حول اتفاق جوبا للسلام وقضاياه

ماهر أبوجوخ
مقدمة
مثل التوقيع على إتفاق سلام جوبا في الثالث من أكتوبر 2020م أحد فرص ومساعي تحقيق سلام مستدام في السودان وإنهاء الحرب الأهلية، ولعوامل عديدة فإن إرتبط بعضها بالظروف السياسية وتجاذبات بين المكونات والأطراف فإن الإتفاقية باتت تستوجب إعادة النظر في بعض جوانبها لمعالجة أي قصور مصاحب لها بهدف جعلها تعبر في نصوصها ونتائجها في تحقيق سلام يحظى بقبول ورضا شعبي يفتح الطريق أمام الوصول لسلام شامل مستدام ينهي الحرب ويعالج مسبباتها.
بمناسبة إنعقاد الورشة الخاصة بمناقشة قضايا السلام وإتفاق جوبا ضمن ورش الإتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر 2022م أتقدم بهذه الرؤى حول القضايا ذات الصلة بالسلام وإتفاق جوبا، ولكن من الضروري الإشارة إلي أن ما حفزني فعلياً لكتابة هذه الملاحظات هو نقاش مع الأستاذ المناضل ونائب رئيس حزب التحالف الوطني السوداني عبدالرحمن عبدالسيد حول قضايا وتحديات إتفاق سلام جوبا، فله الشكر على إثراء النقاش وفتح مدارك الحوار حول هذه القضايا المهمة.
اختلال منهجي
مع تقدير الجهد والغايات للجهود المبذولة في إتفاق سلام جوبا الموقع في الثالث من أكتوبر 2022م فمن الضروري الإقرار بوجود خلل منهجي في بنية الإتفاق يتمثل في الأتي :-
أولاً:- الإتفاق هو لتحقيق السلام وهذا يعني شموله مناطق الحروب وأطرافها ولكن بالنظر لمضمون ومحتوى الإتفاق نجده تضمن مواقع وجهات ليس فيها حروب وأفضي هذا الإتفاق لإحداث توترات في مناطق لم تكن فيها حروب بسبب الإختلاف على نصوصه نموذجاً شرق السودان وتضمن مناطق غير مشمولة بالحرب وعند النظر لنصوص الإتفاق نجده فعلياً بنصوصه جعل كل ولايات السودان الـ18 واقعة ضمن مناطق الحرب.
ثانياً:- أغفل الإتفاق غياب أطراف أخرى فاعلة في مشهد الحرب ولذلك سعت مكوناته للاستأثر بحيز كبير جداً من المكاسب وتأمينها من خلال تحصين الإتفاق ونصوصه بجعل تلك المكاسب هي الأساس الذي لا يجوز الانتقاص منه، وبالتالي أعاق فعلياً بسبب تلك النظرة والمنهج إستكمال تحقيق السلام الشامل.
ثالثاً:- أنتج فعل غير مسبوق بأن جعل نص سياسي يعلو على النص الدستوري وتسود أحكامه عليه بسيادة نصوص الإتفاق على الوثيقة الدستورية لسنة 2019م، وتعزيز هذه السابقة ضمن تعديلات الوثيقة الدستورية لسنة 2020م.
تصويب الاختلالات المنهجية
يتطلب النظر لإتفاق سلام جوبا بداية تصويب الاختلالات المنهجية بداية المشار إليها أعلاه عبر الأتي :-
أولاً:- إقتصار الإتفاق في نصوصه وأحكامه على مناطق وأطراف الحروب فقط على أن تعالج وضعية المناطق والأطراف غير المشمولة بالحروب في سياق منفصل.
ثانياً:- تأسيس أي إتفاق سلام في مناطق الحروب وأطرافها على حقيقة وجود أطراف أخرى فاعلة يستوجب تضمينها بشكل مقبول ومنصف وصولاً لتحقيق سلام شامل عادل دون جنوحه صوب تحقيق المكاسب الذاتية أو الحزبية.
ثالثاً:- النص على تضمين أحكام إتفاقيات السلام في الدستور وحال عدم تضمين أي من تلك النصوص يعتبر وكأنه جزء من الدستور والاستهداء بتجربة المادة (225) من الدستور الإنتقالي لسنة 2005م والتي نصت على (تُعتبر اتفاقية السلام الشامل قد ضُمنت كلها في هذا الدستور، ومع ذلك فإن أي أحكام وردت في اتفاقية السلام الشامل لم تضمن صراحة في هذا الدستور تعتبر جزءً منه)، فعلى المستوى القانوني فإن الدستور هو أعلى قانون ولا يعلى عليه أي قانون.
معالجة أوضاع المناطق خارج دائرة الحرب
في إطار معالجة أوضاع المناطق خارج دائرة الحرب والاتفاقيات الخاصة المنصوص عليها في إتفاق سلام جوبا فإننا نقترح الآتي :-
1/ إتفاق مسار شرق السودان
إحالة الإتفاق الخاص بشرق السودان للورشة الخاصة بشرق السودان المقرر عقدها في الخامس من فبراير الجاري ولاحقاً لمؤتمر شرق السودان بغرض مناقشته ومقارنته بأي إتفاقيات سابقة ممثل في إتفاق الشرق الموقع في 2006م بين حكومة السودان وجبهة شرق السودان (اتفاق أسمرا) والوصول لصيغة متفق عليها من خلال أعمال مؤتمر شرق السودان في ما يختص بالقضايا السياسية والإقتصادية الخدمية ومعالجة ملفات الترتيبات العسكرية للمقاتلين بشرق السودان والتمثيل في القوات النظامية وأي قضايا أخرى وتعتبر التوصيات الصادرة عن مؤتمر شرق السودان هي خارطة الطريق لتحقيق التنمية وإزالة التهميش بشرق السودان.
من المهم أن ينظر الإتفاق النهائي للجزئية المرتبطة بالتخصيص الحكومي لصندوق تنمية الشرق باعتباره التزام ضمن إلتزامات في بنود أخرى في الميزانية العامة والتزامات وإستحقاقات عملية السلام ولذلك فعوضاً عن المطالبة بالوفاء كدفعة واحدة بمبلغ 348 مليون دولار لصالح الصندوق يمكن أن جدولة المبلغ على ثلاثة سنوات بواقع 60 مليون دولار سنوياً مع إمكانية تحويل بقية المبلغ المتبقي إما بشكل نقدي أو تنفيذ مشاريع بقيمة تلك المبالغ والتي تعادل 56 مليون دولار سنوياً عبر التمويل الحكومي المباشر أو عن طريق إستقطاب الدعم الإقليمي والدولي لتنفيذ تلك المشاريع.
في ذات السياق أعتقد أنه من الأفضل أن يخصص جزء من هذا المبلغ الخاص بدعم المشاريع لدعم رأس مال بنك الشرق بواقع ستة مليون دولار سنوياً لمدة ثلاثة سنوات على أن يعمل البنك في مجال دعم المشاريع الإنتاجية وتطوير البحوث في ولايات شرق السودان مع مراعاة أن لا يتم تركيز التمويل في قطاع واحد أو ولاية واحدة.
2/ مساري الوسط والشمال وملحق مسار الشمال
يحال إتفاق مسار الوسط المجالس التشريعية لولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض بعد تكوينهما وتقوم تلك المجالس التشريعية دراسته وإجراء التعديلات اللازمة بخصوصه في ما يتصل بالقضايا التنموية والاقتصادية وفي حال اقتضى الأمر تكون المجالس التشريعية الثلاثة لجنة مشتركة في ما بينها لإجازة وثيقة موحدة برؤى تلك الولايات بوصفها الإقليم الأوسط ناقص –نظراً لوجود ترتيبات أخرى مرتبطة بالنيل الأزرق- ويتم إجازتها في جلسة مشتركة في ما بينها وتعتبر هذه الوثيقة هي بمثابة مطالب ورؤية تلك الولايات لتحقيق التنمية وإزالة التهميش.
في ذات السياق يحال إتفاق مسار الشمال وملحقه للمجلس التشريعي لولايتي نهر النيل والشمالية بعد تكوينهما بغرض دراستهما وإجراء التعديلات اللازمة بخصوصهما في ما يتصل بالقضايا التنموية والإقتصادية، وفي حال اقتضى الأمر يكون المجلس التشريعي للولايتنين لجنة مشتركة بينهما لإجازة وثيقة موحدة تتم إجازتها في جلسة مشتركة للمجلسين وبعد إجازتها تعتبر هذه الوثيقة هي بمثابة رؤية الإقليم الشمالي لتحقيق التنمية وإزالة التهميش.
من بين القضايا التي تتطلب وضعية للمعالجة هي المرتبطة بـ(الكنابي) والتي تتطلب علاجها بالتعاطي معها في سياقها الصحيح محلياً وولائياً عبر تكوين لجان ذات طبيعة محلية وولائية على أساس شعبي في المقام الأول أو على أساس رسمي إذا ما اقتضى الحال لمعالجة أي جوانب مرتبطة بها في المجال الخدمي والتنموي مع إمكانية الاستعانة المستوى الإقليمي أو القومي في حال اقتضى الأمر هذا التدخل.
3/ التمثيل في ولاية الخرطوم (العاصمة)
يتم التمثيل في أجهزة حكم ولاية الخرطوم لأطراف السلام باعتبارها تعبر عن العاصمة القومية بشكل رمزي في المستوى التشريعي الولائي والمحلي.
4/ التمثيل في ولايتي شمال وغرب كردفان
بعد إستكمال معالجة ترسيم منطقة جنوب كردفان/جبال النوبة ونظراً لعدم شمول ولايتي شمال وغرب كردفان –بعد إكمال ترسيم منطقة جنوب كردفان/ جبال النوبة- فلا ينص على أي تمثيل لأطراف إتفاق السلام بشكل منفصل في هاتين المنطقتين.
مشاركة أطراف السلام في مؤسسات الحكم
يجب وضع فلسفة كلية يتم بمقتضاها تحديد حجم تمثيل أطراف إتفاق السلام في مؤسسات الدولة بشكل كلى ومن ثم تقسيم هذا التمثيل بين الأطراف من خلال إقرار نسبة ثابتة لتمثيل أطراف السلام مع إلزامها بتمثيل النساء ضمن السياق الكلي في الأجهزة القومية والإقليمية والولائية والمحلية.
على المستوى القومي قد يكون التصور الأكثر واقعية هو تخصيص نسبة إجمالية للأطراف الموقعة على إتفاق السلام بأن تكون حوالي الخمسة وثلاثين في المائة على المستوى القومي بحث يتم تخصيص عشرين في المائة للأطراف الموقعة على إتفاق جوبا وعشرة في المائة للحركة الشعبية بقيادة الرفيق عبدالعزيز الحلو وخمسة في المائة لتمثيل الرفيق عبدالواحد نور في كل أجهزة ومؤسسات الحكم القومية على أن يتم توزيع في مناطق الحروب وفق نسب أخرى يتم الإتفاق عليها.
من المهم في هذا السياق معالجة قضايا التمثيل المنصوص عليها في المؤسسات القومية بالآتي :-
1/ مجلس السيادة
التصور النموذجي والمفضل أن يتكون مجلس السيادة من عدة أعضاء وهذا يحقق الإستجابة لتمثيل المنصوص عليه في إتفاق جوبا ويتيح تمثيل الحركات غير الموقعة، لكن من الضروري التحسب لإمكانية الوصول لصيغة تقتضي الموافقة على تشكيل مجلس السيادة من شخص واحد كرأس للدولة وفي هذه الحالة فإن الخيار المتاح تسمية أولئك الممثلين كمساعدين لرأس الدولة في ما يتصل بتنفيذ إتفاقيات السلام بإعتبار أن هذه الوضعية تمنح تمثيل في المؤسسة السيادية بصفة دستورية والثانية أنها تجعل متابعة تنفيذ هذه الإتفاقية أمر سياسي.
2/ مجلس الوزراء القومي
تأسيس مجلس الوزراء على أساس الكفاءة لا التمثيل الحزبي وهذا يعني أن تقدم أطراف السلام مرشحيها لشغل عضوية ثلث مقاعد مجلس الوزراء ضمن قوائم ترشيحات لرئيس الوزراء من أبناء وبنات مناطق الحروب من أصحاب الكفاءات في مختلف المجالات يتولى رئيس الوزراء الإختيار من بين مرشحي/ مرشحات تلك القوائم مع مراعاة تمثيل النساء.
قضايا تستوجب المراجعة
عند النظر في نصوص الاتفاقيات المتصلة بمناطق الحرب وتحقيق السلام نجد أن بعضها تحتاج للمراجعة وفقاً الآتي :-
1/ سلطات وصلاحيات المستوي القومي
نجد أن إتفاق المنطقتين نص على سلطات للمستوي القومي وأخرى للمنطقتين وأخرى مشتركة وأخرى يتم ممارستها حسب الإختصاص وبالنظر لإتفاق تقاسم السلطة بمسار دارفور نجده تطرق للسلطات المشتركة بين المستوي القومي وإقليم دارفور والسلطات الحصرية لإقليم دارفور.
من الضروري توحيد الاتفاقيات في ما يتصل بسلطات وصلاحيات المستوى القومي مع تضمين السلطات الخاصة المحددة للإقليم أو المنطقة المعينة والسلطات المشتركة وممارسة السلطات المشتركة
2/ التمييز الإيجابي في التعليم العالي
نجد نص المادة (29) من اتفاق تقاسم السلطة قد منح تميزاً إيجابياً بالنسبة لطلاب وطالبات إقليم دارفورفي مؤسسات التعليم العالي بتحديد مقاعد في التخصصات العلمية وإعفاء من الرسوم في الجامعات الحكومية لفترة عشرة سنوات.
بعيداً عن جدل يثار حول مقدار عدالة هذا الإجراء فمن الضروري في تقديرنا أن يستوعب هذا الإجراء مصلحة الإقليم ولذلك نقترح أن يربط القبول ضمن نسبة الخمسة عشرة في المائة المحددة لطلاب وطالبات إقليم دارفور في التخصصات العلمية في الجامعات القومية إلتزام من المستفيدين من هذه التخصص بالعمل لفترة لا تقل عن ثلاثة سنوات في أي من مؤسسات الإقليم بمجالهم بغرض ضمان إستفادة الإقليم من هذا التمييز، على أن يقوم المستوي القومي بتغطية تلك المصاريف لمؤسسة التعليم العالي القومية الحكومية. وينطبق ذات الإجراء على نسبة الخمسين في المائة المخصصة لطلاب إقليم دارفور في جامعات الإقليم على أن تلتزم حكومة الإقليم بتغطية تلك المصروفات للجامعات الحكومية في الإقليم.
نقترح أن يتم تخصيص ما يعادل خمسة في المائة لكل من منطقة النيل الأزرق وجنوب كردفان/جبال النوبة في مؤسسات التعليم العالي القومية الحكومية في المجالات العلمية تتولى الحكومة القومية سداد رسومهم على أن يلتزموا بالعمل في المؤسسات العامة التابعة للمنطقتين لثلاثة سنوات أو أكثر.
ولتقليل أي إحساس بالظلم قد ينشأ من هذا التمييز الإيجابي نقترح منح المؤسسات التعليمية في الأقاليم/ الولايات الأخرى سلطة إعفاء طلاب/ طالبات الأقاليم بما يعادل نصف الرسوم الدراسية بأي من جامعات الإقليم/ الولاية شريطة العمل في أي من مؤسسات الإقليم/ الولاية في مجاله داخل الإقليم/ الولاية.
ربط هذا التمييز بالعمل داخل الإقليم أو المنطقة أو الولاية يحقق المقصد والمصلحة العامة ويضمن أن يكون هذا الأجراء يصب لصالح المواطن بشكل إجمالي ويجعل الإجراء فعليا يفضي لتحقيق المصلحة العامة.
3/ غياب المستوى التشريعي لإقليم دارفور
بشكل عام نلاحظ غياب للنصوص التي تتطرق لوجود وسلطات المجلس التشريعي لإقليم دارفور في مجمل الإنفاق ولذلك يجب النص عليه في إطار إكمال البناء المؤسسي ومبدأ الفصل بين السلطات وتعزيز الرقابة الشعبية على المستويات التنفيذية على مستوى الإقليم.
4/ ربط سلطة التصرف بالموارد برقابة المستوى التشريعي في إقليم دارفور
نصت المادة (16) في إتفاق قسمة الثروة في مسار دارفور على حق حكومة إقليم دارفور في تحديد أوجه إنفاق مواردها المالية، ونعتقد أن الصحيح هو النص على حق الإقليم في تحديد أوجه إنفاق موارده المالية وفقاً لميزانية تعدها حكومة الإقليم يجيزها المجلس التشريعي للإقليم وتخضع لرقابته.
5/ عائدات صافي إنتاج الموارد المعدنية بإقليم دارفور
نصت المادة (25) من اتفاق تقاسم الثروة لمسار دارفور على تخصص نسبة أربعين في المائة من صافي عائدات إنتاج الموارد المعدنية في الإقليم لصالح حكومة إقليم دارفور يخصص منها ثلاثة في المائة لصالح سكان الإقليم بمناطق الإنتاج.
نعتقد أن متبقي هذه العائدات يجب أن تخصص كمساهمة من الإقليم في مشاريع الإعمار والتعويضات وجبر الضرر بالإقليم بحيث تتراوح هذه النسبة ما بين 17-29% -سبعة عشر وحتى عشرين في المائة- من إجمالي صافي عائدات تلك الموارد المعدنية المنتجة بالإقليم.
6/ التخصيص السنوي لدارفور
نصت المادة 29 (6) من اتفاقية قسمة الثروة بمسار دارفور على تخصيص سنوي لإقليم دارفور بقيمة 750 مليون دولار لمدة عشرة أعوام من غير نصيب الإقليم من العائدات ولعل هذا النص تم إستخدامه وتوظيفه من قبل أطراف عديدة لتعميق وتعزيز الخطاب العنصري بين أقاليم السودان.
الصياغة الأصح لهذا النص هو (العمل على) عوضاً عن صيغة الإلزام والثاني هو النص على توفير هذا المبلغ بشكل مشترك في شكل مقسم ما بين المستوي القومي بالثلث من هذا المبلغ –أي مائتان وخمسين مليون دولار سنوياً- وإقليم دارفور والأطراف الدولية والإقليمية الصديقة والمستويات الإقليمية والولائية الأخرى.
الثاني أن لا يشترط لهذه الحزمة أن تكون في شكل نقدي يمكن قبول المشاريع المختلفة في الإقليم خدمية أو تطوير البنية التحتية وغيرها، الأمر الثالث جعل مشاركة الأقاليم/الولايات الأخرى يقوم على أساس قرار سنوي صادر عن المجلس التشريعي المعنى يحدد النصيب السنوي للمشاركة سواء كانت بشكل نقدي أم مشاريع.
معالجة هذا النص بالكيفية المقترحة أو أي كيفية أخري يساعد في تحقق عدة فوائد على رأسها توفير أكبر رضا شعبي للاتفاق ونصوصه وتجنب أي محاولة لإستثمار نصوص الإتفاق في تعميق وتنمية مشاعر الكراهية والخطاب العنصري.
7/ تغطية فجوة إتفاق سلام مسار دارفور
أثار النص 29 (7) من إتفاق قسمة الثروة لمسار دارفور معضلة إضافية نسبة لما ورد فيه بإلزام الحكومة بسد أي فجوة مالية ناتجة عن تنفيذ اتفاق سلام دارفور، فهذا النص عند تطبيقه سيتسبب سنوياً في إرباك الميزانية العامة للدولة، الأمر الثاني نص تمويل العجز المفتوح دون مسببات هو إجراء مخالف للأسس المالية السليمة بإعتبار أن البرامج تقوم على ميزانيات محددة بغض النظر عن حجمها فهي ميزانيات محددة ومضبوطة بالأرقام ولا يمكن بأي حال من الأحوال تمويل دون سقف أو ضوابط لأي إجراء من الإجراءات.
يبدو أن التقدير الأصوب هو صياغة النص بشكل إفتراضي وليس إلزامي بحيث يصبح (في حال حدوث أي فجوة مالية ناتجة عن تنفيذ إتفاق سلام دارفور..الخ) أما الشق الثاني فهو ربط هذه الفجوة بميزانية وثالثهما نشوء ظروف أفضت لحدوث عجز مالي أما الرابع فهو دراسة وتقييم أسباب هذه الفجوة وخامسهم ربط سد هذه الفجوة بتجنب الأخطاء التي حدثت خلال متابعة تنفيذ الميزانية في المرات القادمة، خاصة أن السودان موارده محدودة وليست بذلك الحجم التي تمكنه من الصرف بدون حساب.
هذا التصور يجعل حدوث الفجوة ينتج عن أمر خارج الإرادة أو دائرة التوقعات ويتأسس على رقابة الأداء بناء على التخطيط والتنفيذ والتقدير والصرف الفعلي ويغلق الباب أمام تشجيع تعلية الصرف لأي سبب من الأسباب طالما تغطية الفجوة أمر واجب السداد.
8/ لجنة الحقيقة والمصالحة بمسار دارفور
نصت المادة (22) من إتفاق العدالة في مسار دارفور على تكوينها من 10 أعضاء مناصفة ما بين الحكومة والحركات الموقعة وشخصية يتوافق عليها الطرفين تولي رئاسة اللجنة، هذا النص أغفل دور ومشاركة المكونات المحلية والمجتمع المدني في هذه اللجنة في مستوياتها المختلفة.
يقترح أن يضاف ممثلين/ ممثلات للمكونات المحلية والنازحين واللاجئين والمجتمع المدني في لجنة الحقيقة والمصالحة في كل مستوياتها إما بتقليص التمثيل المنصوص عليه في المادة (22) أو زيادة حجم تكوينها لتشمل تلك المكونات على أن يتم إختيار رئيس اللجنة بشخص إضافي يتم التوافق عليه بين جميع مكونات لجنة الحقيقة والمصالحة.
9/ المحكمة الجنائية الدولية
نصت المادة 24 (1) في إتفاق العدالة بمسار دارفور على التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية وتيسير مثول المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وبعيداً عما ذكرته أطراف موقعة من إتفاق جوبا بوجود إتفاق سري لها مع المكون العسكري بعدم تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية فهذا أمر ليس هذا مجال التعليق عليه في هذا السياق، إلا أن الصياغة الأدق لهذا البند هو التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية (من خلال توقيع السودان ومصادقته على ميثاق روما الأساسي ونيله لعضوية المحكمة الجنائية الدولية)، أما الأمر الثاني فهو (تسليم) المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية عوضاً عن (تيسير مثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية).
10/ جبر الضرر
من الضروري التأمين على جبر الضرر النفسي والمادي لأي من ضحايا الحروب لكن يتطلب هذا الأمر وضع أسس تفضي لتحقيق جبر الضرر وفقاً للإمكانيات المالية والإقتصادية المتاحة والمتوفرة بالبلاد والنقطة الثانية أن لا يكون هذا الجبر إلتزام فقط من المستوي القومي وإنما يجب أن تكون مساهمته عامة تشمل المستوى القومي والإقليمي لدارفور والمجتمعات المحلية والمجتمع الإقليمي والدولي.
تبقي النقطة المحورية لجبر الضرر هي المتصلة بتحديد الأسس المرتبطة به وجوهر مقصده القائم على توفير المسكن وفق معيار المنطقة الجغرافية المراد جبر الضرر فيها بالإضافة لتوفير سبل العيش في المنطقة يضاف إليها إجراءات تمييزية (كالتمويل المجاني مرة أو إثنين حسب طبيعة النشاط والإعفاء من الرسوم والضرائب الحكومية لفترة زمنية ما بين عامين لثلاثة أعوام … الخ) من الإجراءات التي تمكن المتضرر من العودة لحياته بشكل طبيعي وفي ذات السياق من المهم ربط بعض الإجراءات بشرط الإستقرار في الإقليم لأن المقصد هو تنمية وإعادة الحياة لطبيعتها للإقليم.
11/ شعب أم مواطني دارفور؟!
وردت ضمن المادة 27 (2) عبارة (شعب دارفور) ولذلك الصحيح تعديلها لتصبح (مواطني/ مواطنات دارفور) وأن يتم هذا التعديل في أي موضع آخر تم فيها إيراد عبارة (شعب دارفور).
معضلات الترتيبات الأمنية
رغم أن القضية الخاصة بالترتيبات الأمنية على المستوى الفني مشمولة في النقاش في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري لكنها في ذات السياق ترتبط بشكل عضوي في عدد من الجوانب ذات الصلة في إتفاق سلام جوبا والتي يمكن أن نلخصها في الجوانب التالية :-
1/ قضية إستثناء الحركات المسلحة من قانون الأحزاب
نصت الفقرة 6 (1) من اتفاق تقاسم السلطة على إستثناء الحركات المسلحة من قانون الأحزاب السياسية لسنة 2007م شريطة توقيعها على اتفاق السلام، ونعتقد أن الإشارة لهذا النص مرتبط بالتداعيات السابقة إبان اتفاق سلام جوبا بعرقلة الإعتراف بحركة التحرير التي يقودها القائد مني أركو مناوي بسبب عدم إستكمال بند الترتيبات الأمنية.
بالنظر للواقع الراهن ومع إخراج القوات النظامية من العملية السياسية فإن هذا الأمر يتطلب التماثل في هذا الإجراء بالنسبة للحركات المسلحة بضرورة الفصل بين مؤسساتها السياسية والعسكرية فالشق المدني السياسي محكوم بتوجهات مختلفة من الجانب العسكري ومن يريد أن يكون سياسي تنقطع صلته بالمؤسسة العسكرية في الحركة بإعتبار أن هذه الخطوة ضرورية لاستكمال الإنتقال بالحركات المسلحة لفضاء العمل المدني وإبعاد السياسة من المؤسسات العسكرية.
طبقاً لهذا الإجراء يتم الفصل بين المؤسسات العسكرية والسياسية وتسمى كل حركة مسلحة قائد جيوشها ورئيس أركانها ويتم تشكيل هيئة قيادة مشتركة للقوات المسلحة للحركات يترأسها وزير الدفاع مع إمكانية تفعيل وتطبيق نص المادة 26 (9) بشكل جزئي والذي ينص على تعيين قادة بالحركات المسلحة إستناءاً في رتب عليا بقيادة القوات المسلحة بحيث يكونوا ضمن هيئة القيادة المشتركة تلك، وطبقاً لذلك يصبح أولئك القادة العسكريين بحكم وظائفهم ولحين إكمال عمليات الدمج أعضاء في مجلس الأمن والدفاع، وطبقاً لذلك لا يسمح للعسكريين في أي من تلك الحركات ممارسة أي نشاط سياسي عام أو حزبي وبتنفيذ هذا الإجراء يتحقق الفصل بين العمل السياسي والعسكري والشروع في تأسيس جيش قومي مهني بعيداً عن الإنتماءات السياسية.
2/ تعدد نصوص إتفاقيات الترتيبات الأمنية والإجراءات
رغم وجود تطابق وتماثل كبيرين في نصوص إتفاقيات الترتيبات الأمنية في المنطقتين ومسار دارفور في إتفاق سلام جوبا ولكن نجد هناك فروقات وإختلافات في بعض القضايا قد تبدو رغم عددها المحدود جوهرية فعلي سبيل المثال ينص إتفاق المنطقتين على وجوب دمج كل المجموعات المسلحة بما في ذلك الدعم السريع في الجيش القومي المهني الواحد، أما اتفاق ترتيبات مسار دارفور فيجعل خيار الدمج لقوات الحركات إما في الجيش أو قوات الدعم السريع وهذا إختلاف بإعتباره يجعل الدعم السريع وكأنه قوة مستقلة قائمة بذاتها. في ذات السياق نجد في إتفاق ترتيبات جبهة تمازج الملحق بالإتفاق يحذف الإشارة الخاصة بتكوين جيش قومي مهني والتي تم النص عليها في اتفاق كل من الترتيبات الأمنية للمنطقتين ومسار دارفور.
يوجد إختلاف في مواقيت وإجراءات الدمج والتسريح في إتفاق المنطقتين مقارنة بإتفاق مسار دارفور عملية الدمج في مسار المنطقتين تنتهي حسب جدولها خلال 39 شهراً، وبالنسبة لإتفاق الترتيبات الأمنية لمسار دارفور فنجده تجنب الإشارة لمواقيت زمنية معينة وربط إكمال الدمج بإنتهاء المراحل.
الأوفق أن يتم توحيد نصوص وإجراءات دمج قوات الحركات المسلحة ووضع معيار وأساس لها بحيث تحقق العدالة بين الكل وتفضي لعملية تنتهي بتوقيت زمني معين معلوم وشفاف بأهداف متفق عليها تتمثل في بناء قوات نظامية قومية ومهنية.
3/ مخالفة إجراءات الترتيبات الأمنية
بخلاف الجيش الشعبي لتحرير السودان الموقع على إتفاق الترتيبات الأمنية بالمنطقتين نجد أن عدد كبير من أطراف مسار دارفور وحركة تمازج خالفوا إجراءات الترتيبات الأمنية سواء كان بدخول قواتهم وتمركزهم في المدن أو التجنيد الجديد المستمر لقواتهم، هذا بخلاف إستمرار وجود قوات تابعة لبعض الحركات خارج السودان وشاركتها في أنشطة قتالية إقليمية بما يمثل تهديداً مستقبلياً للأوضاع في البلاد ودارفور على وجه الخصوص، والمعاقبة الفورية وفق النظم العسكرية لأي مخالفة لهذه الإجراءات.
من المهم وضع مصفوفة تنفذ خلال شهر على أقصي تقدير تنتهي بإعادة تجميع قوات الحركات المسلحة في المواقع المخصصة لها وخروجها بالكامل من داخل كل المدن، ووقف أي أنشطة تجنيد جديدة لأي جهة من الجهات والشروع في تسليم كشوفات المقاتلين حسب الإجراءات المنصوص عليها في إجراءات الترتيبات الأمنية أو أي صيغة يتم التوصل إليها بين القادة العسكريين ممثلين في وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وقائد قوات الدعم السريع وقادة قوات تلك الحركات المسلحة.
4/ وجود إتفاقيات ترتيبات أمنية غير مضمنة بإتفاق السلام
شهد يونيو 2022م في عاصمة دولة النيجر نيامي التوصل لإتفاقية سياسية وعسكرية بين ممثلين من مجموعة مكون من سبعة فصائل مسلحة توحدت تحت مسمى (قوى المسار الديمقراطي) ووفد عسكري سوداني بخصوص عودة مقاتلي تلك الحركات للسودان بعد خروجهم من النيجر.
من المهم لضمان تحقيق واستدامة السلام تضمين واستصحاب إتفاق النيجر ومجموعاته ضمن إجراءات الدمج والتسريح وفقاً للمعايير الموحدة المتفق عليها، ومن المؤكد أن إقرار إجراءات موحدة الدمج والتسريح ستساعد في المفاوضات الخاصة بالترتيبات الخاصة بالحركات غير الموقعة على اتفاقيات السلام.
5/ قضايا إضافية
بخلاف نصوص إتفاقيات الترتيبات الأمنية فمن المهم أن تستصحب الترتيبات الأمنية والورشة الخاصة بالإصلاح الأمني والعسكري القضايا التالية :-
أ. مراحل وإجراءات دمج قوات الدعم السريع.
ب. تحديد نسب للدمج من كل المجموعات المشمولة (دعم سريع+حركات مسلحة بدارفور+الجيش الشعبي لتحرير السودان+مجموعة إتفاق النيجر) في كل من الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني في الضباط وضباط الصف والجنود.
ج. معالجة أوضاع منسوبي قوات النضال المسلح الذين لم تشملهم إجراءات التسريح وتضمينهم إما في برامج الدمج للراغبين ومن تنطبق عليهم الشروط أو ضمن برامج الإدماج في الحياة المدنية في الاتفاقيات السابقة والتي تشمل (قوات التحالف السودانية) أو المعالجة النهائية للفئات التي شملتها إجراءات دمج وتسريح بالوصول لصيغ مقبولة لهم في ما يتصل بتضمينهم ضمن برامج الإدماج في الحياة المدنية.
6/ مصفوفة تنفيذ الإجراءات والترتيبات الأمنية
يستوجب وضع مصفوفة خاصة للترتيبات الأمنية تتضمن ضمن مراحلها وإجراءاتها الرئيسية معالجة الملاحظات السابقة المرتبطة بالازدواج السياسي والعسكري لقادة الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا والاتفاق على إجراءات ومعايير موحدة لعمليات الدمج والتسريح وإنهاء التجاوزات لإتفاق الترتيبات الأمنية وعلى رأسها الإنسحاب لخارج المدن ووقف عمليات التجنيد والشروع في تجميع القوات في المناطق المحددة لها وتسليم كشوفات المقاتلين من الضباط وضباط الصف والجنود.
مستوي حكم المناطق
بجانب الملاحظات السابقة التي ذكرت سابقاً وبالنظر لشكل مستويات الحكم فنجدها فعلياً تقوم على مستويات (القومي) و(الإقليمي/الولايات) و(الحكم المحلي) وفي تقديرنا أن الواقع يتطلب منا وفي إطار وضع معالجات فإننا نعتقد أن المستوي الإقليمي يساعد على قضايا قسمة السلطة والثروة بالنسبة لدارفور ولكنه لا يحقق ذات القدر لمنطقتي (النيل الأزرق) و(جنوب كردفان/جبال النوبة).
في هذا الإطار يمكن تخصيص مستوي حكم خاص بالمنطقتين لفترة زمنية كعشرة أعوام أو دورتين إنتخابتين يتم خلالها منح منطقتي (النيل الأزرق) و(جنوب كردفان/ جبال النوبة) مؤسسات حكم تشريعية وتنفيذية وسلطات أعلى من الولايات وأقل من الأقاليم بوضعية مستقلة تصبح معيار قائم بذاته لقسمة السلطة والثروة والتمثيل في مؤسسات الخدمة المدنية والعسكرية والتمييز الإيجابي ويجوز لمؤسسات التشريعية في المنطقتين تمديد التمييز لمرة ثانية لذات الفترة الزمنية على أن يتم التمديد الثالث بإجراء إستثنائي من خلال موافقة المجلس التشريعي القومي على سبيل المثال.
الخاتمة
إن الأراء التي وردت في هذا المقال تعبر عن وجهة نظري الشخصية ولا تمثل أي جهة من الجهات، وهي خلاصة رؤيتي للقضايا المرتبطة بالسلام قد يتفق معي البعض حولها أو يختلفوا معي ولكن ستبقي وتظل محاولة صادقة وأمل لا ينتهي لإنهاء عقود طويلة من الحروب المنهكة وجعل الوطن ينعم بسلام دائم مستدام من خلال إيقاد شمعة عوضاً عن لعن الظلام .. وسنبقى مؤمنين بان أحلامنا البعيدة والمستحيلة قادرة على أن تصبح حقيقة في يوم من ذات الأيام.
الديمقراطي
خلينا من الدمج والتسريح وهلمجرا من الكلام الفارغ بتاع مهزلة جوبا لماذا لا تتكلمون عن نزع السلاح كأول بند فيما يسمى بالترتيبات الأمنية المزعومة دي؟ بس تقعدوا تلوكوا في الكلام الفاضي انتو ما عندكم نقاط وشروط مفروضة بالعقل والمنطق ساي؟ كيف تسمى هذه المهزلة اتفاقية سلام وسلاح الحرب بأيدي المتمردين ؟ طالما اتفاق سلام وتم التوقيع عليه فلماذا لا يسلموا السلاح أو يتركوه في الخارج محل ما كانوا هاربين؟ يجونا برقابهم بس وللا خايفين العسكر الفلول يغدروا بيهم؟ دي ما كانت اتفاق دي مهزلة!
وكمان عندكم نفوذ على الراكوبة ما تنشر نقد كلامكم المهبب دا وعاوزيننا نسمح لنوعكم دا يتسلط فينا في الحكومة الانتقالية؟ تبقوا واهمين يا جبناء ! أليس من قضايا السلام نزع سلاح الحركات المتمردة المسلحة؟؟