السِكِّيرِين

فى عالم اليوم فى السودان يصعب التمييز بين السكران الحقيقى “بالخمر” وبين السكران “بالوضع” المعيشى، فجميعهم سكارى بحكم الواقع المر،وإن إختلفت الأسباب والمسببات فالعقل الذى قيل أن الخمر تذهب به،ذهب به أيضا الوضع المعيشى الى ستين الف داهية والى غير عودة، وأضرار الوضع واضرار الخمر تساووا تماما ولسان حالهم يقول مافيش حد أحسن من حد، فتجد أن السكير “الخمرى” ما أن يسكر وإلا يتحدث عن واقعنا المرير من أعماق قلباه وبزوايا مختلفة كالخبير الضليع وبكل تفاصيله وبعد هذا التوضيح العجيب”يطلب” من الناس مساعدته ومد يد العون له…وكذا الأمر مع سكير الوضع فدائما يتحدث عن سوء الأحوال وصعوبة ظرفه و”يطلب” من الناس ايضا مساعدة وبل أكثر من ذلك يغرق فى عملية تفكير عميقة ومركزة عن الحال تنسيه أحيانا من يكون “هو” ذاته وفي ماذا كان يفكر…..!حتى أن البعض من سكير الوضع “جن” وخرج من الشبكة “تفكيرا” فى “الأكل” واصبحت المصحة بيتا لهم وهم لا يشعرون، وآخرين فرقت بينهم الظروف المعيشية وشتت شملهم وقضت على إستقرار بيوتهم “الزوجية” وخربت “حياتهم” وهذا مالم تقم به حتى “الخمر” اللعينة أم الكبائر ،فالناس من حولنا تبدع وتنجز بعقولها وتتزحلق على الثلوج “ترفيها” ونحن “نتعب” و”نرهق” عقولنا فى تفكير واحد وعلى نمط واحد يوميا-صباحا ومساءا وهو كيف نوفر “الأكل” ﻷنفسنا وﻷطفالنا فى البيت…وما أن نوفر وجبة بعد جهد جهيد وإلا أن نغرق مرة اخرى فى دوامة نفس التفكير وبضراوة أكثر فى التى تليه وهكذا دواليك نصبح مفكرين فى ذلك حتى نمسي والعكس صحيح ولا شغل غيره شاغل لنا….ولو خضعت عقولنا جميعا “لفحص” دقيق بشرط أن يكون خارج السودان لمعرفة فى ماذا تفكر خلال ال24ساعة لوجد دون أدنى شك أن جميعها تفكر فى الأكل وبالتساوى كمان فى درجات التفكير ودون إستثناء …فالمواطن فى السودان بسياسة ممنهجة حولته الإنقاذ الى كائن لا يفكر ولا يسأل إلا فى ما يخص “لقمة العيش” الفول بقى كم الذرة بقى كم اللبن بقى كم والسكر بقت كم والدقيق بقى كم….؟ويسعى جاهدا لتوفير ذلك لبيته وجل همه ومعظم تفكيره منصب فى لقمة العيش المهمة الهامة وكيف به أن ينجزها حتى على “أنقص” الوجوه ولا يهم بعد ذلك نوعه وصنفه وماكان يسمى بالعناصر الغذائية أصبحت فى ذمة التاريخ ولا مكان لها اليوم فى مائدة السودانيين فى الغالب الأعم، والفواكه بأجود أنواعها فى بلد النيلين تستورد لفئة خاصة من الناس والفئة العامة الأغلبية المحرومة منها بسبب الوضع لا تتخيلها وقد تكون نسيتها منذ زمن بعيد وقد لا تتذكرها جيدا والبعض منهم نسي أشكالها من طول الحرمان منها ولا يعلمون إن كانت الفواكهة مازالت توجد فى الأرض أم لا فالإنسان نطاق تفكيره دائما يكون حول البيئة المحيطة به…والبيئة المحيط بنا اليوم أصبحت أكلنا وبقدر ما توسعت البيئة المحيطة بنا ضاقت لنا لتكون فقط فى أكلنا.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..