حوار التغيير الجذري: رفض لينين الحازم لأطروحة حزب اقصى المعارضة (2 – 3)

صديق الزيلعي
تعرضت في المقال الأول من دعوة الحوار حول التغيير الجذري، لموقف لينين من قضايا الانتقال الديمقراطي في روسيا القيصرية. فقد دعم لينين قرار المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (الشيوعي فيما بعد) الداعي للمشاركة في الحكومة الثورية المؤقتة بعد ثورة 1905. وكانت ظروف روسيا القيصرية آنذاك تشابه ظروف بلادنا حاليا. فقد كان الحكم الأوتوقراطي القيصري الشمولي يمسك بقوة الحديد والنار على كل مفاصل الدولة. وهو ما يشابه دولة الاسلامويين في السودان، وتجييرهم الدولة السودانية لصالح الجماعة. كما كان اقتصاد روسيا متخلفا يعاني في كل الجبهات، مما يشابه الاقتصاد المنهار الذي تركه لنا نظام الاسلامويين. وذكرت ان اختياري لكتاب لينين للأهمية الكبري للكاتب في الأوساط اليسارية، ولما يتمتع به من نفوذ فكري قوي وسط الشيوعيين السودانيين. هذا المقال مواصلة لعرض طرح لينين وربطه بواقعنا. وأود هنا ان أوضح ان الظروف في روسيا القيصرية وسودان الاسلامويين تتشابه في سماتها العامة، ولكنها لا تتطابق تماما. لذلك يهمنا هنا جوهر تحليل لينين للواقع المحدد، في الزمن المحدد، للاستفادة من منهجه في تحليل واقعنا الحالي، بكل تعقيداته.
قضية المعارضة تشكل بندا أساسيا في استراتيجيات وتكتيكات الأحزاب اليسارية، في كل ارجاء المعمورة، وعبر التاريخ. لنري ما موقف لينين من الدعوة لحزب أقصى المعارضة. لقد طرح السؤال الآتي: ماذا يعني حزب اقصى المعارضة ابان الثورة” وأجاب عليه، مطولا، بما يلي:
” لنعد الى القرار بشأن الحكومة المؤقتة، لقد بينا ان تكتيك الايسكريين الجدد (جناح المناشفة في الحزب)، لا يدفع الثورة الى الامام. مع ان هذا ما أرادوا بلوغه بقرارهم، بل يعود بنا القهقري. وقد بينا ان هذا التكتيك بالذات يقيد يد الاشتراكية الديمقراطية في النضال ضد البرجوازية المتذبذبة، ولا يقيها من الذوبان في الديمقراطية البرجوازية. ومفهوم أن ينجم استنتاج خاطئ عن مقدمات القرار الخاطئة: (ولذا ينبغي على الاشتراكية الديمقراطية ان لا تستهدف الاستيلاء على السلطة أو المشاركة في الحكومة المؤقتة، انما ينبغي لها ان تظل حزب أقصى المعارضة الثورية) … وليس ثمة ما يدعو الي التوقف أكثر من ذلك عند هذا التشوش في هذه الصيغة التي تقول: (ان تظل حزب أقصى المعارضة الثورية).
قد تعلم اصحابنا الطيبون الايسكريون الجدد عن ظهر قلب هذه الصيغة الممتازة وهم يطبقونها بحمية، تماما في الوقت غير المناسب. فمفاهيم النضال البرلماني، انما يدرجونها في قرارات موضوعة لأوضاع ليس فيها أي نوع من البرلمان. ومفهوم (المعارضة) الذي هو تعبير وانعكاس لوضع سياسي لا يتحدث فيه أحد بصورة جدية عن الانتفاضة، ويفكر فيه جميع أنصار الثورة بقيادة الانتفاضة ويتحدثون عن هذه القيادة. والرغبة في (البقاء) في النقطة السابقة نفسها، أي الاكتفاء بالعمل (من تحت، من القاعدة)، انما تنعكس في تعابير مفخمة وصاخبة، تماما في اللحظة التي طرحت فيها الثورة، في حال انتصار، مسألة ضرورة العمل من فوق من القمة.
ان اصحابنا المعجبين بمارتينوف أشبه بهذا البطل في حكاياتنا الشعبية الذي كان يردد النصائح الطيبة تماما في الوقت غير المناسب، فهم يرددون دروس البرلمانية في زمن السلم، تماما في الوقت الذي يلاحظون فيه بأنفسهم بداية عمليات عسكرية موصوفة. وليس ما هو أغرب من صياغة شعار (أقصى المعارضة) بمهابة وذلك في قرار يبدأ بالإشارة الي (انتصار الثورة الحاسم) و (الانتفاضة الشعبية)، ولكن فكروا اذن أيها السادة: ماذا يعني ان تؤلفوا (أقصى المعارضة) في عهد الانتفاضة؟ أيعني التشهير بالحكومة أم اسقاطها؟ أيعني التصويت ضد الحكومة أم هزم قواتها في معركة سافرة؟ أيعني رفض الاعتمادات لخزينة الدولة أم الاستيلاء على هذه الخزينة بطريقة ثورية لاستخدامها في حاجات الانتفاضة؟ … ان فكرة (أقصى المعارضة) لا تفصح الا عن أعمال سلبية: التشهير، التصويت ضد، الرفض؟ ولم هذا؟ لأن هذا المفهوم لا يتعلق الا بالنضال البرلماني، وذلك في عهد لا يبتغي فيه أحد انتصارا حاسما كهدف مباشر للنضال. أملا تفهمون ان الامر يتغير في هذا الميدان بصورة جذرية منذ ان يعمد الشعب المظلوم سياسيا، ويأخذ جانب الهجوم الحازم، على طول الخط، في نضال جار من اجل الانتصار”
ص 68 – 70
ثم ينتقد التمسك بالنضال من تحت ومن القواعد، وتجاهل النضال من تحت ومن فوق معا، وذلك عن طريق المشاركة في الحكومة الثورية المؤقتة أي من فوق، وفي نفس الوقت النضال ضد سلبياتها ونواقصها من تحت. حيث يكتب:
” ان المجلس العام الذي عقده الايسكريون الجدد، لم يستقر على المواقف الفوضوية التي بلغتها الايسكرا الجديدة (من القاعدة) فقط، لا من القاعدة ومن القمة. وكان من البديهي جدا القبول بالانتفاضة دون القبول بانتصارها، دون القبول الاشتراك في الحكومة الثورية المؤقتة، هو أمر أخرق.”
ص 71
يجدد الكاتب تمسكه بالموقف الصحيح الذي اتخذه مؤتمر الحزب، وهو الموقف المبني على برنامج الحد الأدنى، فيكتب:
“ان المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا يجيب على هذه المسائل بكل وضوح، وهو يعطي البرنامج الكامل لهذه التحويلات، برنامج الحد الأدنى الذي وضعه حزبنا”
ص 74
ويحذر من استخدام التعاير الثورية الرنانة من زمن مضي:
” شجب ماركس مرارا عديدة هذا النوع من التعابير التي يصار فيها الى استخدام اصطلاحات (مغرية) من زمن ولى لأجل تمويه أهداف المستقبل. ان اغراء لعب دوره في التاريخ يصير، في مثل هذه الحالة، نوعا من البهارج الفارغة الضارة وخشخيشة. ينبغي ان نفهم العمال والشعب كله، بوضوح ودون لبس ولا ابهام، لماذا نريد إقامة حكومة ثورية مؤقته. وما هي التحويلات التي ستحققها فورا، في حالة انتصار الانتفاضة الشعبية التي بدأت، وإذا كان لنا تأثير حاسم في الحكم. تلك هي المسائل التي تواجه القادة السياسيين” ص 73
ويلخص لينين جوهر الماركسية في التعامل مع المهمات السياسية الملموسة، فيكتب:
” ينبغي طرح المهمات السياسية الملموسة في وضع ملموس، فكل شيء نسبي، كل شيء يمضي، كل شيء يتغير” ص 80
الموقف المطلوب هو رص جميع القوى التي يهمها امر التحول الديمقراطي فعلا، وطرح الشعارات الثورية الواقعية:
“المقصود وحدة النضال الفعلية، والانتقاد الدائب الذي يتعين على الاشتراكيين الديمقراطيين ان يخضعوا له كل خطوة مترددة تخطوها الديمقراطية البرجوازية. ان ما ينبغي لرص جميع القوى الاجتماعية التي يهمها أمر التحول الديمقراطي فعلا، ليس تدبيج فقرات بفائق الحمية، ولكن عبثا، بل معرفة صياغة شعارات ثورية حقا” ص 87
ويلخص الكاتب رؤيته فيما يلي:
” الانقلاب الديمقراطي في روسيا هو، بحكم طبيعته الاقتصادية الاجتماعية، ثورة برجوازية، وهذه الموضوعة الماركسية الصحيحة لا يكفي مجرد ترديدها، انما ينبغي ان نعرف كيف نطبقها على الشعارات السياسية. ان الحرية السياسية كلها، القائمة على علاقات الإنتاج الحالية، أي علاقات الإنتاج الرأسمالية، هي بوجه عام حرية برجوازية” ص 105
هذا عرض لكتاب لينين ” خطتا الاشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية”، اعتمدت فيه على نشر مقتطفات مطولة من الكتاب، قصدا، لتوضيح رأي الكاتب بكلماته حسب الترجمة الرسمية الصادرة عن دار التقدم بموسكو. وعرض كتاب موجه أساسا للحوار مع دعاة التغيير الجذري، الذين يشكل لينين مرجعية فكرية مهمة لهم. في المقال القادم سأعرض لماذا اخترت الكتاب؟ وما قيمته لنا في ظروف وتحديات وطننا الحالية؟
صديق الزيلعي
يا استاذ صديق مع كامل الاحترام ليك ولكل الرفاق بالله دي حاجة منطقية انك تستشهد بمقالات وافكار مضى عليها قرن من الزمان ليه انتوا مصرين تحشرونا في نفق الماركسية الضيق الناس اتجاوزت الاطروحات دي وانتجت افكار مثمرة وزي ما قال المفكر العظيم الخاتم عدلان عليه الرحمة انو الاستناد الى الايدلوجيات كمرجعية فكرية ثابته بدون تطوير ولا اخذ اعتبار لمعايير الزمان والمكان ده شي غير علمي اطلاقا انا شخصيا بفتكر انو محاولة الراحل نقد لفتح حوارات جادة حول الماركسية وعلاقته كمرجع ايدولوجي للحزب الشيوعي السوداني بفتكر انو دي خطوة صحيحة مفروض يمشوا على دربها الشيوعيين السودانيين ولكن للاسف السكرتير العام الخطيب ومن حوله من اعضاء اللجنة المركزية ما هم الا حوائط تعيد صدي الايام الخوالي الخلاصة الحزب الشيوعي السوداني في مأزق حقيقي ولو ما اتدارك هذه الاخطاء بالتاكيد سوف تتجاوزه عجلة التاريخ