتحدث الحرية والتغيير كثيراً عن التعقيدات التي تكتنف العملية السياسية، ولكن، وفي حقيقة الأمر، فإن معظم هذه التعقيدات إنما هو من صناعة الحرية والتغيير نفسها جراء ممارسات عدم الشفافية ومجافاة المؤسسية والخداع والتمويه. كمثال على ما ذكرناه أعلاه، سنستعرض فيما يلي حالة مشروع الوثيقة الدستورية التي أعدتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، ثم ننتقل بعد ذلك إلى ما سمي بالاتفاق الإطاري الذي سيبنى عليها.

لقد قامت المجموعة المسيطرة بتكليف اللجنة التسييرية بإعداد تلك الوثيقة غير أن المجموعة اختفت من الصورة وتركت الأمر يبدو وكأنه مبادرة مستقلة من التسييرية ولا علاقة له بالحرية والتغيير. لم تكتف تلك المجموعة باستخدام تسييرية المحامين لإعداد مشروع الوثيقة الدستورية فقط، وإنما استخدمت عملية إعداد مشروع الوثيقة كستار لبناء تحالف جديد مع جهات ظلت جزءاً من نظام الإنقاذ حتى آخر لحظات سقوطه مثل حزب الإتحادي الديمقراطي الأصل وحزب المؤتمر الشعبي. عند اكتمال إعداد الوثيقة الدستورية، لم تقم الحرية والتغيير بمناقشتها أو اتخاذ أي قرار بشأنها في أي من هيئاتها الرسمية وإنما تركت ذلك للجهات الأخرى. لكن، وفجأة، أعلن الطرفان العسكريان قبولهما بتلك الوثيقة كأساس للتسوية، ثم توالى الترحيب من كل الآليات، الثلاثية والرباعية وغيرهما. هكذا، وفجأة، وبفعل فاعل ما، وبقدرة قادر، (تموضعت) تلك الوثيقة، كما قال بيان للحرية والتغيير، كأساس للتسوية السياسية، دون أن يكون لقوى الحرية والتغيير أي دخل في ذلك، قدر الله .. وما شاء فعل!

قامت الحرية والتغيير بالدعوة لاجتماع للمجلس المركزي يوم الأحد 13 نوفمبر ليس لمناقشة رؤيتها “حول أسس ومباديء الحل السياسي” التي كانت قد طرحتها وآراء التنظيمات حولها، ولا لمناقشة مشروع الوثيقة الدستورية، وإنما لمناقشة ملاحظات العساكر على الوثيقة الدستورية. بعد لأي وافقت المجموعة المسيطرة على إعطاء زمن للتنظيمات لمناقشة تلك الملاحظات داخل مؤسساتها أولاً، على أن تعود بملاحظاتها مكتوبة لتناقش في اجتماع تال للمجلس المركزي يعقد يوم الأربعاء 16 نوفمبر. في اجتماع المركزي يوم الأربعاء لم تناقش ردود التنظيمات على ملاحظات الإنقلابيين كما كان مقرراً، وإنما تم تحويلها للجنة لدراستها، وبدلاً من ذلك تم طرح تصور لجنة الاتصالات عن الاتفاق ذي المرحلتين (الإطاري والنهائي) والذي قدم شفاهة ولم يكن مضمناً في وثيقة محددة مكتوبة كما يوحي بيان الحرية والتغيير. هذا يعني، إجمالاً، أن الحرية والتغيير قد انتقلت لمناقشة خطة لإكمال الاتفاق مع العساكر بناء على مشروع الوثيقة الدستورية المقدمة من تسييرية نقابة المحامين دون أن تجيز أو حتى تناقش تلك الوثيقة، ودون أن تناقش أو تقبل أو ترفض ملاحظات العسكريين عليها، ودون أن تناقش أو حتى تنظر في ردود أحزابها هي ذاتها على ملاحظات العسكريين!!

في اجتماع المجلس المركزي بتاريخ 16 نوفمبر، عرضت المجموعة المسيطرة اقتراحاً للإتفاق على مرحلتين يتم في المرحلة الأولى تثبيت ما اتفق عليه في اتفاق إطاري ريثما يكتمل التفاوض حول تفاصيل أربعة قضايا ومن ثم يوقع الاتفاق النهائي. صيغة الاتفاق الإطاري المزمع نفسه لم تطرح لإجازتها، ولكن المجموعة المسيطرة اعتبرت أن عدم وجود اعتراض على اقتراحها يعني إجازة نهائية للاتفاق الإطاري. وبينما كانت العديد من التنظيمات تعتقد أنها إنما أجازت مقترحاً عاماً فقط وفي انتظار أن تعرض عليها الاتفاقات نفسها لاحقاً لتقول رأيها النهائي قبولاً أو رفضاً، كانت المجموعة المسيطرة تضمر أمراً آخر وهو أن إجازة ذلك الاقتراح كان هو آخر المطاف فيما يتعلق بدور الحرية والتغيير، حيث أن قبول أو رفض الاتفاقات الإطارية والنهائية نفسها والتوقيع عليها لن يكون من شأن الحرية والتغيير وإنما سيكون أمراً يخص كل حزب وكل تنظيم بمفرده، كما ذكر السيد جعفر حسن في تصريحاته الصحفية اللاحقة. لابد أن نذكر هنا أن السيد جعفر حسن لم يشر في تصريحاته تلك لأي جهة مختصة داخل الحرية والتغيير أصدرت ذلك القرار، ولكن هذه عينة من طريقة إصدار القرار داخل هذا التحالف. إن توقيع الأحزاب منفردة على الاتفاق الإطاري هو خدعة فطيرة تحاول الحرية والتغيير من خلالها غسل يديها مما جنته، ثم تختفي من الوجود، بحيث يتفرق دم المسؤولية بين القبائل والأحزاب، خاصة وأن الحرية والتغيير، ووفقاً للوثيقة الدستورية الانتقالية المتفق عليها، لن تكون طرفاً في الترتيبات الدستورية القادمة ولا في السلطة الإنتقالية التي سيتم تكوينها، وإنما سيحل في مكانها تحالف جديد يسمى “القوى الموقعة على الإعلان السياسي”.

فيما نعلم، فإن الحرية والتغيير لم تصدر أو تتبنى أو توافق على أي إعلان سياسي محدد حتى الآن، غير أن هناك وثيقة بهذا الاسم مجهولة المصدر متداولة في الأسافير، وينسب لبعض الأحزاب والتنظيمات التي ظلت جزءاً من نظام الإنقاذ إلى لحظة إسقاطه ، مثل الإتحادي الديمقراطي الأصل والمؤتمر الشعبي وأنصار السنة، أنها قد وقعتها. من المريب بالطبع أن توافق الحرية والتغيير على كون إعلان سياسي لم تشارك في صياغته أو لم تجزه، يصبح أساساً لوثيقة دستورية حاكمة وأن تكون الجهات التي وقعت أو ستوقع عليه هي التي ستشكل مؤسسات الفترة الانتقالية. !! لقد (تموضعت) الوثيقة الدستورية لتسييرية نقابة المحامين من قبل هكذا، ومن المؤكد الآن أن هذا الإعلان السياسي مجهول المصدر سيقدر له أيضاً أن (يتموضع) هكذا، ليصبح مع وثيقة تسييرية المحامين هو قاعدة الفترة الانتقالية القادمة.

إن خطة الحرية والتغيير للاتفاق على مرحلتين ما هي في اعتقادي إلا محاولة لإخراج التسوية التي تم التوصل إليها بصورة أقل حرجاً للحرية والتغيير وأقل إيلاماً ومرارة في حلوق الجماهير، و عليه فإن ما يسمي بالاتفاق الإطاري .. سيكون هو نهاية الأمر .. الاتفاق النهائي، للأسباب التالية:
1. إذا كان العساكر قد توصلوا لتسوية قائمة على وثيقة دستورية لاتتضمن القضايا الرئيسية والجوهرية الأربعة التي لهم اعتراضات وتخوفات كبيرة منها وهي العدالة، وخاصة فيما يتعلق بمجزرة فض الاعتصام ومجازر ما بعد 25 أكتوبر 2021، والإصلاح الأمني والعسكري، وتفكيك دولة الإنقاذ، وتعديل اتفاق جوبا للسلام، فما الذي سيجبرهم على قبول اتفاق آخر في غير مصلحتهم، ينتقص مما توصلوا إليه ويتضمن اتفاقات لم يكونوا ليقبلوها ابتداءاً؟ اللهم إلا حسن نوايا العساكر!!.
2. من الطبيعي أن ضغوط المجتمع الدولي والإقليمي بعد توقيع هذا الاتفاق الإطاري ستتركز على تثبيت هذا الاتفاق الإطاري، خاصة وأن المجتمعين قد ضجرا من المناورات والمطاولات التي تكتنف المفاوضات ويريدان إنهائها بأسرع ما يمكن، وهذا سيجعل الحرية والتغيير أكثر عرضة لهذه الضغوط من الجانب العسكري.
3. الحرية والتغيير بدأت منذ الآن في التحضير لنفض يدها عن القضايا والتفاصيل المختلف عليها، وكمثال على ذلك ، فهي تقترح أن يعهد بقضية العدالة إلى مؤتمر عام يجمع جميع (أصحاب المصلحة) للوصول إلى اتفاق حولها. الله وحده يعلم ما إذا كان هذا المؤتمر سيعقد أصلاً، ومن سيحضره؟ ومتى سيتوصل إلى أي نتائج؟ ولكن في كل الأحوال فإن الحرية والتغيير لن تكون مسؤولة عن الأمر!
4. تحالف “القوى الموقعة على الإعلان السياسي” سيضم، بالإضافة إلى بقايا الإنقاذ التي ذكرناها، حركات سلام جوبا، وسيكون مفتوحاً لكل من هب ودب من عناصر الثورة المضادة ومرتهني وبيادق إنقلابيي 25 أكتوبر 2021. هذه القوى، التي ليست لها أي مصلحة في حسم تلك القضايا الأربعة لمصلحة الثورة، ستملك الأغلبية في كل هياكل ومؤسسات السلطة الانتقالية من مجلس وزراء ومجلس تشريعي ومفوضيات وهيئات قضائية، وستكون أحزاب الحرية والتغيير الموقعة على الاتفاق الإطاري أقلية ضئيلة لاتغير في الأمور شيئاً حتى لو أرادت، بل وسيكون بإمكان “القوى الموقعة على الإعلان السياسي” أن تشكل السلطة المدنية أو تستمر فيها دون حاجة إلى أحزاب الحرية والتغيير. بهذا التحالف الجديد ستكون خدعة القوى المسيطرة على الحرية والتغيير قد بلغت مداها، ولن تكون السلطة المدنية القادمة تحت مظلة هذا الاتفاق إلا مطية وقناعاً للسلطة العسكرية الحالية متحالفة مع بقايا الإنقاذ، وحينذاك، لن يكون العساكر في حاجة لحصانات أو وثائق دستورية أو اتفاق نهائي … أويحزنون.

‫2 تعليقات

  1. دا لعب عيال مافهمين الحاصل شنو رجعنا للمربع الاول ( كانك يازيت ماغزيت) من الاول الناس ماسمعت كلام الاستاذ المناضل الجسور رحمة الله عليه علي محمود حسنين شكلو حكومتكم من اعتصام القيادة لو سمعو كلامو ماكان دا كلو حصل

  2. الأخ كاتب المقال.. إذا كان المجلس المركزى متآمر ضد الثورة كما تقول فلماذا دخل فى صدام مع العسكر قبل توقيع الوثيقة الدستورية الأولى ولماذا دخل فى صدام معهم أثناء فترة حمدوك للدرجة التى اضطررت العسكر للقيام بالإنقلاب والإطاحة بحكومة قحت؟ .. ولماذا رفض المجلس المركزى إتفاق البرهان و حمدوك ودخل فى صدام مع العسكر لمدة عام كااامل بعد الإنقلاب؟ أنا لست من أنصار قحت ، لكن كلامك غير منطقى.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..