بأيِ ذنبٍ قُتلوا..!

المؤمن بالقضاء والقدر كأحد أركان الإيمان ..لا يطلب رد المكتوب في صحائف الأزل وسطور الأجال ..فلكلِ أجلٍ كتاب ..لكنه بالطبع يتضرع الى المولى العزيز القدير أن يلطف به فيما هومقدر له وهو راضٍ وشاكرِ وحامد..فلربما قدره كان أخف وطأةً مما يصيب غيره .
فالأمس فجعت أسرة بسيطة لعلها كانت تعد السنوات والأيام والساعات وحتى الدقائق و الثواني في إنتظار ميقات المخاض لتكتحل عيونها بثمرات الإنتظار والترقب وهي التي دون شك حفيت في دروب الأطباء لمعالجة الأم والأب وهما يمنيان النفس بمولود ولو واحداً يملاء عليهما حياتهما بهجة ونورا..وكان الله أكرم من كل عبيده المعالجين بأمره وبوحيه..فأنعم عيلهما بخمسة تؤائم وكأنه يعوضهما بكرمه عن كل أزمنة الصبر واللهفة والأشواق التي تتقطرمن جوانحهما حنواً وأمومة وأبوةً !
لكن سوء حظهما ولله في خلقه شئون ..أن الحدث كان في مستشفى أمدرمان الذي لا تتوفر فيه ابسط مقومات الإستعدادلإستقبال مثل هذه الحالة وهوالتابع لسلطة وزير المشروع الحضاري الذي إكتفى بنظرةعابرة على تؤائم الأسرة السعيدة بهم ووجه من طرف سبابته بتوفير ما يجعلهم يتنفسون هواء منته المؤذية..ثم مضى في حال سبيله وهو الذي يملك من المؤسسات الطبية ما كان كفيلا ..لا نقول بدرء الموت عنهم فهو حق ..ولكن على الأقل لكان ابرز جهداً أنسانيا هومن صميم واجبه المهني وسيقال ان الرجل بذله محاولا انقاذ حياة أولئك الخدج الذين ولدوا وهم يعانون من مشاكل يدركها الطب الحديث بما طاله من تطور في المعارف العلمية والأجهزة التقنية قبل أن تسقط رؤوسهم من سعة الرحم الى ضيق الدنيا ..ولو كان توقُع هذه الحالة في أي من دول الكفار التي دنا عذابها ثم تراجع ليدنوعشقها .. لأستنفرت الدولة من أعلى راسها الى أخمص كعبها كل الإمكانات ولتبارت الهيئات الخيرية و المنظمات المختلفة ولتوافدرجال ونساء الإحسان لتوفير كل متطلبات الأسرة بما يعينها على رعاية هؤلاء الذين وئدوا بعدم المبالاة وقبيح الأعذار حيث برر الطبيب المشرف على ولادتهم ..أن المادة التي تتطلبها حالة التوائم هي باهظة الثمن ..في الوقت الذي يسافر فيه وزير الصحة الإتحادي الى تايلاند لمعالجة ركبته ..بينما يبعث بحرمه المصون الى الهند نظراً لعجز وزارته عن إيجاد ما يعين على علاجها في المستشفيات التي يموت فيها فائض المواطنةغير المفيد للحكومة !
قبل بضعة أشهر أدخل ابن خالتي لإجراء عملية بتر إحدى رجليه من منطقة أعلى الفخذ ..في ذات مستشفى أمدرمان المسمى تعليمي ..وكانت غرفة العمليات تفتح يصورة شبه مباشرة على ممر قذر تكدس فيه أهل المرضى بكل أمتعتهم وتزاحم أنفاسهم الولهى .!
.وبعدساعة من العك الذي يشبه ما يحدث في المقاصب ..دفعوا بالشاب الى ذلك الممر ومنه الى العنبر القريب ولم يمضي على حالة البتر الكبيرة إلا دقائق ثم رموا لنا بتلك الرجل المبتورة وسط هلع النساء والأطفال ..ودون أن يخضع المريض الذي يمزقه الوجع .. ولولساعات للإفاقة في غرفة إنعاش معزولة ومعقمة..ولعلها غير موجودة أصلا طالما أن غرفة العمليات نفسها عبارة عن مقصب صغير ..وقد شهدت بأم عيني المرضى ونحن نضع إبننا على السرير المتسخ الفراش دون مساعدة أي من الممرضات ولا أقول الأطباء لتعريفنا بالطريقة المثلى للتعامل في حمل مثل هذه الحالات الحساسة ..ووالله شهدت بعضهم بالقرب
من مريضنا و قد إتخذوا أكياسا بلا ستكيية من السوق للتبول عليها لعدم قدرتهم على القيام والمستشفى لا يملك المبولات التي يقضون فيها حاجتهم ..وكانت خيوط النفايات تتدلى على أرضية العنبر مع الحشرات من أعلى السقف وتزيد من التلوث الذي يصاحبه صرير تلك المروحة وهو يزيد من إقلاق راحة الذين ينهش في عيونهم أرق الألم !
وطبعا لم يشرق صباح ذلك الليل حتى إحتسبنا لله عزيزنا الزين نتيجة حالة تسمم الجرح الكبير ..والذي أكبر منه جرح هذا الوطن وقد تسمم في زمن ..إن كنت تملك مالا لتدخل المشافي من أملاك تجار العافية ..فأنت عزيز..أما إذا رمتك ظروف العوز في مستشفيات الفاقد الإنساني .. فالله أرحم بك حينما يأخذك في ذمته وهوالعزيز المقتدر ..وأنت تسعى اليه سعيداً مكرماً…حتى لاتعيش ذليلاً أسير زماننا الذي أفقره الفساد والتمكين ..ولاحول ولاقوة إلا بالله العظيم .
[email][email protected][/email]