الهروب إلى الأمام!!

كالعادة يجنح النظام في منتصف كل فترة إنتخابية للحديث عن “الإنتخابات القادمة”، وتظهر مثل تلك الأحاديث عادة في وقت مبكر جداً عن الإنتخابات نفسها، ولا يخلو الأمر في كثير من الحالات من غمز ولمز عن عدم جاهزية أحزاب المعارضة للمنازلة، وربما يصل الأمر للسخرية، وإطلاق الإتهامات المجانية حول ضعف جماهيرية الأحزاب، وضعف أدائها، وغيابها عن الساحة. لتشتعل ردود فعل المعارضة كذلك على الجانب الآخر من قائل بعدم شرعية الإنتخابات في ظل نظام غير شرعي، إلى من يتحدث عن “منازلة النظام عبر صناديق الإقتراع”، فيما يدعو البعض لمقاطعتها. وربما تصاعدت الخلافات في صفوف المعارضة بين من يرون خوض الإنتخابات، ومن يرون مقاطعتها، كموقف سليم. وتتصاعد المعركة التي تفترض وجود النظام حتى (2020) كمسلمة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وغير قابلة للنقاش والأخذ والرد، وكأمر واقع أزلي يجب التعامل معه على هذا الأساس بكل ما يدخله ذلك في صفوف المعارضة من إحباط.
ويصرف الحديث عن الإنتخابات الذي يأتي في غير أوانه كل مرة، يصرف النظر عن القضايا المطلبية الملحة للفئات الإجتماعية للمواطنين من مزارعين،وملاك الأراضي المنزوعة، وقضايا السدود، وميادين الأحياء المنزوعة، ومطالب الأطباء، ومصانع الكرتة التي تستخدم السيانيد، وغلاء الأسعار، وانخفاض سعر صرف الجنيه، والتحالفات الدولية، وقضايا الحرب والسلام في جنوب النيل الأزرق ودارفور، وارتفاع أسعار الأدوية، وقضايا حقوق الإنسان، وأسر شهداء سبتمبر، وقضايا الحريات، وغيرها من القضايا التي لو أنصف العقل، لوضعها في مرحلة متقدمة كثيراً على انتخابات – تقف على بعد عامين منها – في قائمة الأولويات، خصوصاً أن هذه القضايا هي قضايا ملحة، ومستعجلة، ولا تقبل التأجيل. لذا يكون الحديث عن الإنتخابات، والإستعدادات لها، وجدوى خوضها من عدمه، و”هل تصلح كوسيلة لإسقاط النظام”، هو حديث سابق لأوانه، ولا يضع في الإعتبار الحالة الإستثنائية والمرحلة الحرجة والمفصلية التي يمر بها الشعب السوداني هذه الأيام، ويصرف المعارضة عن عملها الحقيقي في التصدي لانتهاك الحريات ومتابعة القضايا المطلبية للفئات الإجتماعية المختلفة حتى وصولها لغاياتها، وانتزاع حق النشاط العلني للأحزاب خارج دورها.
إن المعارضة مطالبة بأن لا تنجر خلف هذه الملهاة التي إبتدأت مبكراً، كما ظل عليه الحال في الفترة الماضية، وأن لا تنطلي عليها ذات الحيلة مرة أخرى، وأن تتخذ موقفها الطبيعي المنحاز للجماهير دون أن تستجيب لمحاولات تقسيمها إلى فسطاطين، فسطاط الراغبين في خوض الإنتخابات بمزاعم وذرائع شتى، وفسطاط من يُخونُون من يخوض الإنتخابات، باعتباره داعماً لنظام الحكم القائم، ويمكن أن تضفي مشاركته في الإنتخابات شرعية متوهمة عند البعض. فقط لأن قضايا المواطن اليومية وما يعاني منه في هذا الوقت أكثر حرجاً من أن تنتظر الحل بعد سنوات ثلاث لا يعلم أحداً على وجه التحديد ما يمكن أن يحدث فيها في سودان الممكن والمستحيل.
[email][email protected][/email]