البشير وبوريس يلستين (الرئيس الروسي السابق) .. حافة الهاوية

الرئيس (بوريس يلستين ) ورث الحكم من سلفه غورباتشوف الذي تُعدّ تغييراته (البيريسترويكا) من أكثر العوامل التي أدّت إلى تسريع سقوط الاتحاد؛ … حيث غيّرت هذه الإصلاحات الأنظمة والقوانين التي اعتاد عليها الشعب، وأثرت التغييرات أيضاً على النخب الاقتصادية والسياسية، وبالتالي أصبحت الحكومة ضعيفة، وفاشلة وبهذا تمّ إنهاء الحكم السوفيتي عام 1991م. وكان يلستين من أكثر المؤيدين لغورباتشوف في الإصلاحات ثم ما لبس وإنقلب عليه عندما رأى تزمر الشارع من إصلاحاته مما أكسبه شعبية لدى الشارع الروسي .. كما إنقلب البشير على الترابي .. وتنازل غورباتشوف عن الحكم للرئيس الجديد (يلستين) الذي أعيد إنتخابه في الحزب بعد أن إستقال… وغادر غورباتشوف الكرملين في جنح الظلام بعد خطاب الإستقالة معترفا بفشله في تسويق مشروعه الجديد (البيريسترويكا ).. ولم يستقيل الترابي حينما فشل في مشروعه وكان يرى السودان يتمزق وينهار تحت سمعه وبصره وظل يمارس هواياته في التنظير والكلام حتى طُرد وسُجن وأذلّ إذلالا شديدا , الذي لا أفهمه لماذا قاداتنا يصرون على الكرسي حتى مرحلة الإذلال ولا يدرون بالخطأ إلا بعد فوات الأوان لماذا لا ينهي الشخص حياته بشرف ويترك الملعب وهو مرفوع الرأس حتى يذكره التاريخ بأنه تنازل عن زعامة الحزب أو تنازل عن الحكم ؟ المهم ظهرت علامات الرضى والترحيب في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي بسقوط الإتحاد السوفيتي الشيطان الأكبر كما صور لنا في ذلك التاريخ .. وكنت وقتها في المرحلة الثانوية وعلى أعتاب الجامعة .. وأصبح العالم يمشي على قدم واحدة والعالم الآن يفتقد هذه القدم الذي أصبح أعرج في كل شيء .. .
سقط يلستين في كثير من الإختبارات وكان يحاول أن ينسى هذا السقوط في تلك الأيام ولم يجد وسيلة غير الرقص في الحفلات والإفراط في الشراب وفي أيامه الأخيرة شرب حتى الثمالة وسقط على الأرض وحملوه سكرانا .. وبدأ نجم الرجل يتهاوى شئيا فشئيا .. والذين تابعوا مسيرة يلستين منذ وقفته الشهيرة على مقدمة الدبابة أمام البرلمان الروسي وحتى أصدر أوامره بإقتحام هذا البرلمان يدركون أن الرجل يعاني من حالة تخبط شديد منذ وصوله إلى الكرملين وعلم بذلك الأمريكان الذين راهنوا عليه ..
ولقد راهنت الجبهة الإسلامية على زعامة البشير على أساس أن للرجل مواقف حية تؤكد هذه الزعامة وهذا ما قاله الترابي في آخر لقاء على قناة الجزيرة القطرية .. ولكن الحقيقة تقول إن السودان كان في حاجة إلى زعيم أكبر بكثير من الرئيس البشير وإن الجبهة الإسلامية وقفت وراء الرجل وحاولوا بكل الوسائل المشروعة والغير مشروعة أن ينفخوا فيه , ولكن الحقيقة الرجل وإمكانياته كانت أقل بكثير من كل محاولات النجومية التي حاول الترابي أن يصنع منها زعيما سياسيا كبيرا .. كما سقط يلستين أمام المشاكل الضخمة التي أحاطت بروسيا بعد اختفاء الإتحاد السوفيتي .. فكانت روسيا وقتها في حاجة إلى زعيم إمكانياته أكبر من إمكانيات يلستين وهي تواجه التشظي والانفصالات .. كما سقط البشير في شن حربه على دارفور وأعلن بأن هؤلاء قطاع طرق وليس لديهم قضية وسينتهي هذا التمرد في أيام قليلة وظلت القضية تتفاقم يوما بعد يوم حتى أصبحت القشة التي قسمت ظهره وظهر السودان من ورائه وكانت السبب في توجيه الإتهام إليه بإرتكاب جرائم حرب وظل مطاردا من المحكمة الدولية وعوقب 35 مليون إنسان بسبب هذه الجريمة التي ما كان لتصل إلى ما وصلت إليه حتى اليوم
سقط يلستين أمام إختبارات الغرب بتقديم المساعدات المناسبة لإنقاذ روسيا من ورطتها الاقتصادية .. كما سقط البشير أمام إختبارات إقناع حلفائه العرب القدامى والجدد بتقديم المساعدات المناسبة لإنقاذ السودان من ورطته الإقتصادية الأخيرة سوى بالفتات مقارنة بما تقدمه هذه الدول من مساعدات إلى مصر التي لم تشاركهم الحرب والمواقف المستقبلية وقطع العلاقات مع إيران وبشار الأسد
سقط البشير حينما دخل في مواجهات غير محسوبة العواقب ووقع بيده وليس غيره على تقرير المصير للجنوب وإنفصاله في إتفاقية نيفاشا لكي يتم إلغاء طلب المحكمة الجنائية ضده وينعم السودان بالسلام فلا نعم السودان بالسلام ولا تم إلغاء طلب المحكمة الجنائية له بل وإشتعلت الحروب في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان … كما سقط يلستين حينما دخل في حروب مدمرة ضد الجمهوريات التي تنوي الإنفصال وكانت غير محسوبة العواقب وكانت آخرها مأساة جمهورية الشيشان وفي الأخير أخدت حقوقها كاملة , وإشتعلت الحرب في أوكرانيا وغيرها من الدول التي تريد الإنفصال
سقط يلتسين حينما تعهد بعلاج إقتصاد البلاد بالصدمة الاقتصادية وتحرير الأسعار والخصخصة في جميع أنحاء البلاد. وبموجبه وقعت غالبية الممتلكات الوطنية والثروة في أيدي قلة نحسب على يلستين وانتشر المليارديرات الرؤوس كإنتشار مليارديرات (الكيزان) نتيجة هذا الفساد وقد اتسم جزء كبير من عصر يلتسين بانتشار الفساد، وعانت روسيا من التضخم والانهيار الاقتصادي ومشاكل سياسية واجتماعية وإنتشرت المخدرات وتجارتها وكذلك الدعارة والتجارة بها
وسقط يلستين عندما أعاد إنتخابه بإنتخابات هزيلة شابها الفساد حتى وصلت المواجهات المستمرة مع مجلس السوفيات الأعلى ذروتها وحل البرلمان السوفياتي الأعلى دون أي أساس شرعي لقراره، ونتيجة لذلك حاول البرلمان عزله من منصبه ورفض البرلمان ترشيحه للرئاسة مرة أخرى … وألغى يلتسين الدستور الروسي القائم ليعاد ترشيحه وهذا ما سيتجه إليه البشير وبالحرف والأيام بيننا إن شاء الله … وأوقفت القوات الموالية ليلتسين انتفاضة مسلحة خارج مبنى البرلمان، منددة بحلّ البرلمان وبترشيح يلستين مرة أخرى مما أدى إلى وقوع عدد من القتلى ،
ولم يبق أمام الممثل الكبير يلستين غير أن يترك المسرح بعد أن فشل في أداء أدواره بالصورة المطلوبة . لقد كان الدور أكبر بكثير من إمكانيات الممثل ورغم ذلك أصر على أن يقوم به وحاول المخرج بكل الوسائل أن يقنع الناس بالنجم الجديد ولكنه فشل
وبعد ضغوط داخلية هائلة وإتفاقيات تحت الطاولة بعدم المساءلة أو الملاحقة عن أي قضية فساد إستقال يلتسين في 31 ديسمبر 1999وترك الرئاسة لخليفته المختار (الثعلب) فلاديمير بوتين الرئيس الحالي لروسيا والذي نجح في بناء الدولة الروسية الجديدة وبكل حزم .. وكان النجم (يلستين) كعادته في أيامه الأخيرة مخمورا وهو يودع الجماهير. وفشل يلستين تتحمله أكثر من جهة أولهما أمريكا وجورباتشوف الذي أورثه الحكم ونفخ فيه وهو أعلم بإمكانيات الرجل وثالتهما يلستين نفسه … فشل وإنهيار السودان في عهد البشير تتحمله أكثر من جهة أولها الجبهة الإسلامية بقيادة الترابي التي نفخت في البشير منذ وصوله وحتى اللحظة وثانيتهما الأحزاب الطائفية التي قدمت له الحكم في طبق من ذهب ولم تقاومه أو تعارضه (وفوق البيعة) أرسلت أبناء زعمائها الى القصر كمساعدين وكم واحد من الوزراء (الكومبارس) مما أكسب النظام صبغة التنوع في السلطة حتى أطالت من عمره , وثالثتهما البشير نفسه
نحتاج إلى ثعلب سوداني حتى لو من داخل النظام وذلك أضعف الإيمان يكون أكثر إنفتاحية وبإمكانيات أكبر مثل ما فعل ( بوتن ) يجيد الاتفاقيات تحت الطاولة منها عدم المساءلة وعدم التسليم للمحكمة الجنائية وهذه الأخيرة هي لب المشكلة حتى نخرج من هذا الحال الماحق السيء ونرجّع السودان دولة عادية كباقي دول المحيط الأفريقي التي أصبح الفارق بيننا وبينها سنيين ضوئية (سبحان الله) وغير ذلك صدقوني سيكون الثمن غاليا وقد يستعصى الأمر وسيطول أمده.
[email][email protected][/email]
مصير البشير ريما يكون أقرب لمصير جنرال رومانيا ميخائيل شاوسيسكو أو الليبيري صمويل دو.
مصير البشير ريما يكون أقرب لمصير جنرال رومانيا ميخائيل شاوسيسكو أو الليبيري صمويل دو.