متفوّقون في الشهادة.. حكايات من رحلة المستقبل

الخرطوم – رندا عبدالله
تختلف الرغبات العلمية من شخص لآخر؛ حقيقة معروفة.. مما هو معلوم أيضاً أن بعض الأهداف تظل حلماً بعيد المنال عند البعض، أو قريبة من منال الآخرين لدى الآخرين.
في المجتمع السوداني ـ على سبيل المثال ـ دراسة مجالات الطب والهندسة أو حتى الالتحاق بجامعة الخرطوم، تمثل أمنيات معظم الأسر والأبناء الطموحين بطبيعة الحال. ضمن هذا السياق من التفكير تبدو الحياة الجامعية للطلاب، سيما الذين تحققت أهدافهم وطموحاتهم وأتتهم الجميلة ومستحيلة طائعة مختارة ربّما أقرب إلى المعنى: “نحن الآن حيث أحضرتنا أفكارنا، وسنكون غداً حيث تأخذنا أفكارنا”.. العبارة لربّما بالإمكان أن تقرأ بشكل أكثر عمقاً حال تمّ استخدامها تعبيراً عن حال نخبة المتفوّقين، الذين ينهلون حالياً من معين أحلامهم القديمة ودائب استذكارهم، بعد أن أثاروا ضجةً إبان سنوات ثانوياتهم، بلوغاً للحظة إعلان نتائجهم، وصورهم وأسمائهم التي تردّدت في ألسنة الناس واحتفت بها الصحف وأذيعت في المؤتمرات الصحفيّة الراتبة لإعلان الشهادة.
كثيرون تستوقفهم بعض الأفكار والأسئلة التي تدور حول الحياة الجامعية لمتميزى الشهادة السودانية وما يختص بها، ولأن الذين عادوا من النجاح الكبير أو الأصح أنّهم لا يزالون فيه بإمكانهم أن يقصوا علينا عجائبه، ويصفوا لنا سحره وأن ينبهونا إلى صعوباته. ها أنذا أطرحها في سياق التقرير التالي، على عينات من الذين تميزت أسماؤهم في السنوات الماضية، دعونا نأخذ نماذج منها.
هل احتفظت بتفوقك أم حدث تراجع؟ ما هي ميولك الفكرية التي تكونت في فترة الدراسة؟ هل تلاحقك ارتباطات اجتماعية الآن بعد أن صرت شاباً؟ “شيء من الالتزام الدينى، وتحول في مسار مهنة المستقبل” هي أبرز عناوين التغيير التي تعتري الحياة الجامعية الآنية لمن تحدثوا لـ(اليوم التالي)، وهما المتفوقان مراد المرضى دفع الله، وفاطمة نور الدائم النعمان، اللذان يعتبران وجهين لعملة (سكن الداخليات)، كما يتشابهان في صفة كيفية اختيار الأصدقاء.
كانت (فاطمة) تنتظرنا باستقبال كلية الطب جامعة الخرطوم.. سألت (مراد) في الأثناء داخل الحرم عن نسبة نجاحه وترتيبه في الشهادة بالمقارنة مع مستواه في الجامعة التي وصل فيها حالياً إلى السنة الثالثة.. فكانت المفاجأة أن صاحب المركز رقم (76) في ترتيب أوائل الشهادة للعام 2011م بنسبة 95.1% تفوق على نظرائه من المتفوقين المائة في الشهادة السودانية من أبناء دفعته في كلية الطب، وبوضوح يؤكد التصالح مع الذات يفيد (مراد) أن ما ساعده على التفوق ليس مجرد تنظيم وقته واهتماماته، واعتبار المذاكرة أولويته الأولى فحسب، وإنما معظم المتفوقين في الشهادة الحكاية (بتقلب ليهم)، حسب تعبيره عندما يسيطر الإهمال على أكثرهم بالجامعة، لدرجة أن الواحد قد لا يفتح كتاباً لمدة ثلاثة وأربعة أسابيع متتالية.
في السياق اعترفت فاطمة – الثالث مشترك في الشهادة للعام 2012م بنسبة 96.3%- بتراجع في مستواها عزته إلى تعودها في الثانوي على برنامج معين في تنظيم الوقت ما بين القراءة والنوم، بينما تمنعها زحمة الكلية ووقتها الضيق من تنظيم وقتها ولذلك تقول: ظل تحصيلى بتقييم الامتياز ولكن بنسب غير عالية، وبعكس (مراد) الذي يعتبر حياة الداخلية حافزاً للعودة إلى أهله في القضارف بغنائم التفوق عبر المثابرة والاجتهاد من جهة أن الداخلية توفر قدراً من المتعة والحماس مع زملائه من خلال تنظيمهم جدول مذاكرة ثابتا، مستبعداً بالتالي مضاعفتها لمسؤوليات الطالب في خدمة نفسه كون البقاء مع الأسرة يتطلب أيضا مهاماً أخرى.
هذا النوع من السكن كان خصماً على (فاطمة) التي أشارت لأنها افتقدت كثيراً أجواء الاستذكار مع أسرتها في كسلا وإن كان من ناحية الهدوء فقط، أما من ناحية (الخدمة) بالداخلية فلفتت إلى أن هنالك مسؤولة تقوم بكل ذلك، واستطردت: أنا مريحة نفسي خاااالص، وأضافت بأنها تتمتع بعلاقات صداقة مع زميلاتها اللائي جئن معها من كسلا، وهنا تتذكر بداية أيام الدراسة بأن بعض زملائها كانت تسيطر عليهم حالة من الابتعاد عنها تستند على الظن بأنها ربما تكون شخصية متعالية على خلفية تفوقها وقالت: “عشان أكسبهم تطلب الأمر مني المبادرة نحوهم بكل جميل”.
وعن شعورها نحو لقب (يا دكتورة) الذي يطلقه البعض على الطالب من قبل التخرج قالت إنها تفتخر به كثيراً وقالت: “عندما يخاطبني به البعض بعمل استشارات طبية عديل.. فقبل أيام اشتكت زوجة عمي من بعض الأعراض، فما كان مني إلا أن أتفلسف لها بكل ما أعرفه في المقرر ومرات بجاوب غلط”، تضحك قبل أن تختم بأنها تنوي التخصص في طب الأطفال لاكتشافها الحب المتبادل بينها وبين بعض الأطفال من أقاربها.
ولمراد الذي يرغب التخصص في مجال المخ والأعصاب قصة مع هذه الرغبة؛ حيث يحكي أنه عايش في مجتمعه بالقضارف العديد من حالات مرض (الصرع) الناتج عن حدوث كهرباء في المخ (لسبب مجهول) كما كان يعزو الأمر باستمرار، مما لفته للمجال ودفع فيه رغبة دراسته، ولكن ورغم هذا الحب الكبير والاجتهاد الوفير إلا أن (يا دكتور) تلقي على عاتق محدثنا حملاً ثقيلاً على الرغم من أن الناس “بشوفوها حاجة سمحة”، بحسب ما قال، فهي تشعره بمسؤولية كبيرة سيما عندما يصادف بالمشافى وطرقها بعض المرضى فينتابه الشعور بالخوف من مسؤولية المستقبل (الرهيبة) كما يصفها.
وعن رفعه شعار (لا للمصافحة) في مجتمع يتقاسمه معهم الجنس اللطيف، يقول: “اتخذت قراري بعدم المصافحة بعد فترة وجيزة من دخول الجامعة وحيث كنت أستمع في الثانوي عن المصاحفة كثيراً إلا أنني لم أشعر بأهمية الأمر إلا بعد دخول الجامعة حيث تعرضت للتعامل مع البنات بشكل رهيب، وأضحى التعامل معهن منفتحاً أكثر حينما كنت أشرح مادة فيزياء فكان القرار الذي سبب لي فيما بعد عدداً من المواقف الطريفة”، مراد تحدث أيضاً عن علاقاته الاجتماعية العامة والجامعية وذكر أن الأولى تجمدت بالقضارف لأسباب انتقاله للخرطوم بينما توسعت الثانية من خلال أصدقاء كثر..
منضبطون ومسؤولون
ويلقي الأستاذ وليد الطيب مسؤول السنة الاعدادية للصف الأول بكلية الهندسة جامعة الخرطوم بعض الضوء على صفات المتفوقين داخل الجامعة بالمقارنة مع غيرهم وقطع للصحيفة بأن معظمهم لا سيما (العشرة الاوائل) في كل عام لا يحافظون على التفوق الذي يأتون به بل يتدحرجون إلى مستويات أقل وإن كانت جيدة، مرجعاً الأسباب لشعور الطالب ربما بتميزه الأكاديمي فلا يبذل جهداً في الاندماج مع زملائه في أعمال السنة والأعمال التي تتطلب الجماعية، كما أن أحرازه نسبة عالية في امتحانات الشهادة لا يعنى بالضرورة – بحسب وليد الطيب – أن ذلك يؤشر لتفوقه في الجامعة للاختلاف أصلاً في طريقة التحضير والاستذكار فبينما يقوم الطالب لوحده بهذه العملية في الجامعة يساعده ذكاؤه إلى جانب اهتمامه بالحضور النظري والعملي وأداء الواجبات فإن للمعلم في الثانوي دوراً كبيراً مثلاً في توجيه الطالب لطريقة وكيفية امتحان الشهادة بالنظر لخبرته المسبقة في هذا الأمر.
وليد ذكر أنه على رغم ذلك فمن المتميزين من يسير في طريق التميز بثبات حتى أن منهم من يتم تعيينهم أساتذة في الجامعة وذكر أن (التفوق الاكاديمى والصفات الحميدة متلازمان) فأوائل الشهادة معروفون داخل الجامعة بالمسؤولية والانضباط وعلاقاتهم الطيبة بزملائهم، وربما أن القليل منهم يميل للهدوء أو يفضل قضاء الوقت مهتماً بالجوانب العلمية بعيداً عن الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية وغيرها.
وحين سألناه حول إمكانية امتداد علاقات للزواج قال: “نعم هنالك طالب كان أول الشهادة السودانية تزوج من إحدى زميلاته المتفوقات”.. وتركناه مع محاولات استذكار اسم الطالب.
من جانبها تعتبر حنان الجاك، متخصصة اجتماعية، أن المتفوقين يتأثرون بالمجتمع الجامعي الواسع (زيهم زينا) وتذكر أنهم: “يخضعون أصلاً للعيش الشبابي بمقتضى سنهم، ليأتي من بعد دور الطالب منهم في التجاوب مع هذا التأثير بشكل من الالتزام أو الاندماج، فقد يكون الطالب مشاغباً ولكنه متميز على الصعيد الأكاديمي فتتسم حياته الجامعية ببعض الشغب، وقد تفرض بعض الأسر على الطالب المتميز قيوداً تعزله عن الوسط الجامعي باعتبار أنه يجب أن لا يهدم مستواه ولكن بعض الأسر الواعية بصرت أبناءها بأن الاهتمام الأكاديمي البحت يؤسس لنجاح ولا يؤسس لحياة اجتماعية وبناء أسرة والعكس صحيح”.
وحول ما يتصل بمفهوم أن الطالبة اللافتة أكاديمياً فاشلة اجتماعياً وما يترتب على ذلك من تأخر في الزواج لبعض الحالات أشارت الجاك إلى أن: عاشقة الأكاديميات يمكن أن تبني شراكة ذكية مع زوجها باعتبار أن الانتماء المشترك يساهم في تذويب الفوارق وتغذية العلاقة بروح البناء الإيجابي لتكوين أسرة، وقد يحدث العكس بأن يتكرس اهتمام المرأة لصالح أكاديمياتها أو لصالح جمالها في حالات أخرى فيحدث الانفصال، أو قد يتعايش الزوج مع هذه الأوضاع باعتبار أن الأسرة (الأم والأخوات) قد تساعد ابنتها في تربية الأبناء والنهوض بمسؤوليات البيت

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. أصبحت البيئة الجامعية محفوفة بالمخاطر والسوالب الاجتماعية والثقافية والعاطفية كما نراه ونشاهده من الشباب والشابات في مقتبل العمر يمارسون العاطفة والتداخل مع بعضهم البعض بلا شعور بالذنب وبلا حياء، ذلك جزء يتجزأ من الاحزاء والمشاهد الدخيلة التي استشرت بين اوساط وشريحة الطلاب وعلى ذلك قس.والقائمة تطول بالسلبياات المشمئزة أكثر من الايجابيات القيمة بغياب وخفاء واضح من المسؤولين والقائمين بأمر الجامعة وأركانها ، جل مايفلحون هو ادارة اركان النقاش وعمل الاسابيع الثقافية وهي ليست بثقافية اذ تتخللها انغام الموسيقى والطرب الخاالع الاختلاط وكل ذلك بحرم الجامعة الطيب والذي من المفترض ان يكون حرم للتغذية بالعلم والتربية بالاسلوب الاجتمااعي بين الاخر وليس بالمخالاة والمياعة من الرجال والفساخة والتنمص والهز من البنات. كان الله في عون الطلاب والطالبات .

  2. زمان الجامعة فى وحتي السبيعنات والثمانينات تجد 40 طالبا مثلا فى الدفعة و5 طالبات والان العكس وكان اولاد الاقاليم الاغلبية . مافي اولاد فى الجامعات عدد قليل وهذه نفسها ظاهرة تستحق الدراسة نحن اصبحنا نخرج بنات للاسف معظهم لايستطيع العمل فى مناطق الشدة ان كان هنالك عمل وكلية الطب كانت 180 طالب وطالبة تجد مثلا 12 بنت والباقى اولاد والان العكس فى كل الكليات . وظهرت كثير من الظواهر التي لم تكن موجودة زمان . والرد لاهل الرأي والمتابعين الآن .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..