في الهايس!

*(إذا فرضت على الإنسان ظروف غير
إنسانية ولم يتمرد، سيفقد إنسانيته شيئاً فشيئاً!..).
-تشي جيفارا-
.. بعد أن عرفت معنى نضال الشوارع، امتطيت أخيراً صهوة الهايس، وصرت من النخبة المحظوظة، فبات من حقي أن أنظر بخيلاء إلى الجماهير المنتظرة التي ما زالت تتسابق على اقتناص نصيبها بنصف مقعد في أي وسيلة نقل، لكن ما عكر فرحة الانتصار هو السائق الذي بدا مزاجه عكراً، فراح يعاملنا بشراسة، بينما نحن الركاب الأبرياء حافظنا على هدوئنا مستوعبين الحالة باعتبارنا غرقى واعتباره ربان سفينة نوح! بل رحنا نجمع الأجرة بكل أريحية ونخاطبه بمنتهى الاحترام: تفضل يا معلم! من فضلك نريد خمس جنيهات يا معلم! وهكذا حتى شعرنا أن المعلم هدأ قليلاً وبدأ الهايس يمشي، فقلنا: ربي يسر! لكن المشكلة أن التيسير على الزحام ليس بهذه السهولة، فتهيأت لقضاء وقت ممتع بالهايس، إذ رحت أستمع للراديو، وأراقب ما حولي، وكما يحصل معي كل صباح رحت أوبّخ نفسي لأني لم أحمل معي ورقاً وقلماً لأسجل تأملاتي الخاصة بمآسي الهايس من لوعة وانتظار وذل وحرمان وبكاء على الأطلال – أقصد أطلال مواقف الباصات التي كنا نتدلل عليها يا عيني – حاولت أن أفتح حديثاً مع المرأة الجالسة بجواري، لكنها وجدت ما يشغلها، إذ كانت تتمتم بشفتيها، بينما تكبس بإبهام يدها على (عدّاد الحسنات) هكذا سميّته لأني لا أعرف ما يسمى، ولكن فهمت أنه اختراع يساعد على إحصاء عبارات الحمد والتسبيح – الكلمة الأخيرة بالسين، لا بالشين، أرجو الانتباه – والحقيقة أن هذا الشيء لم يعجبني، لأنه من غير المعقول أن يحاسبنا الله (على العداد)! ألا تكفينا شركتا الكهرباء والماء؟! على يساري جلست امرأة متوسطة العمر، وكانت يدها مشغولة أيضاً، لكن ليس معها (عداد) بل إبرة وخيط، وقد خلعت حذاءها وراحت تخيط جوربها الممزق! أعجبتني روحها العملية، وهي لاحظت نظراتي، فراحت تشرح: أنا موظفة وعندي أولاد، فليس لدي وقت لرتق جوربي في البيت… وبينما تتكلم عن تدريس الأولاد، فجأة صرخ السائق بصوت طغى على صوت المطربة التي تنهر حبيبها الخائن زاعقة: آسفة شفلك غيري… وكان يلوح بورقة خمسين جنيه بيده وهو يسأل مستنكراً: من أعطاني هذه الورقة الممدوغة في بوز كلب؟ لم يرد أحد… فتابع: من منكم الفاعل؟ فليعترف الآن أحسن! لكن الفاعل تابع الصمت، فراحت الشتائم تنهمر فوق رؤوسنا مثل قذائف الهاون! عندئذ راح كل واحد يسعى لإثبات براءته: أنا يا أبو الشباب أعطيتك عشرين جنيه، ألا تتذكرني؟ وأنا أعطيتك فكة… وأنا كذلك أعطيتك عشرة جنيه، وبالعلامة لم ترجع لي الباقي لكن.. مسامح! وهكذا قدم أغلب المتهمين أقوالهم، حتى انحصرت الشبهة بالمقعد الخلفي، ولا أدري لمَ تكون المقاعد الخلفية مصدراً للمشاكل دوماً وفي كل مكان! مع ذلك أثبت الركاب تضامنهم، فلم يحاول أحدهم الإشارة إلى الجاني، وتبرأ الكل من الورقة النقدية وكأنها بنت حرام، فسجلت القضية ضد مجهول، إلا أن السائق لعن أبو هذا المجهول، وبقي يرعد ويقصف مؤكداً أنه لن يسمح لراكب بالنزول قبل أن تُكشف الحقيقة… عندئذ وبخت نفسي ثانية، لأني لم أحمل ورقة أو قلماً، أو مجلة مسلية أو حتى مبرد الأظافر، لأشغل نفسي بشيء مفيد.
[email][email protected][/email]
– – – – – – – – – – – – – – – – –
تم إضافة المرفق التالي :
د. نائِل.jpg
سخرية من السبحه، ده ذول مشغول بذكر الله احسن منك مشغول بالأغاني، انت لو ذهجان وشجاع اتكلم في الحكومه ديك ما بعيده، لكن وينا الشجاعه،،،
(لأنه من غير المعقول أن يحاسبنا الله (على العداد)! ألا تكفينا شركتا الكهرباء والماء؟!) لن اتحدث عن سخريتك من الانسانة التي تسبح لأن هذي ليست النقطة الاهم ، فيا دكتور نائل انت رجل تملك قلما نادرا وملكة فكرية جبارة في التأليف والسرد والنثر ومعظم الادبيات ، ولكن لديك مشكلة لا اعرف معناها هل انت من اولئك (الكهول) الذين يحسبون ان المثقف هو الذي يكتب مايريد وكيفما يريد – حتى لو انتقد او استهزأ – بالذات الالهية ؟ لا يا اخي العزيز نائل فالثقافة ترقى كلما تحدثت عن الادب والذوق والاخلاق والسمو ، وطبعا ليس من ضمن كل تلك الصفات الاستهزاء بمعتقدات الاخرين الدينية ، فأنت وكل شخص حر فيما يعتقده دينيا ولكن ليس من حقه ان ينتقد او ينتقص او يستهزئ بما اعتقد وبالعكس.
وحرية الكلمة وجمالها عندما تكتب بما يجمعنا كلنا كبشر ومشاعر ، وهموم ومآسي ، وليس بالسخرية مما يعمله البعض كواجب ديني (كالتسبيح) ، ومن غير اللائق كذلك ادخال (الإله) في جملة ساخرة كالتي في بداية التعليق .
قد يعجب البعض مما تكتبه وانا منهم واريد منك المزيد من الكتابة ولكن فقط الدين بعيدا واكتب ماشئت ، وحاذر فقط من الاستهزاء بثلاث فقط هن الامور (الله ، وآياته ، ورسوله ) لأن هذا امر الهي واضح التحدذير وليس من قبل (وهابي او داعشي او اخواني ، او متشدد ) ان الله هو الذي ذكرها في كتابه الكريم : قال تعالى (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون 65 )
الله يهدينا ويهديك لما يرضاه